بين الهيبة والخيبة!

بلال فضل
بلال فضل

آخر تحديث: الإثنين 7 يناير 2013 - 8:45 ص بتوقيت القاهرة

عندما كانت جماعة الإخوان فى موقع المعارضة أوسع قادتها ودعاتها الناس فى كل مكان وعظا عن بغلة العراق التى بكى سيدنا عمر بن الخطاب لأنه خاف أن يسأله الله لماذا لم يمهد لها الطريق، وبعد أن صدقهم الناس وأوصلوا واحدا منهم هو محمد مرسى إلى كرسى الحكم ثقة فى أن من يقتدى بسيدنا عمر فى البكاء على بغلة العراق لن ينسى بشر بلاده، كتب إبن مرسى على الفيس بوك غاضبا من شاب معارض لأبيه «إسمه سيادة الرئيس يابغل»،

 

 

وهى عبارة تحولت إلى منهج يتبعه الكثير من أنصار الرئيس الذين لايبدون مشغولين بالبكاء على بغلة العراق بقدر ماهم مشغولون بوصف من يعارض رئيسهم بأنه بغل أو كافر أو متآمر ينتمى إلى جبهة خراب مصر، وأصبحنا لا نسمع مطلقا عن بغلة العراق، ولا أظننا نرى ذكرا لها فى أية إنتخابات قادمة، لأن من يصدق الإستشهاد بها سيستحق بجدارة لقب (البغل).

 

قبل وصولهم إلى الحكم أيضا استهلك قادة الإخوان ودعاتهم كما مهولا من القصص عن سعة صدر الخلفاء الراشدين وتحملهم لسلاطة لسان محكوميهم وصبرهم على تجاوزات الرعية فى طلب الحق، حتى أن رئيسهم مرسى فى خطابه الأول تقمص دور الخليفة الراشد واستلهم مقولة سيدنا عمر الشهيرة «إن رأيتم فيّ إعوجاجا فقوموني»، إلا أنه وفى أقل من ستة شهور أثبت أنه لم يكن قد إقتباسه لكلام عمر، فبدأت البلاغات تتوالى منه ومن أنصاره تتهم هذا بإهانة الرئيس وذلك بهز هيبته، وأصبحت لا تحدث إخوانيا عن تعثر الرئيس وفشل سياساته إلا وأرجع ذلك إلى النقد العنيف الذى يلاقيه الرئيس فى وسائل الإعلام، مؤكدا أن مرسى لن يستطيع أن يحقق أى إنجازات إلا إذا تم تحصين هيبته بكسر الأقلام وتقصير الألسنة التى تهز تلك الهيبة.

 

بعد أيام من إعلان فوز مرسى بالرئاسة نشرت (بوكسا) أقول فيه: «حتى نحصل على رئيس يليق بأحلامنا، دعونا نحلم لمصر برئيس مثل رئيس الأوروغواى خوسيه موخيكا، ما قولك فى حاكم بدأ حياته يساريا يحمل السلاح ضد السلطة، ثم قرر أن يعمل فى السياسة متبنيا قضايا الفقراء، وعندما نجح فى دخول قصر الرئاسة لم ينس كل ما كافح من أجله، بل أصبح أسطورة حية فى العدل، الرجل يتصدر لائحة أفقر حكام العالم ولكن بإختياره، فطبقا لتقرير نشره مراسل صحيفة القدس العربى كل ما يحصل عليه فخامة الرئيس من مخصصات مبلغ قدره 12 ألفا و500 دولار أمريكى، ومع ذلك فقد قرر أن يتبرع بتسعين فى المائة من مخصصاته للأعمال الخيرية ويحتفظ فقط بـ 1250 دولار شهريا قائلا أن هذا المرتب يكفيه لأن أغلب شعبه يعيش بمرتب أقل، مختارا أن يستمر فى ركوب سيارته الفولكس البسيطة والإقامة فى بيته المتواضع، ليضع قصر الرئاسة الفخم تحت تصرف مراكز الإيواء فى العاصمة مونتفيديو لتقديم المأوى للمشردين. لا يفعل موخيكا كل ذلك أمام الكاميرات فهو مقل الظهور فى وسائل الإعلام لأنه يقضى أغلب وقته بين الناس فى الشوارع، ليس لكى يقتدى بسيدنا عمر بن الخطاب فهو فى أغلب الأحوال لم يسمع عنه، بل لأن الرئاسة منحته الفرصة لكى يحقق أحلامه فى خدمة بلاده التى كان يضحى بحياته من أجلها وهو شاب. إوعدنا والنبى يارب».

 

أعترف أننى عندما كتبت المقال كنت متشككا أن يكون ثمة مبالغة فيما نشرته صحيفة القدس، ولم أوفق فى العثور فى (جوجل) على رأى فى الأمر لواحد من كتابى المفضلين، هو كاتب الأوروجواى العظيم إدواردو غاليانو الذى أعاد كتابة تاريخ أمريكا اللاتينية بطريقته الخاصة المتفردة فى عدة كتب ترجم أشهرها أسامة إسبر وصدرت عن دار الطليعة الجديدة السورية، بعد نشر المقال بأيام قالت لى صديقة تعمل فى منظمة اليونيسيف أنها قرأت ماكتبته لزميل لها من الأوروجواى، فأخذ يبهرها بمزيد من الحكايات عن عظمة الرجل وحب شعبه له، وقالت أنه شعر بسعادة لأن كاتبا مصريا كتب عن رئيسه، فقرر أن يهدينى نسخة من كتاب يتحدث عن مشوار كفاح موخيكا، انتظرت الكتاب بلهفة وعزمت على قراءته وعرضه، لكننى فوجئت عندما وصلنى أنه صادر بالأسبانية ولم يجد مترجما بعد يتصدى لترجمته، أخذت أتأمل صفحاته المثنية والمليئة بهوامش مكتوبة بالقلم الرصاص، فشعرت برغم عدم فهمى للغة المتن والهامش أن هناك حالة من السعادة والفخر تنبعث من جنبات الكتاب سواءا من كاتبه أو من قارئه، ووجدت نفسى عندها أكرر ماختمت به مقالى عن خوسيه موخيكا: إوعدنا يارب.

 

بالأمس قرأت تحقيقا لصحيفة (نيويورك تايمز) عن موخيكا يواصل عرض مآثره ويحكى عن تفانيه من أجل ناس بلاده، مصحوبا بصور بديعة له وهو يقوم بعمل شاى لنفسه فى مطبخ بيته المتواضع، أو وهو يقود موكبه الرئاسى المكون من سيارة الفولكسفاجن إياها وسيارة حراسة متواضعة لأنه يعلم أن هيبته بين الناس صنعتها إنجازاته الملموسة وسياساته الذكية من أول يوم له فى الحكم، داهمتنى غصة وأنا أتأمل الصور لأننى تذكرت موكب الرئيس محمد فاتح الصدر الذى أغلق قصره أمام مظلومى بلاده، وعزل نفسه عنهم بموكبه المصفح، ودفع مواطنيه للإقتتال على باب قصره، وبعد أن كان منذ أشهر يصلى وسط الناس محفوفا بالإحترام أصبح يخرج مسرعا وحرسه حفاة الأقدام ليفلت من مواجهة غضب معارضيه، قلت لنفسي: ربما لو طلب رئيسنا من خوسيه موخيكا نصيحة فيما يخص إكتساب الهيبة الرئاسية، لأرسل له موخيكا برقية باللغة الأسبانية تقول «عزيزى الرئيس: لا تجتمع الهيبة مع الخيبة، تخلص من خيبتك تفرض هيبتك».  

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved