تحديات حفظ السلام وتصاعد هجمات الإرهاب فى الصومال
قضايا إفريقية
آخر تحديث:
الجمعة 7 مارس 2025 - 8:05 م
بتوقيت القاهرة
بدأت بعثة الاتحاد الإفريقى لدعم الاستقرار فى الصومال أوصوم AUSSOM) (عملياتها رسميا فى 1 يناير 2025، خلفا لبعثة الاتحاد الإفريقى الانتقالية فى الصومال «أتميس»، التى انتهت ولايتها فى 31 ديسمبر 2024. ويمثل هذا الانتقال تطورا كبيرا فى مقاربة الاتحاد الإفريقى لحفظ السلام فى الصومال؛ مما يعكس التحديات المستمرة والتحولات الاستراتيجية فى المنطقة. وتشمل الأهداف الأساسية لبعثة الاتحاد الإفريقى لدعم الاستقرار فى الصومال مبادرات بناء السلام ومكافحة جماعة الشباب المسلحة، مع إحالة مسئوليات بناء الدولة إلى الشركاء الدوليين والحكومة الفدرالية الصومالية. ويحاول هذا المقال مناقشة السياق التاريخى للبعثات الأممية والإفريقية فى الصومال والتحول الأخير إلى بعثة «أوصوم» والتحديات التى تواجهها.
إن تاريخ حفظ السلام فى الصومال يتسم بسلسلة من التدخلات الدولية المعقدة التى تهدف إلى استعادة الاستقرار فى خضم صراعات وحروب أهلية ممتدة. ويمكن إرجاع جذور هذه الجهود إلى أوائل تسعينيات القرن العشرين، فى أعقاب انهيار نظام الرئيس محمد سياد برى، فى عام 1991؛ الأمر الذى دفع البلاد إلى حرب أهلية طاحنة. وقد بدأت الأمم المتحدة أولى عملياتها لحفظ السلام، وهى عملية «يونوصوم الأولى»، فى عام 1992 لتسهيل المساعدات الإنسانية والتوسط بين الفصائل المتحاربة؛ ومع ذلك، واجهت هذه المهمة تحديات كبيرة؛ مما أدى إلى نشر عملية متابعة أكثر قوة، وهى عملية «يونوصوم الثانية»، فى عام 1993. ولم تهدف هذه العملية إلى تقديم المساعدات الإنسانية فحسب؛ بل سعت أيضا إلى المشاركة فى جهود بناء الدولة.
استجابة لعدم الاستقرار المزمن، أسس الاتحاد الإفريقى بعثة الاتحاد الإفريقى فى الصومال «أميصوم» فى عام 2007. وكانت مهمة «أميصوم» دعم الحكومة الاتحادية الانتقالية ومحاربة حركة الشباب الإرهابية التى اكتسبت نفوذا كبيراا فى المنطقة. وعلى مدى فترة عملها، حققت «أميصوم» العديد من النجاحات البارزة، بما فى ذلك حماية الإدارات المتعاقبة للحكومة الاتحادية الانتقالية وتسهيل انسحاب القوات الإثيوبية من مقديشو؛ مما ساعد على تخفيف الاستياء المحلى ضد القوات الأجنبية. وقد حدث انتقال آخر من بعثة الاتحاد الإفريقى فى الصومال «أميصوم» إلى بعثة الاتحاد الإفريقى الانتقالية فى الصومال «أتميس» فى الأول من إبريل 2022. حيث تم تفويض هذا التحول من قبل مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الإفريقى، وكان الهدف منه دعم الحكومة الفدرالية الصومالية فى تنفيذ خطة الانتقال الصومالية. وقد صُممت بعثة «أتميس» لنقل المسئوليات الأمنية تدريجيا إلى القوات والمؤسسات الصومالية مع الاستمرار فى محاربة حركة الشباب وتعزيز جهود بناء السلام.
• • •
ليس بخافٍ أن بعثة الاتحاد الإفريقى لدعم الاستقرار فى الصومال «أوصوم» تهدف إلى البناء على إنجازات ما سبقها من بعثات من خلال التركيز على تدابير بناء السلام ومحاربة حركة الشباب، مع إحالة جهود بناء الدولة إلى الشركاء الدوليين والحكومة الفدرالية الصومالية. وعلى الرغم من هذه الإنجازات؛ لا تزال التحديات قائمة حيث تواصل حركة الشباب وكذلك تنظيم داعش استغلال الفراغات الأمنية والتنافسات العشائرية داخل الصومال. ويؤكد الصراع المستمر لإتمام مساهمات القوات فى بعثة الاتحاد الإفريقى لدعم الاستقرار على التعقيدات التى ينطوى عليها إرساء السلام الدائم فى منطقة محفوفة بالتوترات التاريخية وعدم الاستقرار.
• تحديات تكوين القوة العسكرية: على الرغم من أن «أوصوم» تسعى للحفاظ على حجم قوة مماثل لسابقتها «أتميس»؛ فإنها تواجه مشكلات متعلقة بتشكيل القوات. وبالفعل شهدت الفترة التى سبقت انطلاق البعثة انسحاب بوروندى من قوة حفظ السلام بسبب خلافات حول تخصيص القوات؛ إذ طالبت بوروندى بألفى جندى لضمان سلامة عملياتها، لكن الصومال خصصت لها ألف جندى فقط. ولا شك أن انسحاب بوروندى يترك فجوة فى تكوين القوات، حيث لم يتم الإعلان عن بدائل لهذه المساهمة؛ مما أضاف حالة من عدم اليقين بشأن جاهزية البعثة وقدرتها على تحقيق أهدافها الأمنية.
• المساهمة الإثيوبية ومخاوف الصراع الإقليمى: فى يناير 2025، أعلنت إثيوبيا نيتها استمرار قواتها فى دعم «أوصوم»، بعد جهود وساطة تركية عبر إعلان أنقرة. ورغم الترحيب بهذا القرار؛ فإن مشاركة إثيوبيا قد تثير مخاوف فى الصومال؛ نظرا للتوترات السابقة بين البلدين بشأن اتفاقية ميناء مع صوماليلاند. ومع ذلك ففى أعقاب زيارة الرئيس شيخ محمود إلى أديس أبابا، أعلنت الصومال أن العقبات التى تحول دون مشاركة إثيوبيا فى بعثة الاتحاد الإفريقى لدعم الاستقرار قد تم حلها.
• تصاعد تهديد حركة الشباب: فى الوقت الذى تعانى فيه «أوصوم» من تحديات تشغيلية ودبلوماسية، تسعى حركة الشباب إلى استغلال هذه الفجوات الأمنية. فوفقا لتقارير أمريكية، استعادت الحركة مساحات واسعة من الأراضى التى فقدتها سابقا. أضف إلى ذلك قيام حركة الشباب باستخدام أساليب غير تقليدية حيث تُظهر قدرة على شن هجمات معقدة تشمل التفجيرات الانتحارية والهجمات على قواعد عسكرية ومرافق حكومية. ومن ناحية أخرى تحاول الحركة التوسع فى المناطق الريفية النائية التى تفتقر إلى وجود أمنى فعال.
4. التوترات العشائرية وغياب الاستقرار الداخلى: تُعد التوترات العشائرية فى الصومال من أبرز التحديات التى تعوق جهود بناء السلام والاستقرار فى البلاد. حيث تؤدى النزاعات القبلية المستمرة إلى تعقيد العمليات الرامية إلى تشكيل جبهة موحدة ضد الجماعات المتطرفة، مثل حركة الشباب. هذه النزاعات غالبا ما تكون نتيجة للصراع على الموارد المحدودة، مثل المياه والأراضى. كما أن حركة الشباب تستفيد من هذه النزاعات عبر تأجيج الخلافات القديمة بين العشائر؛ مما يؤدى إلى تفكيك الجهود الرامية إلى محاربة الحركة.
• • •
فى 31 ديسمبر 2024، نفذ تنظيم داعش فى الصومال أعقد هجوم له فى البلاد حتى الآن، مستهدفا قواعد قوات الأمن فى منطقة بارى فى بونتلاند. باستخدام مزيج من الأجهزة المتفجرة المحمولة على مركبات انتحارية والسترات الانتحارية، كان الهجوم بمثابة تصعيد كبير فى القدرات العملياتية لتنظيم الدولة الإسلامية فى الصومال. وتقع القواعد المستهدفة على بعد نحو 60 كيلومترا جنوب مناطق دعم تنظيم الدولة الإسلامية فى جبال كال ميسكاد، وهى منطقة معروفة بتضاريسها الوعرة ومعقل المجموعة. ولا تمثل هذه العملية أول هجوم انتحارى يشنه داعش فى الصومال منذ أوائل عام 2023 فحسب؛ بل إنها أيضا الهجوم الأكثر تطورا الذى تشنه الجماعة منذ حصار عاصمة ميناء بونتلاند الإقليمية، بوصاصو، فى عام 2017.
ولعل تدفق المقاتلين الأجانب إلى الصومال على مدى السنوات الأخيرة عزز القدرات العملياتية لداعش؛ مما مكنها من تنفيذ مثل هذا الهجوم المعقد. وتشير الأدلة إلى أن المسلحين الأجانب من دول مختلفة شاركوا فى هذه العملية؛ مما يسلط الضوء على التركيبة الدولية المتزايدة لداعش. تاريخيا، أدى المقاتلون الأجانب أدوارا حاسمة فى تعزيز الفعالية العملياتية للجماعات السلفية الجهادية، وأسهموا بالخبرة والموارد التى تسهل الهجمات الأكثر تعقيدا.
ومن الجدير بالذكر القول إن داعش تحصل عائدات كبيرة من خلال الابتزاز والضرائب غير القانونية، والاستفادة من المناطق الجبلية غير الخاضعة للحكم فى شمال الصومال للعمل كمراكز لوجستية. إن هذا التمويل لا يدعم العمليات المحلية فحسب؛ بل يمتد أيضا إلى فروع داعش على مستوى العالم، بما فى ذلك تلك الموجودة فى أفغانستان واليمن. كما أن الموارد المالية الموجهة إلى ولاية خراسان التابعة لداعش فى أفغانستان مثيرة للقلق بشكل خاص بسبب تورطها فى مؤامرات هجومية خارجية ضد أهداف غربية.
ختاما، فإن بعثة «أوصوم» تمثل لحظة فارقة فى جهود تحقيق الاستقرار فى الصومال، لكنها تواجه تحديات متعددة على المستويين الداخلى والإقليمى. ولعل النجاح فى مهمتها يتطلب هذه المرة تجنب متلازمة البدايات الخاطئة فى إفريقيا والاستفادة من دروس بعثات حفظ السلام السابقة. إن معالجة دقيقة للتعقيدات التشغيلية والسياسية، مع ضمان التعاون الفعّال بين الدول المساهمة والحكومة الصومالية، قد تكون كفيلة بتحقيق هذا الهدف. ومن دون ذلك، قد تستمر الفجوات الأمنية والسياسية فى تغذية تصاعد التهديدات؛ مما يؤثر فى مستقبل الأمن والاستقرار بالصومال. وفى هذه الحالة تصبح الصومال بؤرة لانطلاق التنظيمات الجهادية العنيفة وعلى رأسها القاعدة وداعش.
حمدى عبدالرحمن
مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة