تحديات أمام القمة العربية التنموية
ناصيف حتى
آخر تحديث:
الإثنين 7 يناير 2019 - 10:45 م
بتوقيت القاهرة
عشية انعقاد الدورة الرابعة للقمة العربية التنموية: الاقتصادية والاجتماعية التى يستضيفها لبنان فى ١٩ــ٢٠ يناير لا بد من التذكير بداية بأن مستوى المشاركة، كأن يكون التمثيل ما دون رأس الدولة ( إلا فى حالات قليلة جدا ومعروفة ومبررة) يحمل رسالة حول الأهمية والجدية التى تشكلها هذه القمة بالنسبة للدولة المشاركة. خفض مستوى التمثيل أيضا يحمل رسالة سياسية بوجه خاص تجاه الدولة المضيفة، فى وقت لبنان بأمس الحاجة فيه لدعم العائلة العربية، حفاظا أو إنقاذا، وقد لمسنا الخطوط الحمر فيما يخص الاستقرار المجتمعى الذى هو فى نهاية الأمر مصلحة عربية حيوية أيضا، بما قد يحمله انهيار هذا الاستقرار من تداعيات تتخطى لبنان لتطال محيطه العربى.
تحديات جمة، ولكنها حاملة لفرص كبيرة إذا ما تعاملت معها هذه القمة بفاعلية وواقعية، ولم تتجاهلها وتمر عليها مرور الكرام، عبر دبلوماسية البيانات والمناشدات والدعوات التى تعرفها القمم العربية.
أولا: أن المشكلات الاقتصادية ــ الاجتماعية التى شكلت فتيل انفجار الأوضاع فى بعض الدول العربية، والتى سماها البعض بالربيع العربى، واعتبرها البعض الآخر بمثابة خريف أو شتاء عربى، بعد أن خرجت أو أخرجت عما يجب أن يكون سياقها الإصلاحى الطبيعى، ما زالت قائمة، لا بل قد استفحلت بسبب حالة الفوضى وتداعيات الأزمات التى انفجرت والحروب الأهلية التى انطلقت، وذلك على الرغم من النجاح فى إعادة الاستقرار إلى بعض هذه الدول.
هذه المشكلات المستفحلة ستبقى مصدر خطر لانفجارات مستقبلية وللاستغلال من أطراف مختلفة، داخلية وخارجية، إذا لم يتم نزع فتيل الانفجار عبر سياسات تنموية شاملة تعالج الجذور الاقتصادية والاجتماعية لهذه الأوضاع. فاستمرار الحرائق هنا وازدياد السخونة هناك قد تطال شراراتها دولا أخرى.
ثانيا: نهاية الدولة الريعية العربية كما عرفناها منذ السبعينيات، والتى انطوت على فوائد كثيرة لمجتمعاتها ولمجتمعات عربية أخرى استفادت منها من خلال توفير العمالة والحصول على الاستثمارات والمساعدات. يحصل هذا الانكماش فى وقت ازدادت تطلعات الشعوب نحو حياة وخدمات أفضل، وخاصة بين القطاعات الشبابية. هذا الوضع فرض إعادة النظر فى العديد من السياسات الاقتصادية ــ الاجتماعية. يحمل هذا الأمر، دون شك، لتداعيات سياسية على استقرار عدد من الدول العربية وعلى الإقليم العربى بشكل عام.
ثالثا: الديمغرافيا الشبابية الضاغطة فى العالم العربى. وللتذكير، يشير تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام ٢٠١٦ الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP أن نحو ٦٠ بالمائة من السكان هم دون سن الثلاثين وأن العالم العربى يعانى من أعلى نسبة بطالة شبابية مقارنة بالأقاليم الأخرى فى العالم. يعتبر هذا بمثابة قنبلة موقوتة إذا لم يتم التعامل معها بنجاح. وتبقى هذه الطاقة الشبابية قاطرة أساسية للتنمية إذا ما أحسن الاستفادة منها وتوظيف إمكاناتها.
رابعا: المطلوب، كما يقال، التفكير «خارج الصندوق»، وذلك انطلاقا من منع تأثير الخلافات السياسية على التعاون الاقتصادى وجعل هذا الأخير بمثابة رهينة للعلاقات السياسية. أن التعاون الاقتصادى المفيد لجميع أطرافه يمكن أن يشكل حافزا لاحتواء الخلافات السياسية بين هذه الأطراف والعمل على تسويتها. وهذا الأمر سمة طبيعية فى العلاقات بين الدول فى جميع أطراف العالم. فالتكامل الاقتصادى العربى، بأشكاله وصيغه المختلفة، أمر أكثر من ضرورى لبناء الاستقرار وبالتالى تعزيز الأمن الوطنى والعربى. ولا بد من التذكير أن جميع عناصر الإنتاج موجودة ومتكاملة فى العالم العربى. ومن الضرورى إيلاء أهمية خاصة فى التعاون للاستثمار فى التعليم النوعى وإنشاء ما يعرف بـ«مراكز تميز» لدعم الأبحاث فى تعزيز هذا التعليم، الأمر الذى يسمح للعرب بالتعامل الناجح والاستفادة من الثورة الصناعية الرابعة التى يعيشها العالم. فمن الضرورى أن توجه القمة وتعطى أولوية للتعاون فى قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والطاقة النظيفة والمتجددة.
خامسا: إن موعد القمة يشكل فرصة ذهبية للقاء عربى جامع على أعلى مستوى للتشاور ولو فى جلسة مغلقة وغير رسمية فى مسألة جد استراتيجية ولو إنها خلافية، وهى مسألة عودة سوريا إلى العرب وعودة العرب إلى سوريا. والأمر، بالطبع، أبعد من اتخاذ قرار، على الرغم من ضروريته وأولويته، بإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية. كما من الضرورى أن يجرى التداول على مستوى القمة بشأن بلورة أجندة الأولويات العربية فى القمة العربية الأوروبية التى ستعقد فى العشرية الأخيرة من الشهر القادم فى القاهرة.
قد يقول البعض إن هذه ستبقى مجرد أمنيات فى ظل الوضع العربى الراهن والتجارب الماضية. ولكن أما حان الوقت لوقفة عربية مع الذات قبل أن يحدث الانهيار الكبير ــ ونحن نرى بوادره؟! فتكون بيروت محطة لإعادة انطلاق قطار عمل عربى مشترك على قواعد وأسس جديدة يخدم ويعزز مصالح الدول العربية جمعاء.