أحمد ماهر.. عملت معه فى موسكو

نبيل عمرو
نبيل عمرو

آخر تحديث: الأربعاء 6 أكتوبر 2010 - 10:26 ص بتوقيت القاهرة

عرفته عن قرب، وشهادتى فيه أثناء قيادته للدبلوماسية المصرية العريقة، فى أهم عواصم الكون وحين أصبح وزيرا للخارجية، إنه الرجل الذى يحترم مكانته، ويؤدى مهمته بكفاءة ودقة وإتقان. له أفكاره التى تعطى لأدائه السياسى والدبلوماسى عمقا وتميزا، لم يكن يؤدى وظيفة السفير أو الوزير بميكانيكية نمطية، وإنما وفق رؤية، مصر الكبيرة ورؤية احمد ماهر قائد دبلوماسيتها.

كان أستاذا لجيل السفراء الذى عمل بموسكو فى اخطر أحقاب السياسة الدولية وأكثرها تغييرا واضطرابا.. كان ذلك على وجه الدقة إبان حرب الخليج، وتدفق الهجرة اليهودية من روسيا إلى إسرائيل، كان يدير دبلوماسية ذكية فعالة، رغم الانقسام العربى آنذاك.
بلغ حدا يبدد أهم الجهود ويضعف اقوى الحجج.

إنك بحاجة لرؤية أحمد ماهر عن قرب، كى تعرف خصائصه، فالرجل ابن الأسرة العريقة كان لا يباهى بشىء ولا يظهر الزهو بمنصب أو موقع، كنت أرصد حالة أحمد ماهر من خلال إيقاع شخصيته الذى لا يتغير مهما تغيرت المواقع والمراتب، ولو قرأت السجل الوظيفى لماهر كما كنا نحب أن نناديه سترى انه صعد ودون حرق مراحل حتى بلغ المستوى الأعلى سفيرا فى موسكو ثم واشنطن فيما بعد وحين استعان به الإعلام كمستشار قال لى لقد قبلت الوظيفة لأننى لا أحب الفراغ، ولا أقوى على مواصلة الحياة دون مهمة أؤديها..

كان عمل المستشار فى الإعلام ثم رئيس صندوق أفريقيا فى جامعة الدول العربية بمثابة استراحة المحارب الشجاع والدءوب وكانت فى ذات الوقت المسافة الفاصلة بين التقاعد الرسمى والحاجة الماسة له حين اختاره الرئيس مبارك وزيرا للخارجية
ولقد التقيته وهو يشغل كل هذه المواقع، لم ألمس أى تغيير فى إيقاع سلوكه كان التواضع هو أعلى خصائصه وأشدها حضورا وعمقا فى حياته
حين كلفت باستقباله على أبواب رام الله حيث كان فى زيارة رسمية لفلسطين ورئيسها آنذاك ياسر عرفات قلت له ألم نتحدث ذات يوم فى موسكو عن احتمال أداء الصلاة فى الأقصى

. ضحك وقال.. كانت اسعد لحظات عمرى وأنا ألامس بجبهتى ارض المسجد الذى ورد ذكره فى القرآن الكريم.
قلت له مازحا ألا ترى حدود دولتنا إنها كخرم إبرة من مدخل رام الله حتى مقر عرفات تقطع المسافة فى خمس دقائق.
قال.. هل تنسى انه حتى هذا كان مستحيلا؟

وحين انتهى عمله وزيرا للخارجية، التقيته عدة مرات، كان قد تحدث كثيرا وكتب كثيرا عن سوء الأداء وعدم الاطمئنان إلى مستقبل التجربة الفلسطينية، كان الهم قد أرهقه كثيرا، إلا أننا كنا نقيم وزنا لما يكتب، فهو ليس مجرد صاحب وجهة نظر تقال عن بعد، انه من أهل البيت وهل كانت فلسطين يوما إلا قطعة من مصر الكبيرة والعالم العربى الأكبر.

حتى مماته كان يواصل الحياة بفكره وقلمه فى الشرق الأوسط وفى منابر كثيرة وبحضوره الطاغى فى مصر والمغرب والعالم العربى كان ركنا أساسيا من أركان الصرح الثقافى الكبير أصيله. فجمع بفكره وثقافته وأخلاقه ما جعله احمد ماهر الذى سنواصل حبنا له ولن ننساه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved