فى مسألة قبول ترشح غير المقيد بالجداول الانتخابية لانتخابات رئاسة الجمهورية
محمد عماد النجار
آخر تحديث:
الأحد 8 أبريل 2012 - 9:11 ص
بتوقيت القاهرة
ثار فى الآونة الأخيرة اللغط حول مدى جواز ترشح غير المقيدين بالجداول الانتخابية فى الانتخابات الرئاسية، فزعم فريق أن من لم يكن مقيدا فى هذه الجداول ليس له الترشح فى الانتخابات الرئاسية. والحقيقة أن الجداول الانتخابية يتم غلقها بموجب أحكام القانون قبل فتح باب الترشيح فى أى انتخابات كسياسة تشريعية تقصد إلى ضبط هذه الجداول.
تمكين الجهة المشرفة على العملية الانتخابية من اعداد اللجان الانتخابية وفقا لأعداد الناخبين، وتدبير الأشخاص القائمين عليها، والأدوات اللازمة لإدارة هذه العملية، ولأجل ذلك فقد نصت المادة الخامسة من قانون مباشرة الحقوق السياسية على أن «تنشأ قاعدة بيانات للناخبين تقيد فيها تلقائيا من واقع بيانات الرقم القومى الثابتة بقاعدة بيانات مصلحة الأحوال المدنية بوزارة الداخلية أسماء من تتوافر فيهم شروط الناخب ولم يلحق بهم أى مانع من موانع مباشرة الحقوق السياسية على مدار العام وذلك فى المكان وبالكيفية التى تبينها اللائحة التنفيذية». كما نصت المادة العاشرة من القانون ذاته على أن «لا يجوز إدخال أى تعديل على قاعدة بيانات الناخبين بعد دعوة الناخبين إلى الانتخاب أو الاستفتاء». وكما هو ظاهر فإن هذا الحكم يتعلق بقاعدة الناخبين، وليس بالمرشحين.
●●●
فإذا انتقلنا إلى النصوص المنظمة للترشح إلى رئاسة الجمهورية، فإننا نجد الإعلان الدستورى قد نص فى المادة 26 منه على شروط من ينتخب رئيسا للجمهورية، وكان من بينها «أن يكون متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية»، فلم يشترط الاعلان الدستورى القيد فى جداول الناخبين، لأنه شرط غير ضرورى لصحة انتخابه بالضرورة طالما كان متمتعا بحقوقه السياسية، ولهذا لم يكن هذا البعد ببعيد عن قانون انتخابات الرئاسة الصادر بالقانون رقم 174 لسنة 2005، إذ نصت المادة 1 منه على أن «ينتخب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع السرى العام المباشر من الناخبين المقيدة أسماؤهم فى جداول الانتخاب. وعلى كل ناخب أن يباشر بنفسه هذا الحق». وهكذا، فإن اشتراط القيد فى الجداول الانتخابية هنا يقتصر على الناخبين دون المرشحين، وذلك تطبيقا للقواعد العامة.
ويتبين من هذه النصوص أن المشرع لم يشترط فى رئيس الجمهورية أن يكون مقيدا فى جدول الانتخاب لحظة فتح باب الترشيح، وإنما اشترط ذلك فى الناخب فقط، وقد كان ذلك واضحا فى الإعلان الدستورى الذى اكتفى بشرط آخر خلاف ذلك هو (أن يكون متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية) والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية قوامه توافر هذا الحق بشرائطه الموضوعية لحظة التقدم للترشيح، ولو كان غير مقيد بجداول الانتخاب لحظة فتح باب الترشيح، إذ العبرة فى قبول طلب الترشح هى بتحقق الشروط وقت تقديم الطلب خلال مدة فتح باب الترشيح، وهو الأمر الذى يتسع لاستجماع هذه الشرائط بعد فتح باب الترشيح طالما أنها تحققت أثناء الأجل المقرر لذلك.
●●●
ولا سبيل لقياس شروط ترشح رئيس الجمهورية على شروط انتخاب رئيس الجمهورية، ذلك للاعتبارات الاتية:
1ــ أن النص الدستورى المنظم لشروط ترشح رئيس الجمهورية صريح فى المخالفة عن نظيره المنظم لقانون مباشرة الحقوق السياسية والمتعلق بالانتخاب، إذ اكتفى الأول بالتمتع بالحقوق المدنية والسياسية حال اشتراط الأخير القيد فى قاعدة البيانات قبل دعوة الناخبين للانتخاب، وهذه المغايرة فى الشروط ترتب تغاير الاحكام.
2 ــ أن المغايرة فى الشروط والأحكام بين شروط الترشح لرئاسة الجمهورية، وشروط مباشرة الحق فى الانتخاب مبررة بالنظر لاختلاف الغاية التشريعية التى تركن وراء كل حالة منهما، فمناط اشتراط القيد فى قاعدة البيانات قبل فتح باب الترشيح ضبط قاعدة البيانات على نحو يمكن من اعداد كشوف الناخبين، وهى مسألة تنظيمية تهدف إلى تنظيم مباشرة هذا الحق بموجب قيد تبرره حكمة اعداد هذه الكشوف وضبطها، واعداد اللجان الانتخابية على هديها، أما الاكتفاء فى شروط الترشح لمنصب رئيس الجمهورية بمجرد التمتع ــ بما يعنى وقت التقدم بالأوراق خلال الأجل المحدد لذلك ــ دون الارتباط بهذا التاريخ الذى أملاه الحكم التنظيمى الخاص بمباشرة حق الانتخاب، فمرده أن انعقاد شروط التمتع لحظة تقديم الطلب يرتب الحق فى الترشح دونما حاجة إلى ربط هذا الحكم بحكم الانتخاب لاختلاف العلة بين كليهما.
3 ــ أن الحقوق الدستورية لا يجوز حظرها إلا بنص صريح، فإذا كان حقا الانتخاب والترشيح هما حقان دستوريان أصيلان، وكان المشرع لم يحظر الحق فى الترشح على من لم يكن اسمه مقيدا فى القاعدة الانتخابية بعد دعوة الناخبين إلى الانتخاب وفتح باب الترشيح لوظيفة رئيس الجمهورية، فقد دل ذلك يقينا على انفتاح هذا الحق أمام كل من توفرت فيه الشروط حتى قفل باب الترشيح، إذ بانعقاد هذه الشروط فى حق أى مرشح لحظة التقدم بالطلب قبل قفل باب الترشح يثبت الحق الدستورى له فى ذلك، ويكون ما ورد بالنص متعلقا بمباشرة الحق فى الانتخاب ــ بشأن اشتراط القيد فى الجداول الانتخابية قبل فتح الباب ــ من قبيل الأحكام التنظيمية الخاصة التى لا يجوز القياس عليها أو التوسع فى تفسيرها، الأمر الذى يمتنع معه مع غياب صريح النص القياس على هذا الاستثناء، وإلا عد ذلك اجتهادا فى مواجهة النص الدستورى.
●●●
والخلاصة، فإن عدم القيد فى جداول الناخبين يحول دون مباشرة الحق فى الانتخاب، ولكن لا يحول دون مباشرة الحق فى الترشح لمنصب رئيس الجمهورية.