مصيدة الدولارات الصينية
بول كروجمان
آخر تحديث:
الثلاثاء 7 أبريل 2009 - 8:11 م
بتوقيت القاهرة
فى المراحل المبكرة من الأزمة المالية، قال البعض ساخرا إنه اتضح أن تجارتنا مع الصين عادلة ومتوازنة على أى الأحوال: فقد باعوا لنا لعب أطفال مسممة ومأكولات بحرية ملوثة، وبعنا لهم أوراق مالية خادعة.
ولكن كل من جانبى الصفقة انهار هذه الأيام. فمن ناحية، ضعفت بشدة شهية العالم للسلع الصينية. وانخفضت الصادرات الصينية فى الشهور الأخيرة حتى صارت الآن أقل بنسبة 26% من العام الماضى.
ومن الجانب الآخر، أصبح الصينيون متوجسين من تلك الأوراق المالية، ولكن يبدو أن الصين ما زالت لديها توقعات غير واقعية. وهذه مشكلة بالنسبة لنا.
وكان الخبر المهم الأسبوع الماضى فى خطاب جو شياوتشوان، محافظ البنك المركزى الصينى الذى دعا إلى «عملة مختلفة للاحتياطات الدولية».
وحذر على الفور أعضاء فى الحزب الجمهورى من مؤامرة غادرة تهدف إلى أن تتخلى أمريكا عن الدولار، ولكن كان خطاب جو فى الحقيقة اعترافا بالضعف، وفى الواقع كان يقول إن الصين دفعت نفسها إلى مصيدة الدولار، وأنها لا تستطيع الخروج منها أو تغيير سياساتها، التى أوقعتها أساسا فى هذه المصيدة.
إليكم هذه الخلفية: فى أوائل هذا العقد، بدأت الصين فى تحقيق فوائض تجارية كبيرة، وبدأت فى جذب تدفقات رأس المال الأجنبى أيضا. ولو أن الصين قد عومت سعر الصرف ــ مثل كندا على سبيل المثال ــ فقد كان ذلك سيؤدى إلى ارتفاع قيمة عملتها، مما سيتسبب بدوره فى إبطاء نمو صادراتها.
ولكن الصين فضلت عوضا عن ذلك أن تحتفظ بقيمة اليوان ثابتة فى مقابل الدولار سواء زادت قيمته أم قلت. ولكى تفعل ذلك، كان عليها أن تشترى دولارات أثناء تدفقها بكميات كبيرة.
وكلما مرت السنوات، واصلت الفوائض التجارية نموها ــ ومن هنا كان تخزين الصين للأصول الأجنبية.
والآن ليست المزحة بشأن الأوراق المالية الخادعة عادلة. وبصرف النظر عن المضاربة غير المدروسة فى الأسهم (فى ذروة السوق تحديدا) فى الفترة الأخيرة، فقد استثمر الصينيون بشكل أساسى فى أصول آمنة جدا، تمثلت فى أذون الخزانة الأمريكية قصيرة الأجل، حيث شكلت قسما كبيرا من إجمالى ما لديهم. ولكن بينما تعتبر أذون الخزانة آمنة فيما يتعلق بالتخلف عن الدفع مثلها، إلا أنها تدر معدل عائد منخفض جدا.
فهل هناك استراتيجية عميقة وراء هذا التراكم الكبير للأصول منخفضة العائد؟ على الأرجح لا توجد مثل هذه الاستراتيجية. فقد حصلت الصين على رصيدها الذى يعادل 2 تريليون دولار أمريكى ــ وهو ما حول الجمهورية الشعبية إلى جمهورية أذون الخزانة. وحصلت بريطانيا على نفس النحو على إمبراطوريتها: فى غفلة من العقل.
ويبدو أن قادة الصين استيقظوا قبل بضعة أيام، ولاحظوا أن لديهم مشكلة.
ولا يبدو أن العائد المنخفض يقلقهم كثيرا حتى الآن. ولكنهم قلقون بصورة واضحة من حقيقة أن حوالى 70% من هذه الأصول بالدولار، ولهذا فأى هبوط للدولار فى المستقبل سوف يعنى خسارة كبير فى رأس مال الصين؟
ومن هنا جاء اقتراح جو بالانتقال إلى احتياطى العملات الجديد مسايرا لخط حقوق السحب الخاصة، التى يمسك بها صندوق النقد الدولى حساباته.
ولكن يوجد هنا ما هو أكبر وأقل من أن تراه العين. فحقوق السحب الخاصة ليست نقودا حقيقية إنها وحدات محاسبية تتحدد قيمتها من خلال سلة الدولارات واليورو والين اليابانى والجنيه الاسترلينى.
وليس هناك ما يمنع الصين من تنويع احتياطاتها بعيدا عن الدولار، بل من الاحتفاظ بسلة احتياطى تماثل تكوين حقوق السحب الخاصة. لا شىء سوى أن الصين تمتلك الآن دولارات أكثر من اللازم، ولذلك لا تستطيع أن تبيعها دون أن تدفع الدولار إلى الانخفاض مما يحدث الخسارة فى رأس المال، التى يخشاها قادتهم بالتحديد.
ولهذا يفهم اقتراح جو بالفعل على أنه ذريعة لإنقاذ الصين من النتائج المترتبة على أخطاء استثماراتها.
وتوحى المناداة بحل سحرى ما لمشكلة إفراط الصين فى حيازة الدولار بشىء آخر أيضا، وهو أن قادة الصين لم يدركوا بعد أن قواعد اللعبة قد تغيرت بصورة أساسية.
لقد عشنا قبل عامين فى عالم يمكن للصين فيه أن تدخر أكثر بكثير مما تستثمر، وتضع المدخرات الزائدة فى أمريكا. ولكن هذا العالم لم يعد قائما.
والآن بعد اليوم الذى أعقب الخطاب الذى تحدث فيه عن احتياطى العملات الجديد، ألقى جو خطابا آخرا بدا أنه يؤكد أن معدل الادخار المرتفع للغاية فى الصين أمر غير قابل للتراجع، وفقا للكونفوشية، التى تقدر «محاربة البذخ».
وفى الوقت نفسه، فإن «الوقت غير مناسب» لأن تزيد الولايات المتحدة ادخارها.
وهذا أيضا ما لن يحدث.
خلاصة القول هى إن الصين لم تواجه حتى الآن التغيرات العنيفة، التى سوف يحتاج إليها التعامل مع هذه الأزمة العالمية. ويمكن قول الشىء نفسه بالطبع عن اليابانيين والأوروبيين ــ وعنا.
وبصرف النظر عن بصيص من الأخبار الطيبة، حيث أنجز اجتماع قمة مجموعة العشرين أكثر مما ظننت أنه سينجزه فإن هذا الفشل فى مواجهة الحقائق يعتبر السبب الرئيسى فى أن هذه الأزمة ربما تستغرق أعواما.
© 2009 New York Times News Service