رسالة من رجل جميل

بلال فضل
بلال فضل

آخر تحديث: الإثنين 18 مارس 2013 - 5:22 م بتوقيت القاهرة

لا تتوقف المضحكات المبكيات عن التوالي في مصر، ومنها أننا انتظرنا إحتفاء رسميا ولائقا وواسع النطاق يليق بقيمة فنان الشعب المصري وشاعره الأكبر بيرم التونسي تقوم به كافة أجهزة وزارتي الإعلام والثقافة، فجاء الإحتفال ببيرم من مركز إعداد القادة لقطاع الأعمال، للأسف وبسبب التغطية الإعلامية السيئة علمت بذلك الإحتفال متأخرا من سطور رسالة جاءتني من رجل جميل يعتز به المصريون ويحبونه ويعرفون قدره، هو مدير المركز المهندس يحيى حسين عبد الهادي الذي أتشرف بنشر رسالته كما جاءتني:

 

« الأخ العزيز.. ما يلى ليس عتاباً وإنما محاولةٌ لتخفيف اتهامك فى قولك (لأنها عادتنا ولن نشتريها، لم نحتفل رسمياً بمرور 120 سنة على ميلاد بيرم التونسى). فقد احتفلنا فى الصالون الثقافى لمركز إعداد القادة لإدارة الأعمال بالعجوزة بذكرى هذا المبدع العظيم، فى حلقةٍ من سلسلةٍ أسميناها «قادة الإبداع» .. وهى سلسلةٌ ثريةٌ بقدر ثراء هذا الوطن بمبدعيه وما أكثرهم .. احتفاءً بعناصر قوة مصر الناعمة من قادة الإبداع الراحلين والحاليين ..  نتذكر بهم أن الأصل فى هذا البلد الطيب هو النور لا الظلام، والتحضر لا التخلف، والبهجة لا الحزن.

 

وقد سبق لنا ضمن فعاليات هذه السلسلة أن احتفينا بالفنان الشامل صلاح جاهين على سبيل المثال، ولا زالت الجعبة مزدحمةً بالعديد من المبدعين الراحلين والأحياء فى كافة المجالات الذين نرجو أن يسعفنا الوقت والجهد لتكريمهم مثل: أحمد فؤاد نجم/ الشيخ إمام/ سيد حجاب/ الفريق سعد الدين الشاذلى (أحد كبار مبدعى العسكرية المصرية)/ الأبنودى/ نجيب محفوظ/ ألفريد فرج/ يوسف إدريس/ بهاء طاهر/ فؤاد حداد/ عمار الشريعى/ محمد خان/ أم كلثوم/ عاطف الطيب/ أمل دنقل/ حركة كفاية 2004 (كنموذج للإبداع المصرى فى مقاومة النظام الساقط) .. وآخرين نتحين الفرص لنكرّم أنفسنا بتكريمهم.

 

وهذا الصالون الثقافى جزءٌ من الأنشطة الثقافية المتنوعة التى نجتهد فى ممارستها .. فنحن أيضاً نحتفل بتوقيع الكتب والروايات الجديدة (أقربها بإذن الله «قصة الاقتصاد المصرى» للدكتور/ جلال أمين) .. ونتيح أيضاً من آنٍ لآخر مساحةً مجانيةً للفنانين التشكيليين لعرض أعمالهم. كما أدخلنا مكوناً ثقافياً فى الدورة الطويلة لإعداد القادة الإداريين، إلى جانب ما يتلقونه من محاضراتٍ إداريةٍ، فقد قررنا عليهم هذا العام رواية قنديل أم هاشم للأديب الراحل يحيى حقى فى سابقةٍ لم تحدث على مستوى التدريب الإدارى، وتطوع الدكتور/ علاء الأسوانى بالكشف عن الكنوز المخبوءة تحت سطورها .. عن اقتناعٍ منا بأن القائد لايتعامل مع الآلات والأرقام فقط  وإنما يقود بشراً .. ومن ثمّ يجب أن يتسلح بالإنسانيات والجماليات .. ليس مفترضاً أن يكون القائد شاعراً أو أديباً أو فناناً، وإنما لا بد على الأقل أن يتذوق الشعر والآداب والفنون .. وسنكرر التجربة فى الدورة الجديدة بتوزيع «المرايا» لنجيب محفوظ وفقاً لتوصية الدكتور/ محمد المخزنجى .. وندرس حالياً إضافة تنويعاتٍ أخرى من التذوق الجمالى غير الأدب (كالشعر والفنون التشكيلية) .. فما أحوج مصر لقادةٍ مثقفين.

 

أخى العزيز .. قد يدهشك أن تعرف أن ما نقوم به من جهدٍ متواضعٍ فى احتضان مثل هذه الفعاليات يثير استغراب البعض (واستهجانهم)  باعتبار ما نفعله خروجاً عن الإطار الحكومى الذى يجب ألا نحيد عنه .. وهم لا يدرون أن ما نفعله جزءٌ من نهجٍ انتهجناه منذ عامين عندما استعدنا هذه المؤسسة بعد أعوامٍ من اختطاف أمانة السياسات لها .. إذ إلى جانب نجاحنا فى مهمتنا الرئيسية وهى تقديم الدعم التدريبى والاستشارى فى مجالات الإدارة المختلفة فى مصر والعالم العربى (الحمد لله نحن من المؤسسات القليلة بعد الثورة التى تضيف إلى موارد الدولة رغم الأوضاع الاقتصادية البائسة)، فإننا بالتوازى قد أضفنا محورين جديدين لأنشطتنا وهما الفعاليات العامة والفعاليات الثقافية، وهما بالفعل شيئان غريبان على الأعراف الحكومية .. فأما الفعاليات الثقافية فقد أوضحت جانباً مما نجتهد فيه، وأما الفعاليات العامة فقد بدأنا وتوسعنا فى التعاون مع كافة قوى المجتمع المدنى الوطنية الفاعلة (من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار) ..  وأتحنا إمكاناتنا التنظيمية والإدارية والمادية للجميع، عن فهمٍ بأن التبعية الحكومية للمؤسسة تعنى أنها مِلكٌ للشعب لا للسُلطة .. أى أن حقَّ الدكتور محمد مرسى فى مركز القادة مساوٍ لحقِّ الدكتور البرادعى، وحق حمدين مساوٍ لحق البلتاجى .. ليس مركز القادة فقط وإنما كل المؤسسات الحكومية كالتليفزيون الحكومى والصحف الحكومية .. وهو ما لم يفهمه للأسف السيد/ رئيس ديوان رئيس الجمهورية الذى اعتبر استضافتنا للمؤتمرات الصحفية لجبهة الإنقاذ جزءاً من المؤامرة (!) ضد الدكتور مرسى (مع أننا نستضيف فعالياتٍ للحرية والعدالة وجبهة الضمير فى نفس التوقيت، لكنه الفهم الفاسد لمعنى الملكية الحكومية للأسف !).

 

.. كل ذلك ليس منّاً ولا تفضلاً وإنما عن اقتناعٍ تامٍ بالمسئولية المجتمعية للمركز تجاه الشعب صاحب هذا الكيان ومالكه .. تلك قناعتنا ومصرّون عليها.

 

الأخ العزيز اسمح  لى أن أشكر بلسانك من أسهموا معنا فى احتفالية بيرم: الشاعر/ سيد حجاب الذى ألقى قصيدة بالنيابة عن شعراء مصر تحيةً لأميرهم .. والروائى/ محفوظ عبد الرحمن والدكتور/ هشام عيسى والمستشار/ محمود بيرم الذين تحدثوا عن ملامح من حياة بيرم التونسى .. والفنانين محمود حميدة ومحمود مسعود اللذين قاما بإلقاء وأداء عددٍ من قصائد بيرم .. ثم الفنانين رحاب مطاوع وماجد سرور وزين العابدين محمد الذين قاموا بغناء وعزف عددٍ من كلثوميات بيرم واسكتشاته.

 

رحم الله بيرم ورحم الله مصر. مهندس/ يحيى حسين عبد الهادى».

 

خالص التحية والتقدير للمهندس يحيى ولمركز إعداد القادة ولكل الذين لا زالوا يقاومون قبح التطرف وكآبة شعارات النهضة ونطاعة السمع والطاعة بكل ما أوتوا من خيال وتمرد ومفهومية.  

 

belalfadl@hotmail.com

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved