أرجوك.. لا ترشح نفسك
محمد عصمت
آخر تحديث:
الثلاثاء 7 يناير 2014 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
مالم تحدث مفاجآت فى الربع ساعة الأخير، تشير معظم التكهنات إلى أن الفريق عبدالفتاح السيسى، سيرشح نفسه فى انتخابات رئاسة الجمهورية، ومن المنتظر أن يفوز فيها باكتساح، ليس فقط لضعف منافسيه من الوجوه القديمة المحروقة، ولكن لأن الرجل فى نظر الأغلبية الساحقة من المصريين، وضع رقبته على كتفه وهو يواجه معهم مافيا الإخوان فى ثورة 30 يونيو.
ومع ذلك، فإن ترشح السيسى للرئاسة ووصوله للقصر الجمهورى، لا يضمن لنا أنه سيكون رئيسا جيدا، فحتى الآن نحن لا نعرف للرجل برنامجا سياسيا واضحا، ولا ندرى شيئا عن توجهاته الفكرية ولا إنحيازاته الاجتماعية، وهل تؤثر عقليته العسكرية التى تعودت على عدم مناقشة الأوامر، على أدائه كرئيس ينبغى أن يكون ديمقراطيا لأبعد مدى؟! وهل يستطيع تحمل انتقادات ــ بل ورزالات ــ حادة لقراراته بدون أن يرد عليها بعنف؟..ثم كيف سيواجه قطعان الذئاب النهمة للسلطة، أو الممولة خارجيا، أو صاحبة الحنين لزمن الفساد فى عهد مبارك، والتى تنتظر بلهفة أى خطأ له لتقترب خطوة من الاستيلاء على مفاصل الدولة؟
بحكم حياته العسكرية المنضبطة، لا يمتلك السيسى خبرة عملية فى المجال السياسى، فهو مثلا لم يخض تجربة عبدالناصر فى شبابه التى ارتحل خلالها بين تنظيمات سرية بدءا من الإخوان المسلمين مرورا بحركة مصر الفتاة وتنظيم حدتو الشيوعى، كما لم يمر بتجارب السادات المثيرة وعلاقاته الغامضة بأجهزة المخابرات الألمانية والقصر الملكى، وهو بالقطع لا يريد أن يكرر تجربة حسنى مبارك الذى افتقد لأى خيال سياسى، والذى حماه من السقوط فى سنوات حكمه الأولى قوة الدولة آنذاك برجالها من كبار السياسيين من عهد عبدالناصر، بالإضافة إلى دوره الذى بالغ فيه الإعلام فى حرب اكتوبر..
السيسى يحتاج بلا شك إلى المزيد من الوقت ليتخلص من «عقليته» و«شخصيته» العسكرية قبل أن يخوض غمار السياسة، وهو ترف لا تسمح به ظروف البلد المتوترة حاليا، كما أن فشل السيسى كرئيس فى حل تلال الازمات المتراكمة والمشتعلة حولنا، ربما تحرقه أمام الرأى العام، وتنتقص من رصيده الجماهيرى، وبالتالى سنصبح مهددين بفقدان آخر ورقة تحمى الدولة المدنية من غزوات الإخوان وحلفائهم من الفرق الاسلامية التكفيرية المتطرفة.
فى ثورة 30 يونيو، أصبح الفريق السيسى زعيما وطنيا، أنقذ البلاد من حرب أهلية كادت تنشب فى كل أرجاء مصر، والتى لم تكن لتنتهى إلا بثمن فادح كان يهدد بتقسيم مصر وبفتح الأبواب أمام التدخل العسكرى الغربى، بل ربما التدخل العسكرى الإسرائيلى لإعادة احتلال سيناء بحجة مواجهة المتطرفين الذى يتخذونها وكرا لهم، بعد ان تركوا افغانستان وكهوف تورا بورا بدعوات مفتوحة من المعزول محمد مرسى، وهو ما يفرض على الفريق السيسى بقدراته وكفاءاته العسكرية، وبتأييد الشعب وحب الناس له، التفرغ لهذه الحرب التى تشنها ضد الجيش الفصائل التكفيرية المتطرفة، وتساندها مليارات الإخوان ومن يقفون خلفهم، وقبل ذلك كله فإننا نحتاج إلى السيسى كمخزون سياسى استراتيجى، يضبط بزعامته الوطنية إيقاع العمل السياسى، بدون أن يغوص فى أوحاله التى زادت عن حدها فى هذه المرحلة الصعبة التى نعيشها.
ربما يكون الطريق الوحيد المطروح أمام السيسى الآن، أن يدعم بوضوح مرشحا مدنيا للرئاسة وليكن المستشار عدلى منصور الذى قدم أداء رئاسيا راقيا خلال الأشهر الماضية، ببرنامج وطنى يسعى لبناء دولة مدنية ديمقراطية لمرحلة انتقالية، نؤسس خلالها لقيم الحرية والعدالة الاجتماعية.. والإصلاح الدينى أيضا.