اسمى فرح..


رضوى أسامة

آخر تحديث: الأحد 7 أبريل 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

فرحت عندما أخبرتنى صديقتى باسم مولودتها الأولى، وسعدت بشكل خاص عندما أخبرتنى أنها وزوجها سمياها فرح لأنهما يتوسمان فيها صنع الفرح، ولأنها أضفت الفرح على حياتهما.

 

الفتاة التى لم تبلغ بعد عامها الأول تبتسم طوال الوقت وتهلل بأصوات مرحة وتضفى علينا جميعا قدرا من السعادة.

 

سألت أمها عما ستحكيه لها عندما تكبر وتسأل عن معنى اسمها، أخبرتنى بأنها قبل أن تسأل ستحكى لها عن معنى الفرح وتعلمها كيف تحقق نبوءة اسمها.

 

تذكرت أننى الأخرى عرفت معنى اسمى مبكرا وفهمت أنه على اسم جبل «رضوى»، وكما تقول الأسطورة إن المهدى المنتظر يختبئ بداخله، وهو سيخرج يوما لينشر العدل والسلام، وإن الجبل به أنهار مصفاة من المياه والعسل. عندما عرفت معنى اسمى أدركت أننى مختلفة عن الجميع، فهم لا يمتلكون مثل هذه الصفات، وشعرت بأننى مسئولة بشكل أو بآخر عن هذا المجتمع.

 

لا أقصد أن الطفل عندما يولد يكتسب بعضا من صفات اسمه، لست أروج لهذه الأسطورة القديمة، لكنى أعى جيدا أن الطفل عندما يتعلم صفات اسمه، ويشعر بأنها تضفى معانى خاصة تشعره بالتميز، فيمنحه هذا دافعا لتحقيق تلك المعانى.

 

عندما سمى أصدقاء لى ابنهم «نادر»، وظلوا يحكوا لى كيف سيصبح هذا الطفل نادرا ومميزا ويربونه بهذا الشكل تكون لدى إيمان قوى بأن هذا الطفل سيصبح فعلا كذلك.

 

لا تطلقوا على أبنائكم مجرد أسماء بلا معانى، لدينا مئات الأسماء المميزة الدالة على سمات جميلة، علموها لأبنائكم ليدركوا قيما جديدة يتبنونها بشكل شخصى.

 

الطفل يكتسب صورته عن ذاته من محيطه الأول، يصدق بشكل تام الكبار عندما يصفونه بصفات ربما تلازمه العمر كله، وللأسف معظم هذه الصفات سلبية، لأننا نربى طوال الوقت بشكل سلبى.

 

لدينا معتقدات حول أنه كلما عنفتك أكثر يدفعك ذلك لإصدار سلوك حميد لتتحدى حكمى عليك.

 

أتذكر مشاركة أحد المدمنين المتعافيين وهو يحكى لى عن طفولته وأنه أدمن وسار فى طريقه السىء ليحقق نبوءة والديه بأنه فاسد ولا رجاء منه. هكذا علموه منذ الصغر، فكلما أصدر سلوكا سيئا يذكرونه بنبوءتهم حوله، وهو أيضا تعب من تحدى توقعاتهم فانساق لها وشعر أن الأمر يساوى بعضه فى النهاية.

 

مجرد مناقشتك لمعنى اسمه وتعليمه منذ الصغر معانيه سيساعد فى تكوين أولى صورة عن ذاته.

 

وصورة الذات الإيجابية تعد من أهم عوامل الحماية التى تساعد هذا الطفل فى العيش بشكل صحى ومتوازن، وتساعده فى عدم الشعور بالتحدى مع ذاته. لو فكرنا قليلا وراجعنا طفولتنا لوجدنا العديد من التحديات التى أعاقتنا كثيرا حتى نتجاوزها ونكمل إنجاز ما نخططه لحياتنا.

 

«أنت لا تفهمين بالقدر الكافى» و«قدراتك محدودة» عبارتان راسختان فى ذهنى منذ الطفولة، كثيرا ما قاومتهما فى الكبر وصدقتهما ورثيت لحالى فى الصغر، وتمنيت واقعا مختلفا لبنت تفهم كل الأشياء بسهولة عادية.

 

عالم الأطفال ملىء بالتحديات وليس كما نتخيله عالم بلا تحديات، لكننا خلال تربيتنا لهم نضع أمامهم تحديات إضافية تعوقهم وتشعرهم بالهم.

 

طوال الوقت لدى حلم بمشروع لتعليم الأطفال صورة إيجابية عن ذاتهم، فعلى الرغم من أننى أعرف أن مقالاتى موجهة بشكل أساسى للأهالى فإننى كثيرا ما أصاب بالإحباط من عدم التغيير فى سياسة التربية التى يتبعونها ويطبقون من خلالها الأخطاء نفسها التى تربوا هم عليها.

 

أشعر بالمزيد من الأمل فى تغيير الأطفال والمراهقين بمجرد العمل المباشر معهم، وأشعر أن الأمل الحقيقى سيأتى من الكتابة والعمل المستمر معهم، لكن هناك ضرورة ملحة أيضا لحدوث تغيير حقيقى وصحوة للأهالى، فهم يكونون بيئة حماية لهؤلاء الأطفال.

 

كلما تأملت الفوضى التى نعيشها فى البلد هذه الأيام، وراقبت سلوكيات الأفراد فى الشارع والتى تتميز بالهمجية، شعرت بالقلق على الجيل القادم، كيف سيربى هؤلاء الأفراد أبناءهم.. وما القيم التى سيزرعونها فيهم؟

 

كلما تعاملت مع المراهقين فى العشوائيات والمناطق الفقيرة، وحكوا عن معاناتهم مع آبائهم، ورأيت بشكل واقعى كيف يدمرون صور أبنائهم عن ذاتهم شعرت بالخطر على البلد: كيف ستحتمل كل هذه السلبيات والشخصيات المليئة بالمرض والتحدى؟

 

كم شخصا فى هذا الوطن قرر أن يربى طفله بشكل مختلف بدءا من معنى اسمه الذى سيزرع داخله بدايات صورته عن ذاته؟ الطريق أمامنا طويل، والثورات تمهد الطرق للتغيير ليس إلا.. فالتغيير لا ينبع إلا من قرار فردى يصدر من داخل كل منا ليصبح شخصا مختلفا.

 

رضوى أسامة (باحثة نفسية)

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved