الشرق الأوسط.. كيف بتنا منطقة النزوح واللجوء الأولى عالميا؟
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الجمعة 6 ديسمبر 2024 - 7:30 م
بتوقيت القاهرة
صارت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفى القلب منها العالم العربى، هى المنطقة الأشد معاناة فى عالم اليوم من ظواهر النزوح والتهجير واللجوء والارتحال لملايين السكان بسبب الحروب عبر الحدود والحروب الأهلية والفقر وغياب فرص العمل وتداعيات التغير المناخى (التصحر وارتفاع درجات الحرارة وانهيار النشاط الزراعى).
فالوجه الآخر للحرب الأهلية فى السودان التى تدمى البلد المترامى الأطراف والحرب فى غزة المتواصلة منذ خريف العام الماضى والحرب فى لبنان التى توقفت بهدنة هشة والوضع الكارثى فى سوريا التى تزحف بها جماعات إرهابية على مدن الشمال الغربى، الوجه الآخر لخرائط الدم والدمار هذه هو ملايين النازحين والمهجرين فى داخل كل بلد وملايين اللاجئين عبر الحدود فى منطقتنا ومنها إلى خارجها.
بل أن تواصل بعض الحروب والحروب الأهلية على مدار سنوات، كما هو الحال فى سوريا الواقعة فى أسر حرب أهلية منذ ٢٠١٢، يسبب موجات متكررة من النزوح واللجوء فى اتجاهات متنوعة وعكسية. كأن تنزح أعداد كبيرة من السوريات والسوريين إلى لبنان وتركيا بين ٢٠١٢ و٢٠١٦، ثم يعود بعضهم على وقع الحرب فى لبنان ٢٠٢٤ إلى قراهم ومدنهم فى سوريا ويعود البعض الآخر من المناطق التركية إلى المناطق حول حلب وحماة وإدلب التى أخرجت منها الجماعات الإرهابية قوات الجيش خلال الأيام الأخيرة.
• • •
هذا الوجه الآخر لحروب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يضاعف من تداعياته الكارثية عمليات الارتحال واللجوء المتزايدة بسبب محدودية عمليات التنمية الشاملة فى العديد من البلدان وتفاقم الصعوبات المعيشية بفعل التغير المناخى واندفاع الشباب إلى البحث عن النجاة من الفقر والبطالة والبحث عن فرص للعمل وللحياة الكريمة بعيدا عن أوطانهم. فكان أن صارت منطقتنا ومنذ العقد الماضى المصدر الأول للمرتحلين والمهاجرين غير الشرعيين واللاجئين الطارقين أبواب أوروبا، وكان أن صارت منطقتنا الممر الأول للقادمين من بلدان آسيا (كأفغانستان) وإفريقيا (الجوار المباشر للبلدان العربية فى وسط وغرب القارة) للباحثين عن ملاذات أوروبية.
يترتب على وجود ملايين النازحين واللاجئين العديد من التحديات المجتمعية والاقتصادية والسياسية والثقافية التى تواجه البلدان الطاردة والبلدان المستقبلة.
فيما خص البلدان الطاردة كالسودان وسوريا اليوم، تضغط عمليات النزوح الداخلى (فى البلد المعنى من مناطق إلى أخرى) على المتبقى من القدرات الاقتصادية والاجتماعية الهشة وعلى المؤسسات الرسمية والقطاع الخاص الذى يتعرض لأخطار الانهيار. وليس ما يحدث فى السودان الذى يتجاوز عدد نازحى الداخل به ١٠ ملايين مواطن فى ولايات كدارفور وكردفان والمناطق القريبة من الحدود مع مصر أو ما يحدث فى سوريا فى مدن حلب وحماة وإدلب التى تعود إليها أعداد كبيرة ممن نزحوا داخليا سابقا، ليس فيما يحدث فى البلدين سوى الدليل على العجز الاقتصادى والاجتماعى على استقبال النازحين وتوفير فرص الحياة الآمنة والكريمة لهم. تواجه البلدان الطاردة لمواطنيها أيضا أخطار «الفراغ السكانى» فى الأماكن التى تشتد بها مفاعيل الحروب الأهلية والصراعات العسكرية ويتوقف بها كل نشاط اقتصادى واجتماعى وخدمى منظم وتنسحب منها المؤسسات الرسمية والقطاع الخاص. وفى السودان وسوريا يودى الفراغ السكانى، وهو فراغ يستدعى فى كثير من الأحيان انسحابا كاملا وكارثيا للدولة يودى بكل فرص التنمية المستدامة ليس فقط فى المرحلة الراهنة، بل أيضا لسنوات قادمة. كما أن عودة النازحين والمهجرين داخل البلد الواحد إلى أماكن إقامتهم الأصلية، حين تحدث تثير العديد من الإشكاليات المرتبطة بإعادة الاندماج فى حياة مجتمعية تغيرت، والتعامل مع حقائق اقتصادية واجتماعية وسياسية تبدلت، وربما تثير أيضا إشكاليات أخرى تتعلق باستعادة حقوق ملكية فقدت والبحث عن مفقودين اختفى أثرهم وعلاقات أسرية ضاعت خيوطها.
• • •
أما فى البلدان المستقبلة كمصر ولبنان والأردن وتركيا، فينبغى التمييز بين التحديات المباشرة والتحديات غير المباشرة لوصول أعداد كبيرة من اللاجئين. تتمثل التحديات المباشرة فى الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية اللازمة لتوفير حياة آمنة وكريمة للاجئين بكل ما يعنيه ذلك من محال للإقامة وأماكن للتعليم والعمل وفرص للحصول على الرعاية الصحية والرعاية الشخصية. وفضلا عن ضرورة حضور الإرادة السياسية لحكومات البلدان المستقبلة بغية التعامل مع التحديات المباشرة لقدوم اللاجئين، تحتاج بلدان مركزية وذات قدرات إدارية متماسكة كمصر وتركيا والأردن إلى استصدار قوانين تنظم وجود وحياة اللاجئين وتضمن حقوقهم وواجباتهم وكذلك تصميم وتطبيق سياسات موحدة تجاه كافة مجموعاتهم لا تميز بين السودانيين واليمنيين فى الحالة المصرية وبين السوريين وغيرهم من اللاجئين فى الحالة التركية. أما لبنان، وهو على سبيل المثال يتسم بضعف قدرات الحكم والإدارة وبتركيبة سكانية تصعب الاندماج فى النظام التعليمى وسوق العمل لغير اللبنانيين، فيحتاج دوما إلى إدارة لملف اللاجئين تحد من التوترات الطائفية والمجتمعية وتحول دون تفجر الأوضاع السياسية فى بلد خبر الحرب الأهلية فى الماضى ويتجدد اقترابه من هاويتها بين الحين والآخر.
فى جميع البلدان المستقبلة للنازحين واللاجئين ثمة ضرورة قصوى لإدارة حوار مثمر مع المانحين الدوليين، حكومات ومنظمات أممية ومجتمع مدنى، بهدف تأمين احتياجات الملايين الذين قدموا عبر الحدود ومساعدة حكومات مصر ولبنان والأردن وتركيا على التوفيق بين متطلبات اللاجئين وأسرهم وبين التزاماتهم المعيشية والتنموية تجاه شعوبهم.
والشاهد أنه لا ضرر على الإطلاق من العمل فى البلدان المستقبلة من أجل الحصول على مساعدات المانحين الدوليين والاستفادة منها، مثلما يظل النقاش العام بشأن تمرير قوانين تنظم حياة اللاجئين مهمة عاجلة وضرورية لتمكينهم من الاستقرار والحيلولة دون حدوث توترات مع الأغلبيات المجتمعية.
أما التحديات غير المباشرة لظواهر النزوح واللجوء فى البلدان المستقبلة فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فخيطها الناظم هو صعوبات الاندماج فى بيئات جديدة من وجهة نظر المرتحلين وفى بيئات لم تعهد قدوم أعداد كبيرة من خارجها للحياة بين ظهرانيها. وتستدعى التحديات غير المباشرة هذه، وهى ستتزايد أهميتها مع مرور السنوات، إدارة حوارات قانونية وسياسية ومهنية حول شروط الاندماج وحدوده، حوارات تتجنب من جهة المقولات العنصرية والشوفينية التى تتعامل مع اللاجئين كوباء مميت وتتجنب من جهة أخرى المقولات شديدة المبالغة فى مثاليتها بإنكارها لوجود صعوبات وأزمات تترتب على قدوم اللاجئين وشيوع مخاوف بين «أهل البلد» على فرصهم هم فى قطاعات التعليم والعمل والقطاعات الخدمية والمهنية.
• • •
هذه هى بعض الحقائق التى تنتجها ظواهر النزوح والتهجير واللجوء والارتحال التى أضحت من وقائع حياتنا اليومية فى منطقتنا المنكوبة بحروب عبر الحدود وحروب أهلية وصراعات عسكرية وبانتشار ميليشيات وجماعات إرهابية تهدد مجتمعة فرص الحياة الآمنة والكريمة وتباعد بيننا وبين التنمية الشاملة وتحد كثيرا من إمكانيات استقرار الدول ومقومات العيش المشترك.