تقدير موقف من أوراق ثورة 25 يناير
طارق البشرى
آخر تحديث:
الإثنين 7 فبراير 2011 - 11:32 ص
بتوقيت القاهرة
نحن نبحث الآن فى الأوضاع السياسية والدستورية للأحداث التى نعيشها، ولما نحن فيه من حراك شعبى ثورى عميق، نرجو البقاء له والاستمرار.
وأن الوضع السياسى هو أساس النظر فى الوضع الدستورى والقانونى، وان الوضع السياسى الذى استجد حتى الآن ويستجد فى الأيام التالية إن شاء الله يكون هو أساس النظر فى التشكيل الدستورى المطلوب والاختيار بين البدائل القانونية المتاحة والتى تظهر، وان الوضع السياسى الجديد لايزال يستخرج طاقته وقوته.
الوضع السياسى الحاضر الذى استجد، هو اننا فى حالة ثورية شعبية عميقة، وهى أشمل وأعمق مما مر بنا فى عشرات السنين الماضية، من حيث الانتشار الشعبى والحماس واستخدام أكثر أساليب العصيان المدنى شمولا وتحضرا، ونرجو لها طول النفس وان يوسع الله لها شمولا شعبيا وانتشارا فى أقاليم مصر ومدة طويلة متتابعة الحلقات والأيام حتى تؤتى كل ثمارها لشعب ما أروعه وما أكثر ما يستحق من خير.
(1)
هذا الحراك الشعبى لايزال يضغط على أجهزة الدولة وأدواتها، ولم يتمكن بعد من بلوغ غايته فى تعديل أركانها وقوائمها، وهو حراك لا شك يجد صدى تعاطف فى داخل أجهزة الدولة وبين شرائح العاملين فيها وعند أجنحة من القائمين عليها، وهذا التعاطف على أسس من التوجهات الوطنية والرشيدة هو مما قد ييسر السبل لتشارك حميد، وان أجهزة الدولة المصرية كانت دائما مكونة من مصريين لا ينفصلون عن عامة المصريين فى أوضاعهم الثقافية والحياتية والاقتصادية، وما أكثر من يستجيبون لتيارات الشعب المصرى من بينهم لولا الخضوع الرئاسى للأجهزة الإدارية.
وهذا الحراك الشعبى الثورى العميق يشيع أثره الحميد بين عامة الشاغلين لأجهزة الدولة العسكرية والمدنية فى انجذابهم لحركة الشعب فى مواجهة القلة التى سيطرت ولاتزال بقاياها مسيطرة على أجهزة مهمة فى الدولة فى عهد الرئيس حسنى مبارك، خاصة هذه الجماعة التى اقتحمت جهاز إدارة الدولة فى السنوات العشر الأخيرة، وعاثت فيه فسادا وإفسادا وهدما وتفكيكا، وهم على التحديد ممن سموا انفسهم رجال أعمال وقيادات فى الحزب الوطنى ولجنة السياسات به وغيرهم.
والحاصل ان ما حدث حتى الآن أى حتى كتابة هذه السطور أن الحركة الثورية قد انتجت الاطاحة الفعلية بعدد من رجال هذه الشريحة من رجال الأعمال ولجنة السياسات وقيادات بالحزب الوطنى وانصار لجمال مبارك، وهم من كانوا يسيطرون على رأس الدولة المصرية بمباركة ودعم من رئيس الجمهورية وحماية منه، خاصة خلال السنوات العشر الأخيرة حيث خلت لهم الأجواء تماما بغير مقاومة من القيادات الأخرى بجهاز الدولة.
كما أن هذه الحركة الشعبية انتجت الإضعاف الظاهر للنفوذ السياسى لجهاز الشرطة، وتكاد تكون قد أبعدت أثره لا من حيث وظيفته فى حماية الأمن ولكنها أضعفته وقلصت دوره السياسى الذى كان نما واستفحل بين أجهزة الدولة المصرية خلال السنوات العشرين أو الثلاثين الأخيرة. كما ان هذه الحركة أعادت للقوات المسلحة المصرية مكانتها السياسية التى كانت لها قبل عصر مبارك.
وان ما حدث حتى الآن عند كتابة هذه السطور لم يصل بعد أثره شبه المتحقق إلى أكثر مما أشرت إليه، وهذا قدر من الانجاز لا بأس به ويستحق التقدير الكبير، لأن ما تعرضت له مصر فى السنوات الأخيرة كان اشبه بمرض عضال، وكان من شأن بقائه أن يميت من يبتلى به ولكن هذا الانجاز غير كاف لإنقاذ مصر والخروج بها من حالة الوهن التى لحقتها، وهو انجاز لا يكفى لتحصين المجتمع المصرى من مخاطر ان تلحقه نكسة هذا المرض العضال. ونحن بحاجة ماسة وملحة إلى مزيد من المنجزات الشعبية لبناء نظام جديد يحصن مصر من أمراض حكم الفرد المطلق وشخصنة الدولة والعزلة والبيروقراطية عن المجتمع، ويعيد إلى جهاز الدولة المصرى وإلى المجتمع القدرة على النهوض الحر واسترداد الإرادة الوطنية.
ويكفى دليلا على أهمية تحصين جهاز الدولة والمجتمع ضد أمراض الاستبداد والشخصنة التى فتحت الطريق لسرقة الدولة المصرية لعشر سنوات أو أكثر من رجال هم أشبه بالعصابات التى تتسمى باسم رجال الأعمال وبمن سموا انفسهم من الساسة بأصحاب «الفكر الجديد» الذين يمثلهم جمال مبارك، يكفى دليلا على أهمية هذا الهدف، ان العصابة التى سميت رجال أعمال وأصحاب فكر جديد (لجنة السياسات فى الحزب الوطنى) ان بلغ فجور هؤلاء فى الدفاع عن مكانتهم فى أجهزة الدولة ضد الحركة الثورية القائمة الآن، انهم سحبوا الشرطة من مدن مصر الكبيرة وفتحوا السجون لإخراج الأشقياء منها بما يشمل ذلك من احتمالات تخريب وتدمير وإشاعة للفوضى الكاملة الشاملة. وهذا أمر لم نعرف له مثيلا لا فى تاريخ بلدنا ولا فى تواريخ البلاد الأخرى، وهو ان تتخلى دولة عن وظيفة حماية المجتمع وتطلق المجرمين على الأهالى جميعا، كما حدث فى يوم الجمعة 28 يناير سنة 2011، وهى كذلك بعد ان سحبت الشرطة وجمدت قوات الجيش فى المدن اطلقت فى 2 فبراير «بلطجية» يقتلون المتظاهرين فى ميدان التحرير. وانا اسأل أى قارئ وكل قارئ، هل عرف جماعة حاكمة تملك زمام دولة سحبت الشرطة وجمدت الجيش واطلقت عصابات بلطجية ضد شعبها، انها حكومة ودولة لم تكن تعبر عن طبقة اجتماعية ذات مصالح اقتصادية مستقرة وثابتة، ولكنها كانت تحت سيطرة ما يشبه العصابة من النهابين السلابين، فلا عجب ان يفهموا فى دفاعهم عن ذواتهم ما معنى دولة وما معنى شرطة وما معنى قوات مسلحة، وان يعتمدوا فى الدفاع عن انفسهم ومراكزهم بعصابات البلطجية. وان العبرة التى يتعين ان نخرج بها من هذه التجربة، هى أن هذه الميكروبات التى حلت بالدولة وأجهزتها هى من نتاج سلطة الفرد المطلقة وشخصنة مناصب الدولة، وهى من المضاعفات المرضية لهذا الأمر.
(2)
والظاهر حتى لحظة كتابة هذه السطور أن قيادة أجهزة الدولة التى انفردت بالقيادة بفعل الحركة الشعبية الجارية، تحاول ان تكتفى بما أفضت إليه الحركة الثورية الحالية من استعادة القيادات التقليدية لأجهزة الدولة لسلطانها ونفوذها وتخلصها من سيطرة الفئة التى طرأت عليهم فى السنوات العشر الأخيرة تحت قيادة جمال مبارك وبمباركة أبيه وحمايته، وهى تكاد تقول للحركة الشعبية، شكرا لكم لما أنجزتم ويكفى هذا. ولكن على هذه القيادات مع التقدير لها ولدورها ان تعرف ان ما استعادت به نفوذها المتفرد فى الحكم وما اعاد إليها سلطاتها التى كانت مسلوبة، هى هذه الحركة الثورية الشعبية التى قدمت خلال عشرة أيام ثلاثمائة شهيد وخمسة آلاف جريح من أطيب شباب شعب مصر.
وعلى هذه القيادات أن تدرك ان هذه الحركة الشبابية هى نتاج تراكم لثقافة الخروج إلى الشارع فى حركات احتجاجية جزئية جرت على مدى السنوات الست الماضية من سنة 2005. وانها ذات أساليب مستحدثة، وانها ان لم تنجز ما يطمح إليه المصريون من احتياجات سياسية حيوية، فإنها يمكن ان تكرر ما عملت بعد فترة أو فترات وان تستحدث أساليب أخرى بما أظهرت من ذكاء وحيوية ومما فاجأ أمثالى من ذوى الخبرات القديمة عن الثورات والحركات الشعبية، وان هذه الحركة قادرة إن شاء الله على البقاء كقوة سياسية مؤثرة فى موازين السياسة المصرية وذات تشكيلات تستحدثها، وسيبقى أثرها فى الساحة المصرية السياسية، وقد أوجدت جيلا جديدا من ساسة مصر وقادتها المستقبليين، وممن ليست لهم ملفات بالشرطة ولن يكونوا مجالا للملاحقة الأمنية إلا بعد جهد بوليسى يستغرق أوقاتا وأوقاتا فى جمع المعلومات وتكوين الملفات والتفكير فى امكانات الملاحقة، لكل فرد ولكل مجموعة، ومتابعة للأنشطة مما قد يستغرق سنوات وسنوات. ذلك ان الشعب المصرى رمى إلى الشاطئ بموجة جديدة من شبابه الطيب، وهى موجة ما أعلاها وما أطيبها. وهى يمكنها قبل التمكن الأمنى منها عبر شهور وسنوات ان تؤثر تأثيرات عديدة، وأظن ان قيادات أجهزة الدولة جديرة بأن تدخل كل ذلك فى الحساب، وان تتيح لهذا العنصر الجديد امكان المساهمة البناءة الديمقراطية والوطنية فى مستقبل مصر.
وفى هذا الصدد، ثمة نقطة أود الإشارة إليها وبيانها، وهى أن هناك حرصا من قادة أجهزة الدولة الآن من بين العسكريين على استبقاء الرئيس حسنى مبارك بغير تنح، وثمة تردد واضح من جانبهم بالنسبة لتفويض الرئيس سلطاته إلى نائبه الذى اختاره، وأظن أن ليس سبب ذلك فقط هو انهم يعترفون للرئيس بفضل نشاطه السياسى السابق وادائه فى الجيش ورئاسة الدولة، فإن استبداد الرئيس وقسوته وفرديته الشديدة وخصاله المعروفة لا تنشئ له مع من يتعاملون معه علاقة تعاطف ومودة، ولكن سبب الاستبقاء فى ظنى هو انه بعد ضعف مركز الرئيس بحكم الهبة الشعبية الحاصلة، فإن من تعاملوا معه من قبل وكانوا تحت رئاسته هم اقران متساوون فى مراكزهم تجاهه وتجاه بعضهم بعضا، وان ترجح اسهم أحدهم على غيره من اقرانه لا يكاد يصادف قبولا فوريا، ولا يملك أحد فرض رئاسته على غيره من الاقران فى المدى القصير المحدود. لذلك فهم يبقونه على مرضه وانتهاء نفوذه السياسى تماما حتى تستقر أوضاع علاقاتهم مع بعضهم البعض على نحو جديد من التعاون والتشارك.
(3)
مسألة أخرى أريد اثارتها وهى تتعلق بانعكاس الصورة السابقة على الأوضاع الدستورية وأساليب التحقق لما تراه الحركة الشعبية من طلبات بالنسبة لتخلى رئيس الجمهورية عن سلطاته فى الحكم.
والدستور فى تقديرى باق ما دامت لم تسيطر على السلطة جماعة جديدة غير من هم موجودون فيها، وان ازاحة اجنحة من السلطة واسترداد اجنحة أخرى منها لكامل الأوضاع فى الحكم لا يفيد فى تقديرى انتهاء العمل بالدستور. وإذا أعلنت الجماهير فى كل شوارع مصر سقوط الدستور، فلا يكون ذلك اسقاطا ما دامت الفئة الحاكمة كلها أو بعضها لاتزال قابضة على ناصية الأمور، وهنا أيضا يجب أن نتذكر أن السياسة أولا والوضع السياسى هو الأساس ثم يأتى بعد ذلك التعبير الدستورى عن هذا الوضع، فما دامت الجماعة الحاكمة فى مركز السيطرة على الدولة فإن الدستور المعبر عن الوضع القائم بها يبقى قائما.
وان مجرد القيام بالثورة لا يسقط الدستور إلا بعد ان تتولى القوة الثائرة السلطة فعلا. والقول بأن الدستور القائم سقط بالعملية الثورية التى بدأت فى 25 يناير هو قول غير سديد فى ظنى من الناحيتين السياسية والدستورية، لأن قوة جديدة لم تصل إلى الحكم من الناحية السياسية بعد، ولأن من قال بسقوط الدستور من الناحية القانونية انما استند فى زعمه إلى المادة 3 من الدستور وهى تنص على ان «السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها ويصون الوحدة الوطنية على الوجه المبين بالدستور». والنص بذلك يفيد ان الممارسة للسيادة الشعبية يكون «على الوجه المبين بالدستور»، فهذه الممارسة طبقا للدستور لا تكون فى منطقة إلغاء له ولا تكون ممارسة يعتد بها الدستور إلا أن جرت على الوجه المبين به، وهى لا تفيد امكان إلغاء الدستور، وليس من نظام دستورى يكفل لأحد ولا لجماعة ولا لفترة أن تلغيه، انما هو ينظم طريقة تعديل احكامه لا إلغائه كلية ولا تقرير اسقاطه جملة. ولا يوجد دستور يلغى نفسه فيما نعلم، والدستور لا يلغى جملة أبدا الا من خارجه وبفعل سياسى تسيطر به قوة سياسية جديدة على السلطة، أو تلغيه السلطة القائمة ان وجدت انه لم يعد يعبر عن أوضاع جديدة تراها أو تنشئها أو تكون آلت إليها. أما ان يسقط ذاتيا ومن تلقاء ذاته بفعل ثورى لم يتول السلطة به أحد بعد، فهذا ما لا أظنه صوابا.
ونحن عندما ننظر فى الوضع السياسى الحاضر من حيث مؤسسات الدولة بعد التعديلات التى جرت أخيرا بفعل الحركة الثورية القائمة، نلحظ أن رياسة الجمهورية ورئاسة الوزارة صارت فى أيدى من يعبر عنهم الأستاذ ضياء رشوان «بالقلب الصلب» فى أجهزة الدولة السيادية ونلحظ ان السلطة التشريعية رئاسة وأعضاء هى فى أيدى الحزب الوطنى ولجنة السياسات وان الحزب الوطنى ولجنة السياسات كانا هما الدعامة الرئيسية السياسية لتلك الجماعة المالية التى سيطرت على الدولة خاصة فى السنوات العشر الأخيرة عندما انفردت تماما بالسلطة عليها تحت حماية رئيس الجمهورية وولده.
ولابد أن ندرك يقينا أن أجهزة الدولة المصرية عسكرية ومدنية هى ما كان عليه المعول فى إدارة المجتمع المصرى والنظر إليه فى عمومه وإدراك توازناته وفقا لإدراك لا بأس به، وايا كان حجم النقص فى ذلك وأيا كانت عيوبه، إلا أنه لا يقارن فى ايجابياته بما آل إليه الوضع المتدنى جدا بعد سيطرة «لجنة السياسات»، «بفكرها الجديد»، وان الحزب الوطنى ولجنة سياساته هما ما عملا على هدم أجهزة الدولة المصرية وتفكيكها وأضرا بالأوضاع السياسية والاقتصادية والمعيشية للمجتمع المصرى اضرارا جد خطيرة. ووفقا لهذا النظر السياسى ننظر فى مسألة نقل السلطة من الرئيس حسنى مبارك تحقيقا لمطلب الحركة الثورية القائمة الآن، فى اطار أحكام الدستور القائم وكيفية تخلى الرئيس عن سلطته. وهذا الأمر بأحد طريقين دستوريين، إما التنحى بالاستقالة أو بالتفويض فى سلطته إلى نائبه.
فى حال التنحى بالاستقالة يجرى إعمال حكم المادة 84 من الدستور وهى تنص على انه «فى حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن العمل يتولى الرئاسة مؤقتا رئيس مجلس الشعب، وإذا كان المجلس منحلا حل محله رئيس المحكمة الدستورية العليا، وذلك بشرط ألا يرشح أيهما للرئاسة مع التقيد بأحكام الفقرة 82».
«ويعلن مجلس الشعب خلو منصب رئيس الجمهورية»..
«ويتم اختيار رئيس الجمهورية خلال مدة لا تتجاوز ستين يوما من تاريخ خلو منصب الرئاسة».
ومقتضى هذا النص ان السلطة فى حالة التنحى بالاستقالة ستؤول إلى رئيس مجلس الشعب وإلى مجلس الشعب الذى يسيطر عليه الحزب الوطنى ذو الأغلبية الكاسحة فى مجلس الشعب، وذلك خلال الفترة الانتقالية. أى يؤول أمر الدولة فى هذه الفترة الحرجة الحساسة إلى ذات القوة المؤسسية التى أقصيت إلى حد ما عن السلطة فى الأيام الأخيرة، وهى لاشك فى هذه الفترة المؤقتة ستحاول العمل على استرداد ما فقدت. وان التعديلات الأخيرة التى جرت يوم السبت 5 فبراير باقصاء عدد من قيادات الحزب الوطنى من مراكزهم القيادية، لا يعتبر ان نفوذهم قد زال عن الحزب وهم لايزالون باقين فى هيئاته العليا، كما ان تشكيلات الحزب كلها جرت وانبنت على أيديهم.
والطريق الثانى لنقل السلطة والتخلى عنها هو طريق انابة رئيس الجمهورية لنائبه نائب رئيس الجمهورية طبقا للمادة 82 من الدستور بما اضيف إليها من أحكام فى سنة 2007، وهى تنص على أنه «إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية لاختصاصاته اناب عنه نائب رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء عند عدم وجود نائب لرئيس الجمهورية أو تعذر نيابته عنه».
ولا يجوز لمن ينوب عن رئيس الجمهورية طلب تعديل الدستور أو حل مجلس الشعب أو مجلس الشورى أو إقالة الوزارة».
وبمقتضى هذا النص انه فى حالة التفويض تنتقل سلطة رئيس الجمهورية إلى نائبه فى جميع ما يملك من سلطات وردت بالدستور إلا ما استثنى فى هذا النص بالنسبة للمسائل الثلاث السابقة. وان سلطاته التى تؤول للنائب تعنى أنها آلت لأجهزة إدارة الدولة ممثلة عسكريا ومدنيا فى نائب الرئيس.
وإذا كان نائب رئيس الجمهورية عند التفوض لا يملك طلب تعديل الدستور، فانه يمكن ان يتحقق هذا الطلب بقرار مستقل من رئيس الجمهورية قبل تنحيه. وعلى أى حال فإن خطاب رئيس الجمهورية الذى ألقاه فى يوم الثلاثاء أول فبراير والذى أقر فيه بعدم ترشحه للرئاسة بعد انتهاء مدته فى خريف سنة 2011، هذا الخطاب تضمن طلبا منه إلى مجلس الشعب لتعديل المادتين 76 و77 من الدستور، ونحن نعرف فى علم القانون ان القرارات الإدارية لا شكل لها إلا إذا شرط القانون لها شكلا معينا يبينه. لذلك فان ما تضمنه هذا الخطاب بشأن المادتين المذكورتين يعتبر طلبا منه لتعديلهما وهو فى خطابه وجه هذا الطلب إلى مجلس الشعب. ومن ثم يعتبر قرارا مستوفيا لأركانه صادرا منه شخصيا بوصفه رئيسا للجمهورية.
ومن جهة ثانية، بالنسبة لعدم احقية نائب رئيس الجمهورية المفوض بسلطات الرئيس فى إقالة الوزارة، فإن ذلك لا يشمل امكان اعفاء أى من الوزراء من مسئوليته الوزارية واستبدال غيره به. لان اعفاء أى وزير بذاته لا يعتبر اقالة الوزارة. أى يمكنه ان يغير فى الوزارة بالتجزئة.
أما حل مجلس الشعب أو مجلس الشورى، فانه يمكن ان يستصدر القرار بذلك من رئيس الجمهورية مع إصداره قرار التفويض.
وفى هذا الصدد، وبالنسبة للطلب السياسى الخاص لحل مجلس الشعب، وهو المجلس الذى لم يجف مداد ما ارتكب فى انتخاباته من تزوير فاحش، فإنى اتصور ان هذا المطلب وان كانت الشرعية السياسية الكاملة لحركة ثورية نبيلة، إلا انى اشفق على الاجماع الوطنى العام المتحقق الآن فى المطالب الثورية المطروحة من تغيير عن النظام وتخلى الرئيس عن سلطته، اشفق على هذا الاجماع المطلوب استبقاؤه أطول مدة زمنية ممكنة، أن يتأثر بفعل ما ستمليه عملية انتخاب مجلس جديد من صراعات بين الأحزاب والجماعات السياسية المختلفة والأسر الريفية والمصالح الذاتية، لذلك اطرح على أصحاب هذا الطلب رجاء بالنظر إلى تأخير تحقيقه إلى ما بعد تحقق المطالب الأخرى السريعة وهى تخلى الرئاسة واستبدالها وانهاء حالة الطوارئ وتحقيق ضمانات الحريات الشعبية وحق تكوين الأحزاب والجماعات السياسية بغير العوائق الواردة بالقانون الحالى طبقا للمادة 82.
نقطة أخرى أود إثارتها، وهى ان الدستور يتضمن حكما اعتمدنا دائما على المطالبة بالغائه، لانه يدعم السلطة الفردية الاستبدادية لمن يتولى منصب رئيس الجمهورية، ولانه يخول الرئيس القفز على سلطات الدولة كلها لدعم قراراته الفردية. وقد استخدم الرئيس أنور السادات هذا الحكم الدستورى عددا من المرات لدعم سلطته الفردية، ومنها المرة التى استخدمها فيها ليدعم موقفه عندما وقع مع الإسرائيليين اتفاقية الصلح المسماة باتفاقية كامب ديفيد، وليدعم موقفه ضد المعارضة التى تصاعدت ضده. هذا الحكم ورد بالمادة 47 من الدستور وتنص على أنه: «لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن اداء دورها الدستورى، ان يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر، ويوجه بيانا إلى الشعب ويجرى الاستفتاء على ما اتخذه من إجراءات خلال ستين يوما من اتخاذها».
وهذه السلطة ليست مما يمتنع ان يشملها قرار الإنابة الذى يصدره رئيس الجمهورية إلى نائبه فى شأن تفويضه بسلطاته. ويمكن للنائب المفوض ان يستخدمها استجابة لمطالب الحركة الشعبية الثورية الوطنية ازاء ما تراه من تعديلات يراد اجراؤها فى المرحلة المؤقتة القائمة، وحتى يوضع دستور جديد ديمقراطى كامل إن شاء الله بعد المرحلة الانتقالية.
(4)
وبعد.. فهذا «تقدير موقف» للحال الحاضر فى هذه الأيام فى هذه الساعات، ونحن فى قلب حراك ثورى مبارك إن شاء الله وان على القائمين بأمر الدولة المصرية الآن ان يدركوا بعد ان خلصت لهم آلة الحكم من النهابين والبلطجية، لتعود دولة ذات إدارة ورشد، ان الشعب المصرى هو من يدينون له بانفرادهم بالسلطة فى مواجهة من اقتحموها فى السنوات الماضية، وان عليهم ان يفسحوا لهذا الشعب وهيئاته الأهلية، وهو فى النهاية الحامى لدولته بشرط ان يشارك فيها إشرافا وتشكيلا للمؤسسات وتداولا للسلطة، وهو الشعب الذى يستند إليه ويعتمد عليه ويشرف أى قائم بالأمر أن يكون ممثلا له وخادما.
ونحن نريد من الحركة الثورية القائمة ان تبقى سيطرتها على الرأى العام المصرى ووجودها بالشارع المصرى فى مدنه وأقاليمه، وان تعمل على ان تتمأسس فى تشكيلات تنظيمية قادرة على إبقاء هذه الحالة الثورية والتعبير عن تصميم الشعب المصرى على التحرر من الاستبداد الداخلى وحكم الفرد المطلق أو حكم الأفراد القلائل، وتصميمه على مساندة حكومته فى توجهها المطلوب لاسترداد الإرادة الوطنية المصرية وتحريرها من ضغوط الدولة الخارجية عليها، بخاصة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية. ونحن نرنو إلى:
- إنهاء حالة الطوارئ.
- حرية تشكيل الأحزاب.
- إعادة بناء جهاز إدارة الدولة المصرية على أسس رشيدة وتشكيل مؤسسى صالح لاداء وظائف إدارة المجتمع المصرى ومرافقه وسد حاجياته.
- إعادة الضمانات الوظيفية لرجال الدولة المصرية فى هذا الجهاز بحيث يمكنهم ممارسة نشاطهم فى خدمة مرافق المجتمع وسد حاجياته برشد وكفاءة.
- ضمان حرية الانتخاب لرئاسة الجمهورية ولمجلسى البرلمان بعد حل مجلس الشعب.
- اتخاذ السياسات التى تسترد بها مصر ارادتها المستقلة عن الاملاءات الأمريكية والإسرائيلية، واتخاذ السياسات الاقتصادية التى ترعى صالح الجماعة الوطنية المصرية بعيدا عن املاءات المنظمات المالية الدولية.
وان ما اذكره فى «تقدير الموقف» هذا لا يعنى الرضاء بالاكتفاء بما ذكرت من بدائل، انما هو يعنى ان يكون مساهمة فى التعرف على حقيقة الأوضاع فى اللحظة التاريخية التى نحياها هذه الأيام. والتى نريد أن نحقق بتجاوزها ما نستطيع من حرية واستقلالية.
حفظ الله مصر وألهمها الرشاد