الصحافة العلمية وشعرة معاوية
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
الجمعة 6 أكتوبر 2023 - 8:00 م
بتوقيت القاهرة
لا تخلو جريدة أو مجلة الآن من أخبار أو موضوعات تتعلق بصحة الإنسان وسلامته سواء صحة الجسد أو سلامة النفس. يلقى هذا الاهتمام قبولا لدى القارئ وشغفا يدفعه للمتابعة الدائمة لكنه أيضا يوقعه فى حيرة لا حد لها. مع كل القراء أتابع أنا ما يكتب فى الإعلام العالمى والمحلى قدر استطاعتى ووفقا لإمكانياتى والتى بالطبع أحرص على أن تبدو متنوعة شاملة: هنا أتحدث عما ينشر فى الإعلام للجميع وليس عن الدوريات العلمية المتخصصة التى يحرص عليها الأطباء فى تخصصاتهم المختلفة.
هذا السيل الذى ينشر يوميا من المعلومات على صورة حقائق لا تقبل الجدل، والذى تبدو أحيانا فيه نبرة الإعلان أعلى من صدق الإعلام وإن اختلطت بها: أيهما نصدق وأيهما نتجنب.
الأمثلة لا حصر لها الأمر الذى حاولت تجنبه دائما فى صفحة صحة وتغذية بجريدة «الشروق» وحرصت دائما على أن تكون صفحة علمية مبسطة فى حرص لا يخل من ميزانها الثقافى ولا ينحسر عنها عنصر التشويق والإثارة الذى يجذب القارئ لمتابعة الصفحة باستمرار، ولكن بصورة واقعية تماما وحقائق علمية مجردة.
ولعلى أسوق من تلك الأمثلة مثلا عاصرته قريبا حينما طالعت خبرا فى جريدة محلية رصينة يعلن «الجوز يقى من سرطان الثدى». واستطرد الخبر: سرطان الثدى مرض خطير وبات بمثابة لعنة تطارد النساء لكن الخبر السار هو أن العديد من المأكولات وعلى رأسها الجوز يحتوى على مكونات صحية ومواد مضادة للأكسدة وأحماض الأوميجا، وبالتالى فإن تناول ٦٠ جراما من الجوز يوميا يحد من خطر الإصابة ونمو الورم.
إلى هنا انتهى الخبر الذى صادف وقرأت أصله منشورا على الصفحة العلمية لأخبار BBC قبلها بيوم واحد. الخبر صحيح لكنه ناقص إلى حد بعيد، فالحقيقة العلمية لا تتعدى نسبتها عشرة بالمائة إذ إن تلك قد كانت نتيجة أجريت على الفئران وبالتالى فالنتيجة تتعلق بالتجريب على فئران التجارب. هى خطوة فى طريق طويل على العلم أن يكمله قبل أن يصدر رسالة واضحة مؤكدة للإنسان.
أطعم العلماء الفئران أوقيتين من الجوز يوميا وراقبوا التغيرات التى حدثت فجاءت النتائج تؤكد أن احتمالات الإصابة بسرطان الثدى تراجعت والتى ظهرت كانت أقل حجما وأبطأ نموا من المتوقع. وقد عرض فريق البحث نتائجه أمام الحضور فى الاجتماع السنوى لجمعية السرطان الأمريكية.
تحدث العلم بحيدة وأمانة تنزهه عن أى غرض فما بالنا نلون الحقائق ونضفى عليها ما ليس فيها؟
الصدق هو المعيار الحقيقى للخبر العلمى لأنه يمس حياة الإنسان وأمنه لذا يجب أن يلتزم به من يتصدى للكتابة العلمية بلا زيادة أو نقصان وأن يجتهد فى أن يصوغه فى سياقه العلمى بطريقة مبسطة لا يغيب عنها الوضوح. تلك مسئولية الكاتب التى لا تعفى القارئ من أن يهتم دائما بمصدر الخبر وأن يدخر من تجارب القراءة المنتظمة للمجلات التى تهتم بالصحافة العلمية والطبية ما يمكنه من الحكم الصحيح على الخبر أو المعلومة.
بين الإعلام والإعلام شعرة كتلك التى عرف بها معاوية واتخذت بعده مثلا يمكن للقارئ المهتم أن يميزها لكنها بلاشك أيضا مسئولية الكاتب أو الصحفى الذى يحرص على أن تكون رسالته للإنسان صادقة واضحة بسيطة وفى المقام الأول علمية.