مسئولية الطيب عن «ضرب الزوجات»!
محمد سعد عبدالحفيظ
آخر تحديث:
الإثنين 7 فبراير 2022 - 1:25 ص
بتوقيت القاهرة
لن تكون أزمة «إباحة ضرب الزوجات»، الأزمة الأخيرة التى تُثار حول شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، ذاك الرجل الذى تسعى فرق وتيارت إلى إعادة تفصيله على مقاس أفكارها وتوجهاتها، فعندما يُصدر رأيا يتوافق مع ما يعتقده بعضهم يصبح «البروفيسور التقدمى التنويرى»، وحينما يلتزم بحدود النصوص التى لا يملك تبديلها لا هو ولا غيره، يحوله البعض الآخر إلى «الرجعى المتشدد».
رفعه التقدميون إلى سابع سماء عندما حسم بعض المسائل الفقهية المتعلقة بتهنئة غير المسلمين بأعيادهم وإخراج أموال الزكاة على فقراء المسيحيين، قاطعا بذلك الطريق على المتنطعين المتمسكين بتلابيب فقه إنكار وجود الآخر، وخسف هؤلاء به الأرض عندما قاوم حظر «الطلاق الشفوى» ودعوات «تنقية التراث».
هناك من يرفع الشيخ إلى مرتبة القداسة ويضع أفكاره وآراءه فى مقام أعلى من النقد، وهناك من لم يمل من التطاول عليه ونسف أُسس المؤسسة التى يترأسها، ولكل فريق فيما يرمى أدوات وجمهور يهلل ويكبر.
لا يوجد أحد فوق النقد، «كلٌ يؤخذ من كلامه ويُرد عليه إلا صاحب هذا القبر»، كما أشار الإمام مالك إلى قبر نبينا محمد (ص)، لكننا فى الواقع نُحمل الطيب أكثر مما يحتمل، ونلجأ فى الكثير من الأمور الحياتية التى تنظمها نصوص الدساتير والقوانين المدنية إلى المؤسسة الإسلامية السنية التى مهما تطورت واجتهدت فى تأويل وتفسير واستنباط النصوص محتملة الدلالة للوصول إلى أحكام تناسب الواقع، لا يمكن أن تُبدل أو تغير النصوص صريحة الدلالة قطعية الثبوت.
مسألة «ضرب الزوج لزوجته» التى أثارها الإعلامى عمرو أديب فى برنامجه منذ أيام، وأشار فيه إلى أن شيخ الأزهر أكد «إباحتها وفق شروط»، ومنح مساحة للباحث إسلام البحيرى لمهاجمة الطيب معتبرا أن «كلامه ضد الدستور.. ويخلق دولة الغابة»، كان الشيخ قد حسمها قبل عامين، وقال إنه بالرغم من أن الإسلام إباح للزوج أن يضرب زوجته الناشز، إلا أن ولى الأمر من حقه أن يعدل عن هذا المباح ويقيده.
وشدد الطيب فى برنامجه «حديث شيخ الأزهر»، على أن لولى الأمر أن يُقيد المباح إذا رأى أن هذا المباح فى بعض تطبيقاته يتسبب عليه ضرر، مشيرا إلى أنه لا ضرر أكبر مما تتأذى منه الزوجات الآن، فاللجوء إلى الضرب يسبب أذى نفسيا ينعكس سلبا على الأسرة.
وضرب الطيب أمثلة لتقييد «المُباح»، كرفع سن زواج الفتيات من 16 إلى 18 سنة، مطالبا أن يتم نفس الشيء في قضية الضرب، «لا فقط للزوجة الناشز ولكن بشكل مطلق، إذ إن الضرب الآن إهانة للإنسان وأصبح يسبب له عقدا لا تفارقه حتى يذهب إلى قبره».
إذن رأس المؤسسة الدينية يرى أن مسألة تجريم ضرب الزوج لزوجته، من المسائل التى تخص سلطات الدولة المدنية التى سبق لها فى عصور سابقة أن جرمت الرق، وملك اليمين، وطورت الحدود التعزيرية بما يتناسب مع المتغيرات المجتمعية ويحقق مقاصد العقاب والردع والإصلاح.
نظريا لا تُفرق القوانين فى جرائم الاعتداء على المرأة بين زوج وغريب، لكن المشكلة فى التطبيق، فالأجهزة والسلطات المناط بها إنفاذ القانون عادة ما تتلكأ عندما يطرح عليها مثل تلك الوقائع بدعوى أنها مشاكل أسرية مآلها الحلول داخل إطار العائلة.
فكثيرا ما تذهب الزوجة المعتدى عليها إلى جهات إنفاذ القانون لتشكو زوجها لتفاجأ بأن الجهة الرسمية تَنصُب جلسة صُلح عرفية بحضور الأهل الذين يقنعونها بدروهم بالتنازل عن بلاغها حتى «لا تحبس زوجها وأبو أولادها»، ثم ينتهى الأمر بتطييب خاطر تلك المسكينة وعودتها إلى بيتها مهضومة الحق، مما يشجع الزوج على معاودة ضربها مجددا، فى المرات التالية لا تفكر تلك المرأة فى الرجوع إلى جهات الشكوى الرسمية فالنتيجة معروفة سلفا.
إذا أردنا الحفاظ على حقوق الزوجة وحفظ كرامتها كمواطنة، فعلينا إجبار أجهزة الدولة المناط بها التعامل مع البلاغات الأسرية والتحقيق فيها على التفاعل بجدية مع أى شكوى تصل إليها، حتى لا تيئس صاحبات الحقوق.
أما الزوج الذى وصل به الحال إلى أن يعتدى على زوجته بأى حجة، فلديه الطريق الأسلم والأكرم «الطلاق» وهو حل وإن كان الله يبغضه فإنه يبغض أكثر التعدى على الطرف الأضعف «بدنيا» فى العلاقة الزوجية، وإن لم يبادر الزوج الأرعن الذى يستعرض قوته على قرينته فلها أن «تخلعه»، هذا أكرم لها ولأولادها ولا تخشى فى ذلك نظرة مجتمع أو مسئولية تربية الأولاد، لأن البديل فى حال استمرارها مع الزوج المعتدى قد يكون فقدانها حياتها سواء بالموت ضربا أو بالحياة قهرا وكمدا من الإهانات المتراكمة.