إريك زمور وانتقام فيشى

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: السبت 6 نوفمبر 2021 - 7:55 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع بروجيكيت سينديكيت مقالا للكاتب إيان بيروما، يقول فيه إن الصحفى الفرنسى الشهير والمثير للجدل من اليمين المتطرف، إريك زمور، يعمل على تأجيج وتعكير أجواء الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2022، حتى من دون الإعلان عن ترشحه. محاولا تفسير سبب معاداة زمور للمهاجرين والمهاجرات لفرنسا، وكذلك سبب معاداته لمن يدين بالإسلام رغم أنه ابن لمهاجر يهودى عاش بين المسلمين البربر فى الجزائر!.. نعرض منه ما يلى.
يحظى الصحفى الفرنسى، والشخصية التليفزيونية الشهيرة، والمرشح الرئاسى المحتمل إريك زمور بنجاح كبير فى الترويج لآرائه الرجعية المتطرفة. صَـرَّحَ زمور بأن المسلمين يجب أن يختاروا بين ديانتهم وفرنسا، وأن ترحيل المهاجرين المسلمين أمر معقول ويمكن تنفيذه، وأن الأسماء الأولى غير الفرنسية يجب أن تُـحـظَـر. وهو يكره أصحاب النزعة العالمية ويعتقد أن الليبرالية تدمر حياة الأسرة الفرنسية.
حُـكِـمَ على زمور بعقوبة مرتين بتهمة التمييز العنصرى والتحريض على الكراهية. وقد باع كتابه «الانتحار الفرنسى»، الذى نُـشِـر فى عام 2014، أكثر من نصف مليون نسخة فى فرنسا. وتشير استطلاعات الرأى إلى أنه قد يحصل على ما يصل إلى 16% من الأصوات فى الانتخابات الرئاسية العام المقبل.
تنبع طريقة زمور فى التفكير من تقليد يعود إلى زمن الثورة الفرنسية فى عام 1789. دأب المحافظون الكاثوليك والمفكرون اليمينيون، الذين كانوا يبغضون الجمهورية العلمانية التى نشأت من الثورة، على التنديد بالليبراليين، والعالميين، والمهاجرين، وغيرهم من أعداء فكرتهم حول مجتمع يقوم على النقاء العرقى، والطاعة للكنيسة، والقيم الأسرية. كانوا على نحو ثابت لا يتغير تقريبا معادين للسامية. وعندما اتّـهِـم القائد العسكرى اليهودى ألفريد دريفوس زورا وبهتانا بخيانة بلده فى فضيحة تسعينيات القرن التاسع عشر الشهيرة، اتخذوا جانبا من وجهوا الاتهامات إلى دريفوس.
أعطى غزو ألمانيا لفرنسا عام 1940 الرجعيين من هذا النوع الفرصة لتشكيل حكومة دُمية فرنسية عميلة فى فيشى. وقد سمعنا من زمور تصريحات لطيفة حول نظام فيشى. كما أعرب عن بعض الشكوك حول براءة دريفوس.
•••
لن تكون أى من هذه الآراء مفاجئة إذا أعرب عنها محرض يمينى متطرف من أمثال جان مارى لوبان. لكن زمور ابن أسرة من اليهود السفارديم هاجرت من الجزائر وعاشت بين المسلمين البربر. وبسبب عزوف الفرنسيين عن خلق أى شكل من أشكال التمييز الـعِـرقى أو الدينى بين المواطنين، فإن خلفية زمور غالبا ما تكون موضع تجاهل. لكنها قد تساعد فى تفسير الأسباب وراء توصله إلى آرائه المتطرفة.
بطبيعة الحال، لا يوجد من الأسباب ما قد يمنع شخصا يهوديا من تبنى آراء محافظة. فالعديد من اليهود يحملون مشاعر وطنية حماسية تجاه أوطانهم. لكن معاداة المهاجرين بين اليهود فى الشتات نادرة للغاية، لأسباب واضحة. (إسرائيل قصة مختلفة بعض الشيء). الواقع أن معاداة المهاجرين والإصرار على النقاء الوطنى لم يَـعُـد بأى فائدة على اليهود قط. ولعل هذا هو السبب الرئيسى الذى يجعل اليهود الأمريكيين، على سبيل المثال، يصوتون بشكل ثابت لصالح الديمقراطيين حتى الآن، على النقيض من الأثرياء المنتمين إلى أقليات أخرى، مثل الأيرلنديين، والإيطاليين، واللاتينيين على نحو متزايد.
لفترة طويلة، كان العديد من يهود الشتات حريصين على الاندماج فى مجتمعاتهم وأصبح من غير الممكن تمييزهم عن غالبية السكان. كما هى الحال مع الأقليات الأخرى، هذه مسألة تتعلق بالتنظيم الطبقى غالبا: إذ يعمل الازدهار النسبى على تخفيف شدة الارتباط بالعقائد والعادات التقليدية. ولكن حتى أكثر اليهود الوطنيين الفرنسيين، أو البريطانيين، أو الأمريكيين، غيرة وحماسة، يميلون إلى دعم انفتاح مجتمعاتهم ومعارضة التعصب الأعمى المناهض للمهاجرين.
فى فرنسا، سيكون هؤلاء الوطنيون فى الأغلب الأعم إلى جانب حقوق الإنسان العالمية وغير ذلك من القيم الجمهورية الفرنسية. ينطبق هذا، على سبيل المثال، على الفيلسوف المعروف آلان فينكيلكراوت، نجل أب بولندى نجا من أوشفيتز. الواقع أن تخوفات فينكيلكراوت من مخاطر الإسلام ليست أقل من تخوفات زمور، لكنه ليس معاديا للأجانب والمهاجرين. فالتهديد الإسلامى فى رأيه موجه نحو الأفكار الليبرالية والعلمانية والجمهورية التى يبغضها زمور.
•••
ما هى دوافع زمور إذن؟ كيف ليهودى أن يصبح مناهضا للدريفوسية، إن جاز التعبير؟ ربما تلاشت ذكريات الإبادة الجماعية النازية وتواطؤ نظام فيشى من الذاكرة إلى الحد الذى يجعل حتى المثقف اليهودى قادرا على مغازلة ردة الفعل المعادية للأجانب والمهاجرين دون أى شعور بالخزى أو الخوف. أو ربما يعتقد أن تأجيج العداء الفرنسى للمسلمين من شأنه أن يحول دون وقوع عدوان محتمل ضد اليهود. يعيش العديد من اليهود الفرنسيين، وخاصة اليهود السفارديم الذين يقيمون فى أحياء فقيرة، فى خوف حقيقى من معاداة المسلمين للسامية.
زمور نصير متطرف للاندماج التام. وهو لا يستطيع أن يتوقف عن الحديث عن حبه الشديد لفرنسا. مرة أخرى، ليس فى هذا أى شيء غير عادى. لكن جذور أسرته بين البربر تشكل عاملا معقدا. الواقع أن مواقف زمور لا تقتصر على فرنسا أو اليهود السفارديم. فى هولندا، على سبيل المثال، هناك أمر واحد يشترك فيه بعض من أكثر المعارضين حماسة لهجرة المسلمين، وهو تاريخهم العائلى فى إندونيسيا، الهند الشرقية الهولندية سابقا.
ينتمى خيرت فيلدرز، زعيم حزب الحرية المناهض للهجرة، جزئيا إلى أصول أوراسية. وهذه أيضا حال بعض الشخصيات البارزة الأخرى فى السياسة اليمينية المتطرفة فى هولندا، والذين يبدون هوسا شديدا بالإسلام. كانت التسلسلات الهرمية الـعِـرقية فى المستعمرات السابقة معقدة. لم يكن الأوراسيون فى إندونيسيا، وخاصة أولئك الذين تلقوا تعليما هولنديا، حريصين على أن يُـنـظَـر إليهم على أنهم أوروبيون فحسب، بل كانوا يخشون أن يُـصَـنَّـفوا على أنهم آسيويون ــ ناهيك عن كونهم مسلمين. كان العديد من اليهود الجزائريين حريصين بذات القدر على تعريف أنفسهم كفرنسيين، والعيش بين المسلمين قد يُـفـضى بسهولة إلى العداوة.
إن المسلمين فى أوروبا ليسوا مكروهين فحسب، بل إن بعض الأوراسيين فى هولندا أو اليهود فى فرنسا يخشون أن يُـربطوا بهم. قد يكون أقرب أوجه التشابه هنا الموقف الذى اتخذه بعض يهود أوروبا الغربية المندمجين قبل الحرب تجاه المهاجرين اليهود الفقراء من أوروبا الشرقية. لكن ذلك الموقف كان مسألة تكبر وغطرسة أكثر من كونه راجعا إلى كراهية حقيقية. فلم يكن أقرانهم من اليهود الأشكيناز موضع تخوف.
الواقع أن عداء زمور للمسلمين جعله يحظى بشعبية بين بعض اليهود الفرنسيين الذين صدمتهم أعمال العنف الإسلامية الأخيرة ــ بما فى ذلك مقتل حاخام وثلاثة أطفال فى تولوز، وطعن امرأة يهودية مسنة فى باريس، وغير ذلك من الحوادث.
لكن زمور أعطى أيضا ترخيصا بالتعصب الأعمى بين غير اليهود. وقد أعرب لوبان ذاته عن هذا بإيجاز فى مقابلة أجرتها معه صحيفة لوموند مؤخرا. قال لوبان: «لأن زمور يهودى، لا يستطيع أحد أن يتهمه بأنه نازى»، وهذا «يمنحه قدرا عظيما من الحرية». ويمتد هذا بالتالى إلى منح الأشخاص الذين يفكرون مثل لوبان المزيد من الحرية.

النص الأصلى: هنا

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved