رحيل الملك الثائر
حسن المستكاوي
آخر تحديث:
الثلاثاء 6 ديسمبر 2011 - 9:10 ص
بتوقيت القاهرة
●● قابلت سقراط عام 1981 أثناء بطولة كأس العالم المصغرة التى نظمتها أوروجواى بمناسبة مرور 50 عاما على انطلاق المونديال.. كان اللقاء فى معسكر منتخب البرازيل، حيث يسمح المدير الفنى تيلى سانتانا للصحفيين بقضاء ساعة مفتوحة مع لاعبى الفريق الذى يضم النجوم زيكو وسقراط وباولو إيزادورو، وجونيور وغيرهم من هذا الجيل الذهبى الذى يعد آخر من لعب الكرة الجميلة فى البرازيل، وهو الفريق الذى خسر أمام إيطاليا، فخسر العالم متعة المشاهدة فى مونديال 82..
●● كان البرازيليون فى تلك البطولة بأوروجواى يسمحون بحوارات مع نجومهم، وفى مساحات زمنية محددة لا يسمح أبدا باختلالها، وقد أعجبنى أسلوب إدارة الكرة فى البرازيل، وتمنيت أيامها أن أرى مثله فى ملاعبنا العربية.. كان ذلك قبل 30 سنة، وما زالت الأمنية قائمة شأن ألف أمنية أخرى لم تتحقق؟
●● كان سقراط ملكا متوجا للعبة فى زمنه، وهو «الملك البارد» كما وصفه الصحفى الإنجليزى هنرى وينتر فى ديلى تيلجراف.. لكنه فى رأى عشاقه هو الملك الثائر.. كان سقراط يجرى دون أن يعرق، ويستخلص الكرة دون أن يحتك بمنافسه، ويمررها دون أن ينظر إلى قدميه.. كان أنيقا فى أدائه يلعب برأس مرفوع، تعكس شخصيته فى الحياة.. فهو الإنسان الذى قرأ الفلسفة، وأحب أفلاطون، وهوبز، وتشى جيفارا، وكاسترو، وجون لينون، وقد مارس السياسة وهو لاعب، ثم حين ترك الملعب.. كان سقراط سياسيا فى الثمانينيات، ومعارضا لنظام الحكم الديكتاتورى فى البلاد ومحاربا للمجتمع القمعى الذى يقوده الجيش فى بلاده، شأن الوضع الذى كان سائدا فى معظم دول أمريكا اللاتينية.
●● كان سقراط طبيب أطفال واسمه بالكامل: سامبايو دى سوزا فييرا دى اوليفيرا (اسم طويل يصلح لفريق).. وقد فاز بلقب سقراط لطريقته فى اللعب، ولعشقه للفلسفة حسبما أعلن مرات ولمظهره بشعره الكثيف الذى يوحى بأنه من العلماء وليس من اللاعبين..
●●●
●● إليكم تلك القصة القصيرة يرويها فى تعليق القارىء محمد من مصر: «يحكى عن رجل عاش 80 سنة، وقبل فاته جمع أحفاده وقال لهم عندما كنت شابا تصورت أنه بمقدورى أن اعمل على تغيير العالم بأسره، ثم اكتشفت أننى غير قادر على إحداث ذلك التغيير، ولما بلغت الأربعين قررت أن أقوم بذلك التغيير ضمن حدود وطنى وإذا بى اكتشف عدم قدرتى على ذلك أيضا، ولما بلغت الستين اتجهت للقيام بذلك التغيير فى إطار مدينتى، وإذا بالفشل يلاحقنى.. وبعد أن تجاوزت الستين بذلت جهدا كبيرا لتغيير الأمور نحو الافضل فى نطاق أسرتى وياللأسف لم أوفق فى ذلك.. ثم اكتشفت أن أسباب الفشل المتلاحقة وعدم قدرتى على تغيير العالم أو التغيير فى وطنى أو فى مدينتى أو فى نطاق أسرتى هى أننى لم أسع إلى تغيير نفسى.. ومن الآن فصاعدا سأعمل على تغيير نفسى.. وبعد أن أكمل جملته لفظ أنفاسه الأخيرة.. قبل أن يلحق فى تغيير نفسه.. «لما نحن دائما متأخرون»؟!