الزواج بين الاستبداد السياسى والاقتصادى
ناجح إبراهيم
آخر تحديث:
السبت 6 ديسمبر 2014 - 8:30 ص
بتوقيت القاهرة
شن القرآن العظيم حملة قوية على فرعون وقارون.. لأن الأول كان رمزا للاستبداد والفساد السياسى.. أما الآخر فكان رمزا للفساد المالى والطغيان الاقتصادى.. ورغم أن قارون لم يكن مصريا بل كان من قوم موسى عليه السلام إلا أن زواج السلطة مع الثروة جمعه مع فرعون ووحد بينهما.
لقد شن القرآن حملة شرسة على الاستبداد السياسى والمالى وزواج السلطة المستبدة بالمال الحرام.. وأفرد آيات طوال ليتحدث عن هذين النوعين الخطيرين من الاستبداد.. وكأن القرآن يقول: إن الإسلام والاستبداد ضدان لا يلتقيان أبدا.. وكل الأديان اصطدمت بالمستبدين وكل الأنبياء ثاروا عليهم.. وقد قتلت بنو إسرائيل ألف نبى من أنبيائهم الذين حاربوا طغيان الطغاة وجبروت المتجبرين.. فتعاليم الدين تنتهى بالناس إلى عبادة ربهم وحده.. أما مراسم الاستبداد فترتد بهم إلى وثنية سياسية أو اقتصادية عمياء يعظم فيها الناس الكرسى والدولار أكثر من تعظيمهم لله سبحانه.
وقد شهد القرن الماضى حكم مجموعة من الحكام العرب كانوا نماذج صارخة فى الديكتاتورية على اختلاف درجاتهم .. ومنهم القذافى فى ليبيا.. وصدام فى العراق.. وبن على فى تونس.. ومبارك فى مصر.. ورغم أن ديكتاتورية واستبداد مبارك وبن على كانت أقل وأعقل من صدام والقذافى.. إلا أن هؤلاء الأربعة تشاركوا وتشابهوا فى رغبة كل منهم فى البقاء على كرسى السلطة ما استطاعوا.
حتى إذا بلغ بأحدهم الكبر عتيا أراد أن يورث الحكم لابنه.. فصدام أعد قصى وعدى.. ومبارك أعد جمال.. والقذافى أعد سيف الإسلام.. ولو كان لـ«بن على» ولد لهمَّ بتوريثه.
ويا ليت كل هؤلاء الأولاد كانت لديهم الصلاحية أو الأهلية للحكم أو الرحمة بالرعية أو التواصل مع الشعب.. ولكنهم جميعا كانوا أضعف وأقل وأقسى وأجشع من آبائهم ولم يكن لهم من الكفاح والعطاء ما كان لآبائهم فى شبابهم.. والأدهى أنهم لم يكلفوا أنفسهم جهدا أو علما أو رحمة بشعوبهم للتأهل لحكم البلاد.. فلم تصل هذه البلاد لمزايا الجمهورية وشفافيتها وغياب التوريث عنها ولا فضائل الملكية وأريحيتها وكرمها وحسن تجهيز أبناء الملوك للملك.
وكلنا يعلم أخلاق وسلوك عدى وقصى.. فالأول كان يقتل من يشاء حتى لو كان من خلصاء أبيه.. وينتهك أعراض بنات العراق من أكارم الأسر دون وازع من دين أو ضمير ليستحق الحجر لا الحكم.
أما سيف الإسلام فرغم ما أحيط به من تلميع إعلامى إلا أن نزقه وطيشه لم يكن يخفى على أحد.
أما جمال مبارك فقد كان أعقل من الاثنين نسبيا.. إلا أنه أطلق يده ومجموعته فى أموال مصر ومقدراتها الاقتصادية بل والسياسية فأفسد فيها أيما إفساد وضيع مقدراتها الاقتصادية على رجاله المقربين.. وكان يحكم مكان أبيه فى العشر سنوات الأخيرة فى معظم ملفات مصر.
ولعل هؤلاء الحكام جميعا غرهم نجاح حافظ الأسد فى توريث بشار بفجاجة.. حتى أن بشار كان طبيبا لا علاقة له بالعسكرية فجهزه بسرعة بعد الوفاة المفاجئة لشقيقه الأكبر باسل.. وإذا ببشار يحصل فى كلية القادة والأركان على الدرجة النهائية لأول مرة فى تاريخ سوريا دون كل ضباط سوريا.. وكأنه أوحى إليه علم العسكرية.. وعدل الدستور ليصبح الرئيس من سن 34 عاما فى واحدة من سخريات الدساتير فى العالم التى لم تعرف كسور الأرقام.
وكان ينبغى على هؤلاء الحكام وهم فى منتهى عمرهم وعقلهم ألا يقلدوا هذا النموذج الشائه.. ولكن ضعفهم أمام البقاء فى السلطة لآخر العمر وحب الابن الذى غطى على القلوب والعقول معا جعل كل واحد منهم لا ينسى شعبه وجيشه ووطنه.
فالقذافى حكم ليبيا أربعين عاما ومبارك 30 عاما وصدام أكثر من 24 عاما .. ولولا الغزو لبقى مدى الدهر.. وبن على أكثر من 24 عاما.. فترى أى جمهورية تلك؟
إن هذه الدول لم تدرك حسنات الجمهورية ولا الملكية.. وأصبحت فى مؤخرة الركب.
فالدكتاتورية والاستبداد هما أساس التخلف فى العالم العربي.. وقد أحسن القرآن وكل الأديان حينما وجهت سهامها لمحاربة الاستبداد السياسى متمثلا فى فرعون والاقتصادى فى قارون.