حدث فى عربة السيدات

غادة عبد العال
غادة عبد العال

آخر تحديث: الخميس 7 أبريل 2011 - 9:45 ص بتوقيت القاهرة

 فى يوم ربيعى هادئ وفى ساعة عصارى تدعو للخمول والوخم وقفنا فى انتظار المترو فى محطة شبرا الخيمة، البعض أنهى لتوه يوم عمل مرهق والبعض الآخر مازال يسعى لاستكمال يوم عمل أطول بينما غاية أمل النسبة الأكبر من الواقفين هى العودة للمنزل والانهيار على أقرب سرير. توقف المترو فركب الجميع، وتوجهت أنا وزميلاتى فى الكفاح لنركب الاختراع العبقرى المسمى بـ«عربة السيدات» حامى حما سيدات وبنات مصر وخط الدفاع الأخير فى مواجهة المتحرشين فى الأرض، نقعد فى حالنا بأه ونروح واحنا مرتاحين البال؟.. أبدا! قاعدين فى أمان الله فى انتظار غلق الأبواب وإذا باتنين شحوطه بيدخلوا العربية ويبصولنا بتحدى، اتجه بصرى للعسكرى الواقف أمام الباب فلمحته واقف بيبصلهم لمدة كام ثانية، بيوازن بين قرارين: يطنش ويسكت والا يتكلم وينضرب؟، أداءً لدورى الوطنى كمواطنة بتحب النظام وكأنثى تحافظ على البقية الباقية من كرامتها عليت صوتى فى اعتراض: «دى عربية السيدات يا جماعة»، تشجع العسكرى وقرب من الباب: «لو سمحتوا يا كباتن دى عربية الستات».. تقدم الطويل فيهم ووقف باستفزاز فى وش العسكرى «آه عارفين.. إيه المطلوب يعنى؟» ووراه صديقه القصير: «أهلا يا عم العسكرى.. لك شوق فى حاجة»، العسكرى رجع خطوتين لورا ببطء وهو باصصلهم وبيتنهد، وجرس الأبواب بدأ يضرب استعدادا لغلق الأبواب.


هوووب وواحدة ست طويلة ومخمرة كانت قاعدة جنب الباب، قامت واقفة وطاخ، زقت الاتنين المتطفلين بره العربية كانوا هيتقلبوا على وشوشهم، الأبواب اتقفلت والضحيتين واقفين باصين للست ووفاتحين بقهم من الصدمه، واتحرك المترو والست بتشاور للعسكرى اللى مبرق هو كمان: «معلش يا دفعه.. خليها عليا المره دى»، كل سيدات وبنات العربية بصوا ثوانى لبعض وليها وفجأة غرقنا كلنا فى موجة من الضحك الهستيرى أسالت دموع البعض، وكاد البعض الآخر أن يختنق من كتر الضحك. نمسك الحكاية بأه وزى ما اتعلمنا فى حصص القراءة نطلع منها بالدروس المستفادة، كل مجموعة هتبص للجزئية اللى هتلاقيلها فى نفسها صدى، الرجالة مثلا هيقولوا «دا احنا قلنا سوزان مبارك مشت وهتتهدوا شوية.. بأه واحدة ست تعمل كده فى إتنين رجالة؟.. يمهل ولا يهمل».


بعض الليبراليين بالتأكيد هيتوقفوا عند ارتداء الست للخمار ويلاقوها فرصة ويقولوا «أهو.. زى ما قلنالكم أهو.. آدى إثبات بالدليل القاطع إن الإسلاميين بيعتنقوا طريق العنف لإزاحة المختلفين معاهم من الطريق».. حاملو ميراث الكراهية العميقة ــ المبررة ــ للشرطة هيلاقوها فرصة يتشفوا فى العسكرى اللى أصلا بيعانى من سوء التغذية وفقر الدم وهيقولوا «لأ راااجل يا عم العسكرى.. أمال بس بيتشطروا علينا احنا؟.. أسد علينا وفى الحروب نعامة»، بينما سيغفل الجميع فى الغالب التعليق على البجاحة اللى كان بيتكلم بيها المتطفلين واللى بدأت تنتشر فى البلد ويجب أن يتم الانتباه ليها.

بعد انطلاق ثورة 25 يناير تابعت مقالات كتير تصف تغير المصريين تغير كلى وتتمادى فى الوصف والمدح أحيانا حتى يكاد القارئ أن يصدق أن كل مصرى لا ينقصه إلا جناحين ويبقى ملاك، ونسى الجميع أو تناسوا إن صوابعك مش زى بعضيها، وإن عدم وجود رقابة هو أوسع باب تدخل منه الفوضى وعدم الاستقرار، رغم عدم تفضيلى لأسلوب أخد الحق بالدراع لكنى فعلا احترمت سيدة المترو، لأنها شافت وضع غلط وحاولت تغييره بينما كلنا بما فينا العسكرى وقفنا متفرجين.

يا ريت كلنا ندرك فعلا إن مصر رغم التغيير العظيم اللى حصل لها لسه ما بقتش يوتوبيا، وإن كل فرد فينا عليه مسئولية إنه يقف فى وش الفساد ويواجهه ولو بشكل شخصى ويحاول يغيره ولو حتى عن طريق إرشاد الجهات الرقابية المسئولة اللى أكيد فى ظروف زى دى مليانة بالتخبط والاضطراب محتاجة لمساعدتنا. لازم تنتهى «الأنامالية» على المستوى الاجتماعى زى ما انتهت على المستوى السياسى، لازم الكل ينتبه ويبدأ من دلوقتى يبقى له دور فى حماية مستقبل البلد، ما نستناش لما الفساد يرجع تانى يبقى للركب ونقعد 30 سنة كمان نستنى ثورة جديدة تحمينا من الفساد والفاسدين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved