سلام أوروبا من سلام ليبيا!
صحافة عربية
آخر تحديث:
الجمعة 7 فبراير 2020 - 9:25 م
بتوقيت القاهرة
نشرت جريدة الشرق الأوسط مقالا للكاتبة هدى الحسينى، نعرض منه ما يلى:
فى الأيام التى تلت اغتيال قائد «فيلق القدس» قاسم سليمانى، بدا أن العراق هو ساحة المعركة التى تجذب انتباه الغرب. مع تجدد المظاهرات الداخلية الداعية إلى طرد إيران من البلاد، والاضطرابات الناجمة عن محاولات طهران مهاجمة القوات الأمريكية داخل حدود العراق، وقرار البرلمان الذى دعا الولايات المتحدة لسحب قواتها من العراق، بدا أن كل الأنظار ستكون على العراق.
لكن فى الحقيقة، جاءت العناوين المقلقة من ليبيا. كانت البلاد التى لديها كثير من اللاجئين والاحتياطيات النفطية الضخمة، موضوع تجمع لزعماء مختلفين فى برلين، فى منتصف شهر يناير الماضى.
جاء القادة لمناقشة مستقبل ليبيا، فى وقت كان هناك فيه تصعيد فى القتال، وزيادة فى التدخل الأجنبى؛ خصوصا من جانب تركيا وروسيا.
تم الاتفاق على التنفيذ الصارم لحظر الأسلحة المفروض على ليبيا منذ عام 2011، ووقف تقديم المساعدات العسكرية للقوات المتنافسة، لإجبارها على إجراء حوار جاد.
ومع ذلك، فى الممارسة العملية، لم يتم اتخاذ قرارات محددة فيما يتعلق بوسائل مراقبة وقف إطلاق النار أو تنفيذ الحظر.
منذ الإطاحة بنظام القذافى، أصبحت ليبيا ساحة قتال للمصالح المتعارضة، دولة مزقتها وتسيطر عليها ميليشيات متنافسة، وتديرها حكومتان، ومجلسان منتخبان فى البرلمان، ومصرفان مركزيان، وعشرات الميليشيات.
موقعها الاستراتيجى أغرى كثيرا من اللاعبين الدوليين للاستفادة من مواردها. تنقسم ولاءات هؤلاء اللاعبين:
فى الأشهر الأخيرة، زادت المساعدات الروسية لقوات حفتر، على الرغم من استمرار موسكو فى الادعاء بأنها على اتصال بكلا طرفى النزاع.
من ناحية أخرى، دعمت تركيا وقطر حكومة السراج، التى تتمتع بدعم الأمم المتحدة وتتخذ من طرابلس الغرب مقرا لها.
لكل دولة أوروبية مصلحة راسخة فى استقرار ليبيا، التى تعد ثالث أكبر دولة مصدرة للنفط فى إفريقيا. على سبيل المثال، وقَعت إيطاليا اتفاقية تمنع اللاجئين من جميع أنحاء إفريقيا من الإبحار إلى الاتحاد الأوروبى من ساحل ليبيا. ووقَعت تركيا اتفاقية تعاون عسكرى وأمنى مع حكومة السراج، واتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين البلدين. وهذا يمكِن تركيا من الاستيلاء على المناطق المخصصة للتنقيب عن النفط والغاز من اليونان وقبرص.
مصر، من جانبها، تعارض بشدة تدخل تركيا فى الفناء الخلفى لها، مما قد يعزز جماعة «الإخوان المسلمين» التى يدعمها أردوغان علنا، وتقوض مصالح مصر فى البحر الأبيض المتوسط.
فى السنوات الأخيرة، حددت روسيا فرصا لتوسيع نفوذها فى الشرق الأوسط، وبعد تعزيز سيطرتها على الحافة السورية للبحر الأبيض المتوسط، ترى ليبيا كقاعدة استراتيجية يمكن أن توفر الوصول إلى حافة أخرى من البحر الأبيض المتوسط، واحتياطيه من الطاقة.
من هنا بدأت المشاركة المتزايدة للاعبين الخارجيين فى النزاع الليبى، منذ بدء حملة حفتر العسكرية لاستعادة طرابلس الغرب فى إبريل 2019. وأخيرا ذكرت تقارير متتالية أنه تم إرسال 2000 من المتمردين السوريين السابقين بتمويل من تركيا إلى ليبيا لمدة ستة أشهر.
من الواضح للجميع أنه مع زيادة مشاركة اللاعبين الخارجيين فى الصراع، فإن الحل يبتعد أكثر. وعندما يصبح الوضع أكثر تعقيدا، فقد يزداد العنف وينتشر إلى الدول المجاورة، وهو ما يشكل تهديدا لأوروبا، من حيث اللاجئين والإرهاب وإمدادات الطاقة.
كان الهدف من مؤتمر برلين إيقاف العملية الخطيرة التى تقوم فيها تركيا بتأسيس حقائق على الأرض، وزيادة نفوذها فى ليبيا، وتحقيق موقع مناسب للضغط على منافستيها، مصر وأوروبا، من حيث ما تراه مناسبا.
إلى جانب المؤتمر الذى عقد فى برلين، يدرس الاتحاد الأوروبى طرقا لدعم وقف إطلاق النار وإنفاذ العقوبات، بما فى ذلك إمكانية تجديد دورياته البحرية على طول الساحل الليبى، أو إرسال قوات حفظ سلام دولية إلى المنطقة.
النزاع فى ليبيا على مفترق طرق. أحد الاحتمالات هو أن تنجح أوروبا فى تنفيذ وقف دائم لإطلاق النار، وإبعاد القوات الأجنبية عن ليبيا، ووقف تدفق الأسلحة إلى البلاد، وإجبار الخصوم على التخلى عن تطلعاتهم العسكرية. الاحتمال الثانى هو استمرار القتال، وستواصل تركيا دعم معسكر السراج، وتوفير الأسلحة والتدريب والمقاتلين من مختلف الجنسيات، الذين اكتسبوا خبرة كبيرة خلال سنوات القتال الطويلة فى سوريا.
فى المعسكر المنافس، سيتم دعم حفتر من الموالين له. وفى مثل هذه الحالة، قد يتصاعد القتال الداخلى فى ليبيا إلى مواجهة أوسع نطاقا. وعلى هذا النحو، تتحمل أوروبا والغرب مسئولية كبيرة.
لقد أثبت مؤتمر برلين أن أوروبا تدرك بالفعل التهديد المتزايد. والسؤال هو: ما الذى سيؤدى إلى تحرك الدول العربية ــ بشكل منفصل أو معا عبر الجامعة العربية ــ لإنهاء الفوضى فى ليبيا؟
الجواب واضح، وإلقاء نظرة خاطفة على عناوين الصحف اليومية يثبت أن الوطن العربى قد تحول إلى حى؛ حيث يفعل كل طرف ما يناسبه، أى بالعامية «حارة كل مين إيدو إلو».