عودة الانفلاشونيستا ٢
محمد الهوارى
آخر تحديث:
السبت 6 نوفمبر 2021 - 7:55 م
بتوقيت القاهرة
فى المقال السابق تحدثت عن توقعاتى ألا تتحول موجة الغلاء الحالية فى العالم لتضخم مطرد وبذلك فشل توقعات «الانفلاشونيستا» مرة أخرى. وفى هذا المقال نتحدث عن الأسباب العلمية المساندة لهذه التوقعات.
يقول دكتور الاقتصاد ليسى هانت مدير صناديق هويزونجتون للاستثمار والمتخصص فى أسواق السندات الحكومية الأمريكية أنه إذا لم يحدث اختلاف جذرى فى تعليمات البنك الفيدرالى الأمريكى أو فى طريقة تنفيذها فإن النتيجة الحتمية لتسارع معدلات الدين فى الولايات المتحدة وفى العالم أجمع ستكون انخفاض معدلات النمو. مما يعنى انخفاض معدلات التضخم وبالتالى انخفاض معدلات الفائدة. هذا لا يعنى أنه لن تكون هناك مراحل ترتفع فيها هذه المعدلات لكن كما رأينا فمعدلات الدين المرتفعة تعنى أيضا أن تأثير حزم الدعم يتناقص. نرى ذلك فيما يسمى بالمضاعف المالى أو Fiscal Multiplier. فالدولار الذى تصرفه الحكومة فى حزمة دفع اقتصادى عندما تكون مديونياتها ٣٠٪ من حجم الناتج المحلى ليس هو نفسه عندما تكون مديونيتها ١٠٠٪ من حجم الناتج المحلى. فالعائد على النمو الاقتصادى يظل يتناقص طبقا لقانون تناقص العائد Law of Diminishing Returns. ويقول دكتور هانت أن فى لحظة ما قد يصبح العائد من هذه الحزم سلبى.
هو أيضا يتحدث عن تأثير معادلة فيشر Fisher Equation وهى MV = PQ أو حجم السيولة مضروب فى سرعة السيولة (أو سرعة انتقال الأموال) يساوى حجم الانتاج مضروبا فى الأسعار. فبينما زاد حجم الأموال فى شكل الحزم التحفيزية التى ضختها الدول فى اقتصاداتها فما زالت سرعة انتقالها فى تناقص مستمر. أما فى الجانب الآخر من المعادلة فالكوفيد أثّر على حجم الإنتاج بسبب القرارات الصحية (حظر التجوال وإغلاق المنشآت) وبالتالى فالزيادة فى الأسعار كانت حتمية لإبقاء المعادلة متوازنة. ولكن كما أشرنا فالزيادة فى الحزم لها نهاية وسرعة السيولة تنحسر وفى نفس الوقت حجم الإنتاج نتوقع له الزيادة فى ظل الرفع التدريجى للإجراءات الصحية الاستثنائية، بالتالى فالأسعار بالتأكيد فى طريقها إلى الثبات ثم إلى الهبوط.
أما عن أسعار الطاقة فهى حالة خاصة تستحق الدراسة حيث إنها قد تقلب العديد من الموازين. من ناحية، أن يتجه العالم نحو الطاقة الجديدة والمتجددة معناه زيادة الطلب على السلع الضرورية التى تعتمد عليها مصادر هذا النوع من الطاقة. وهذا يعنى أنه إذا هبطت أسعار هذه السلع فسيكون ذلك فى نطاق محدود، حيث إن الطلب عليها قد زاد بالفعل ولن يتراجع بشكل كامل لعدة سنوات أو ربما لعدة عقود. وفى الوقت نفسه فقد تسبب اهتمام الدول المتقدمة بمصادر الطاقة الجديدة فى تراجع الاستثمار فى مجالات الوقود الحفرى Fossil Fuels وبدأنا نرى بوادر نتائج هذا التراجع الذى يبدو أنه كان مبكرا أكثر من اللازم. فى دراسة أخيرة لبنك الاستثمار العالمى مورجان ستانلى توضح لنا أن النرويج تعطينا مثالا واضحا لذلك حيث نجحوا فى تحول جزء كبير من مبيعات السيارات إلى السيارات كهربائية ومع ذلك فالسيارات القديمة ما زالت تعمل، وما زالت أعداد مبيعات السيارات العادية كبيرة نسبيا. ونتج عن ذلك ارتفاع الطلب على وقود السيارات خلال السنوات العشر الماضية بدلا من أن يتراجع. ستستمر مثل هذه الحالات فى الحدوث حول العالم فإذا استمر حجم الاستثمار فى مجالات الطاقة المعتادة فى التراجع فإن ذلك سيؤدى إلى دعم قوى لأسعار البترول والغاز الطبيعى فى السنوات والعقود القادمة حتى يتم التحول الكامل للطاقة المتجددة.
أخيرا أنهى هذا المقال بنفس الاستنتاج الذى توصلت له منذ عام ونصف وهو أن العالم دخل فى موجة «تطهير اقتصادى» لن تنتهى إلا مع بقاء الأصلح فقط أيا كان حجم الدعم الحكومى. هى موجة كما قلت أتوقع أن تستمر لعشر سنوات بين فترات صحوة وتضخم مؤقتة وأوقات انكماش مؤقت. وسيكون الأصلح من يدير ماليته واستثماراته بوعى وحنكة ويبدى الملاءة المالية على أى شىء آخر، وينطبق ذلك على الأفراد والحكومات والشركات. وعليه أرجو أن تنتبه الحكومة أننا نتجه إلى واقع جديد وتعيد النظر فى خططها طويلة الأمد بناء على هذا الواقع وكلى أمل أن نخرج من هذه الفترة باقتصاد يحتذى به على مستوى العالم. هذه الأزمات هى التى تخلق النمور الاقتصادية ونحن لدينا الإمكانيات فأرجو أن نستغل الفرصة».
مدير صناديق استثمار دولية