أى حق فى التعليم فى دستور مصر الجديد؟


معتز عطا الله

آخر تحديث: السبت 6 أكتوبر 2012 - 8:25 ص بتوقيت القاهرة

ثمة إجماع بين المصريين على أن نهوض ورفاه المجتمع إنما يستند فى المقام الأول إلى التعليم، والذى أمسى يعتبر ضمن الأولويات القصوى من أجل تحقيق التنمية. وهم ينظرون كذلك إلى التعليم باعتباره من دعائم العدالة الاجتماعية فى العصر الحديث، وخاصة بعد ثورة يوليو 1952.

 

ويكفى للبرهنة على هذا النظر لمكانة وقدسية شعار «مجانية التعليم» فى الوعى العام المصرى حيث يسود الاعتقاد بأن التعليم مسألة مهمة حرجة، وبأن التعليم مخلص الأفراد من الفقر والمرض والاستغلال والمعاناة، وبأنه مفتاح نهوض الوطن. وقد ترسخت هذه القيم فى أذهان الغالبية من المصريين على مدى قرن ونصف القرن. ومع هذا كله فإننا نقف اليوم أمام نظام تعليمى متأزم للغاية يسبب المعاناة اليومية للمعلمين والطلاب وأولياء الأمور على حد سواء، ولا يحقق المخرجات الكفيلة بتحقيق التنمية.

 

وإن كان التعليم واردا فى عدة مواد فى دستور مصر ١٩٧١، فإن هذه المواد لم تكن كفيلة بالنهوض بنظام التعليم للمستوى المطلوب، وذلك لعدم إجمال المواد  للمحاور الأساسية للحق فى التعليم ولعدم وضوحه فى صياغتها فى رسم مسئوليات والتزامات الدولة ولغياب سلطة قادرة على الوفاء بما تم النص عليه، ويتضح هذا الأمر عند النظر للمواد الخاصة بالتعليم فى الجيل الجديد من الدساتير مثل دستور جنوب أفريقيا ١٩٩٧ ودستور البرازيل ١٩٨٨. وينبغى هنا التنبيه بأن الحق فى التعليم لا يعنى بحال «مجانية التعليم» ولا مجرد الحق فى الالتحاق بالمدرسة، إذ إنه بات من المعلوم أن كثيرا من التلاميذ والطلاب الذين يقصدون المدارس (الحكومية خصوصا) لا يحصلون على الحظوظ الدنيا من التعليم، وهو ما يبدو بجلاء فى غياب المتحصلات المفترضة من التعليم كاكتساب المهارات والتنشئة الاجتماعية الإيجابية وتطوير الشخصية على سبيل المثال لا الحصر علاوة على تعرضهم باستمرار لمخاطر انتهاك حقوقهم الأخرى فى السلامة البدنية والنفسية والعقلية. وبالإمكان القول إن المساواة بين مفهومى الحق فى التعليم وتوافر التعليم المدرسى قد أدى إلى تفريغ الحق فى التعليم من مضمونه، فبدلا من تناول قضايا التعليم بتعريفها إهدار لحق المستحقين فى تعليم ممكن لحياة كريمة، تختزل مسألة جودة التعليم فى المدارس على سبيل المثال، إلى مجرد أسئلة ومجادلات فنية حول وفرة الموارد والإدارة البيروقراطية للعملية التعليمية، وتنزع بالتالى من سياقها الحقوقى والدستورى الأكبر.

 

●●●

 

إن النص على الحق فى التعليم فى دستور البلاد الجديد يجب أن يتضمن محاور الحق فى التعليم الأساسية، كما هى معرفة فى المواثيق والمعاهدات الدولية التى صادقت عليها مصر، وهى كالآتى:

 

أولا: الإتاحة، والذى يقضى بتوافر المؤسسات التعليمية التى تضمن فرص تعليم لكل مستحق، وأن تتوافر البرامج التعليمية وما يقتضيه وجودها من توفير المعلمين المؤهلين والإمكانات المادية، وكذلك وسائل وأدوات التعليم.

 

ثانيا: إمكانية الالتحاق، بحيث لا تشكل الظروف الاقتصادية أو الجغرافية أو الانتماء لفئة اجتماعية أو عمرية أو دينية أو لغوية أسباباً للحرمان من الحق فى التعليم، وألا تكون عائقا أمام الالتحاق بالمؤسسات التعليمية. الأمر الذى يعنى إيجاد ضرورات الحماية من أى عناصر قد تؤدى إلى تمييز فى الخدمة. وتعتبر الدروس الخصوصية مثالا لتلك الظواهر المعيقة للحق.

 

ثالثا: إمكانية القبول بمعنى أن يكون التعليم متلائما مع قيم وثقافة ومعتقدات المجتمع، وموفيا باحتياجات الطلاب والمجتمعات التى تخدمها مؤسسات وبرامج التعليم، وألا ينتهك حق أى من المشاركين فى العملية التعليمية، وعلى رأسها الطلاب والمعلمون.

 

رابعا: قابلية التكيف بحيث تكون برامج وأنظمة التعليم مرنة ومتنوعة حتى تناسب مختلف أوضاع الطلاب بمن فيهم من الطلاب والتلاميذ العاملين وأطفال الشوارع والمسجونون وغير المقيدين وذوى الإعاقة.

 

إن التحدى الراهن أمام الجمعية التأسيسية والمعنيين بالحق فى التعليم هو صك مواد واضحة تضمن بحسم ألا تتخاذل الدولة أو تتهرب من الوفاء بالتزاماتها إزاء حق المواطنين فى التعليم، وتؤمن هذه الصياغات ــ فى الوقت نفسه ــ مساحة حركة كافية ومرنة لتطور أهداف التعليم وما يرتبط به من قوانين وسياسات وبرامج ومشروعات بمشاركة الأطراف ذات الصلة وذات المصلحة فى المجتمع بشكل فعال ومؤسسى وديمقراطى، وإلزام السلطة التنفيذية ودعمها فى تطوير نظمها واستيعاب الاحتياجات المجتمعية والتطورات فى مجال التعليم.

 

●●●

 

إن الإصرار على تعريف مشكلات التعليم فى مصر فى ضوء انتهاك الحق الإنسانى فى التعليم يمكن من مضاعفة الجهود والموارد الموجهة لحلها كما يسهم هذا التعريف فى تحويل مسائل كجودة التعليم ومناسبته للحاجات ومخرجاته من كونها أمورا فنية تخص توافر الموارد وتخصيصها وكفاءة استخدامها ــ كما هو شائع فى برامج الإصلاح ــ إلى قضايا ماسة بالعدالة اجتماعية بامتياز وكفيلة بتحريك الأطراف والفاعلين المرتبطين بهذا الحق. ويكمن كذلك فى الخطاب الحقوقى حول التعليم ما نحتاجه لتجاوز جدالات المجانية والخصخصة والقومية والعولمة وإنفاق الدولة وإنفاق الأسر، لنخوض فى النقاشات الحرجة الحقيقية حول كيفية ضمان الدولة لكل مواطن تعليم يمكنه من حياة كريمة.

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved