هل الولايات المتحدة تخسر أوروبا فيما يتعلق بالشرق الأوسط؟
من الفضاء الإلكتروني «مدونات»
آخر تحديث:
الخميس 7 مارس 2019 - 9:15 م
بتوقيت القاهرة
نشرت مدونة «ديوان» الصادرة عن مركز كارنيجى لدراسات الشرق الأوسط تقريرا حول العلاقات الأمريكية الأوروبية وخاصة فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط وخاصة الملف السورى والبرنامج النووى الإيرانى.
وفى هذا السياق قالت «كريستينا كوش» ــ زميلة أولى مقيمة فى صندوق مارشال الألمانى للولايات المتحدة ــ: «نعم، وعلى نحو مطرد. مع أن ثمة «مروحة» واسعة من القضايا التى عكرت صفو العلاقة بين ضفتَى الأطلسى، إلا أن التباين حول ملفات سياسية أساسية متعلقة بالشرق الأوسط هو الذى أدى دورا حاسما فى دق إسفين التباعد بين القادة الأوروبيين من جهة، ونظرائهم الأمريكيين من جهة أخرى. وعلى الرغم من أن المصالح الجوهرية لكلٍ من الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة فى الشرق الأوسط لاتزال متقاطعة، يبدو أن الخلافات بين ضفتى الأطلسى حول إيران وفلسطين، وفى الآونة الأخيرة سورية، أماطت اللثام عن وجود شقاق عميق حول الطريقة المُثلى لتحقيق هذه المصالح.
مر القادة الأوروبيون بثلاث مراحل فى تعاملهم مع الظاهرة الترامبية (من ترامب): النكران، والانتظار، والمعارضة النشطة. فقد دعا وزير الخارجية الألمانى هايكو ماس فى أغسطس الماضى الأوروبيين لأن يكونوا قوة موازنة فى وجه سياسات ترامب غير المسئولة، وأن يتدخلوا «ليشكلوا ثقلا مضادا عندما تتجاوز الولايات المتحدة الخطوط الحمراء». وهذا ما فعلوه ردا على مقاربات «الحب الصارم» التى اتبعها ترامب مع كلٍ من إيران وفلسطين. يعكس المسار المختلف الذى سلكته أوروبا حيال إيران اختلافها مع الولايات المتحدة حول الطريقة الفُضلى لاحتواء نزعة طهران التوسعية العدائية، كما يعكس مقاربة مختلفة جوهريا حيال الدبلوماسية الدولية. كذلك، ستندرج المعارضة الأوروبية الصريحة لانسحاب القوات الأمريكية من سوريا فى إطار المساعى الأوروبية لتشكيل ثقل موازن فى وجه ما يعتبرونه مواقف سياسية نارية لواشنطن فى منطقة الشرق الأوسط المُستعرة أصلا».
وأضاف «فرانسوا دالانسون» ــ مراسل الشئون الخارجية فى صحيفة «لاكروا» فى باريس ــ: «يقف الأوروبيون والأمريكيون على طرفَى نقيض حيال الشرق الأوسط، بيد أن أوروبا لا تقدم بديلا لرسم معالم التنافس الجيوسياسى الذى تشهده المنطقة. فالقارة العجوز مُنقسمة على نفسها سياسيا وتفتقر إلى القوة العسكرية اللازمة للتصرف بشكلٍ فعال من دون دعم أمريكى.
فى الملف السورى، وعَقِب التغيير الجزئى فى موقف الرئيس دونالد ترامب من السحب الكامل للقوات الأمريكية البالغ عديدها 2000 عنصر، باتت فرنسا والمملكة المتحدة، وهما الدولتان الأوروبيتان الوحيدتان اللتان لديهما قوات على الأرض، تناقشان مع الولايات المتحدة شروط انتشارهما فى المنطقة. لكن من غير المرجح أن يعيد هذا التدبير المؤقت والمُرتجل للبيت الأبيض بناء الثقة التى قوضتها مقاربة ترامب الزبائنية النفعية حيال السياسة الخارجية.
أما فيما يتعلق بالملف الإيرانى، فقد طلبت الولايات المتحدة من أوروبا أخيرا الانسحاب من الاتفاق النووى مع طهران وإلغاء الآلية التى وضعتها لتيسير العلاقات التجارية مع إيران ــ والتى كانت الخطوة الأبرز التى اتخذتها أوروبا للحفاظ على الاتفاق النووى ــ ما أربك الحلفاء الأوروبيين. فقد اعتبر رئيس الوزراء السويدى، كارل بيلدت، أنها محاولة ترمى إلى «إيجاد عذر للدخول فى مواجهة مفتوحة مع إيران». يبقى علينا الانتظار لرؤية ما إذا ستنجح أوروبا فى الحيلولة دون الانزلاق نحو حرب جديدة فى المنطقة».
وذكرت «جودى ديمبسى» ــ باحثة أولى غير مقيمة ورئيسة تحرير «أوروبا الاستراتيجية» فى مؤسسة كارنيجى أوروبا ــ: «لم تراهن الولايات المتحدة قط على أن أوروبا يمكن أن تكون لاعبا جديا ومنخرطا فى شئون الشرق الأوسط، لأن الأوروبيين يعتمدون كليا عليها للتعامل مع هذه المنطقة. بيد أن هذا يمكن أن يتغير. انظروا، مثلا، إلى سوريا: فترامب قد يطلب من الأوروبيين توفير الأمن والجنود حالما تنسحب القوات الأمريكية، لكن يتعين بذل ضغوط قوية عليهم كى يقبلوا بمثل هذا الطلب. وبالطبع، سيعنى الرفض المزيد من التوترات فى العلاقات بين ضفتى الأطلسى. دققوا، مثلا أيضا، فى ما قد يلى القمة العربية ــ الأوروبية التى عُقدت فى شرم الشيخ: فلأن الهجرة مسألة سامة جدا فى أوروبا، يندفع الاتحاد الأوروبى إلى جعل الاستقرار فى الشرق الأوسط أولوية له. وهكذا، نُحيت الخطب البلاغية عن القيم، وحكم القانون، وحرية الإعلام جانبا لصالح السياسة الواقعية، تماما كما كان الأمر قبل الربيع العربى. وهكذا أيضا، يدرك قادة المنطقة ــ خاصة الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى ــ أن الأنظمة السلطوية تحظى بدعم بروكسل وواشنطن. وفى إطار هذا السياق، يمكن القول إن الولايات المتحدة لا تخسر أوروبا».
واستطرد جورج فهمى ــ زميل باحث فى برنامج اتجاهات الشرق الأوسط فى مركز روبرت شومان للدراسات المتقدمة، فى معهد الجامعة الأوروبية فى فلورنسا ــ فى هذا السياق: «لا تريد إدارة ترامب مناقشة استراتيجيتها فى الشرق الأوسط مع الدول الأوروبية، بل طلبت عوض ذلك أن تحذو أوروبا حذو القيادة الأمريكية كما كان الحال، على سبيل المثال، مع الاتفاق النووى الإيرانى. بيد أن العديد من الدول الأوروبية ترفض ذلك، لكنها أيضا عاجزة عن طرح استراتيجية خاصة بها. والحال أن صناع القرار الأوروبيين يعتبرون إدارة ترامب مؤقتة واستثنائية، وسرعان ما ستُستبدل بإدارة لها مقاربة مغايرة، الأمر الذى سيسمح لاحقا لأوروبا والولايات المتحدة بلم الشمل مجددا والاتفاق على سياسة مشتركة إزاء المنطقة. وقد عزف نائب الرئيس الأميركى السابق جو بايدن على أوتار المشاعر والرغبات الأوروبية هذه حين قال فى مؤتمر ميونخ: «نحن عائدون». لكن، وحتى ذلك الحين، ستمتنع أوروبا عن اتباع السياسة الأمريكية إزاء المنطقة، لكنها لن تطرح كذلك استراتيجية خاصة بها. ستُفضل أوروبا ببساطة الانتظار».
النص الأصلى: من هنا