انتصار الثورة المضادة اقتصاديا
صفوت قابل
آخر تحديث:
الخميس 7 أبريل 2016 - 8:45 ص
بتوقيت القاهرة
مع ثورة يناير، استيقظ الأمل فى نفوس المصريين بتغيير الحال إلى الأفضل، ويمكن القول إن الاقتصاد كان هو المحرك الأساسى للثورة بعد تزايد الفقر والبطالة وسيطرة الأغنياء على السلطة والثروة، وكان الأمل فى القضاء على السياسات الاقتصادية التى أدت إلى تهميش الأغلبية، وأن نتحول إلى اقتصاد منتج، وبدأنا نسمع ممن تولوا الحكم عن شعارات وأهداف يسعون إلى تحقيقها، ولكن وبعد خمس سنوات على الثورة وفى ظل الأزمة الاقتصادية التى تطحن الأغلبية وفى ظل عشوائية القرارات الاقتصادية، كاد الأمل فى التغيير أن يتلاشى، ولكن المشكلة ليست فى عدم تحسن الأحوال، بل فى إن من يديرون البلاد يعيدون تسليم الاقتصاد إلى من ثار عليهم الشعب، وفى ظل سيطرة فكر المؤامرة، نسأل هل هو مخطط مرسوم لزيادة المشكلات لكى يقارنوا حالنا الآن وأيام لصوص مبارك، لكى يهيئوا الشعب للعودة صاغرين إلى حظيرتهم، أم هى عدم الخبرة التى تجعلهم يستعينون بالقوى المضادة للثورة.
ومن البديهيات أن الثورة على نظام قائم تعنى القضاء على سياساته ورجاله وفتح المجال أمام محاسبة من استغل نفوذه للإثراء غير القانونى، وعند دراسة ما تعرض له الاقتصاد طوال هذه السنوات الخمس، نجد أن الثورة لم تغير من طبيعة هيكل وسياسات الاقتصاد، وهو ما يجعلنا نقول إن قوى الثورة المضادة قد استطاعت أن تكمن قليلا أمام هوجة الثورة وتستخدم ما فى جعبتها من موارد ونفوذ، لكى تضع العراقيل أمام التغيير ثم تعمل على استرجاع نفوذها وتخرج للعلن، لتكيل الاتهامات للثورة التى جعلت الحياة أسوأ عما كانت عليه قبلها، ويتبارى المعادون للثورة فى مقارنة الأحوال الآن بما كانت عليه قبل الثورة وكيف تدهور مستوى المعيشة ليصلوا إلى أن الثورة السبب وليس ميراث الفساد طوال ثلاثين عاما.
ويمكن أن نرصد بعضا من مظاهر انتصار الثورة المضادة فى مجال الاقتصاد فيما يلى:
أولا: استرجاع السياسات القديمة:
بدلا من التخلى عن السياسات التى أدت إلى زيادة الفساد وعدم العدالة الاجتماعية والاعتماد على الاقتصاد الريعى وتراجع الإنتاج أمام سطوة ومكسب الاستيراد، نجد أن الحكومة تعمل على استمرار والعودة إلى السياسات التى ثار عليها الشعب بدعوى نقص الموارد، فهى مازالت ترى أن الاستثمار الأجنبى هو الحل للخروج من تردى الأحوال الاقتصادية، وتضيع السنوات فى محاولة تعديل قانون الاستثمار بلا جدوى، ورغم تصريحات وزير الاستثمار، بأن المستهدف جذبه من الاستثمارات الأجنبية 10 مليارات دولار عام 2016، ونتيجة عدم تحقق ذلك لجأت الحكومة لنفس سياسة نظام مبارك باللجوء إلى المؤسسات المالية الدولية للحصول على قروض تساهم فى تغطية عجز الموازنة، ومن ذلك القرض من البنك الدولى وبموجبه تحصل الحكومة على قرض بثلاث مليارات دولار، والشريحة الأولى مقدارها مليار دولار مقابل تعهد الحكومة أمام البنك «ضمن تعهدات أخرى» بخصخصة قطاع الطاقة، وهو ما يفتح المجال أمام الاحتكارات الكبيرة للسيطرة على هذا القطاع الهام، وبالتالى المزيد من سيطرة الأغنياء على الثروة. وفى ظل تزايد عجز الموازنة، بدأ التمهيد بالحديث عن ضرورة الخصخصة، لبيع ما تبقى من ملكية الشعب، وأنه لا تقدم بدون الخصخصة، وبدلا من إنقاذ هذه المصانع لتساهم فى جلب إيرادات للدولة، بدأ الاتجاه إلى بيع هذه الشركات والبنوك للقطاع الخاص، والمشكلة ليست فى ذلك فقط بل فى إنهم يمهدون للبيع بأسعار متدنية، بأن هذه الشركات خاسرة ولا تجد من يشتريها، وهكذا نجد أننا أمام نفس العناوين التى سار عليها نظام مبارك «الاستثمارات الأجنبية، الخصخصة، القروض» فماذا غيرت الثورة؟ أليست هذه هى الثورة المضادة التى تفرض مصالحها.
ثانيا: المطالبة بعودة رموز النظام السابق:
مع تزايد المشكلات بدأ بعض الكتاب وفى البرامج الحوارية يطالبون بعودة يوسف بطرس غالى ومحمود محيى الدين، على أساس أنهم هم القادرون على اتخاذ السياسات الصحيحة وأن عهدهم كان الأفضل، ورغم ضحالة هذا الرأى الذى يحاول أن يجعلنا نعتقد بأن مصر قد نضبت ولم يعد فيها من يستطيع إدارة الاقتصاد إلا من ثار على سياستهم الشعب، فهؤلاء يحاولون تمرير السياسات السابقة وإقناعنا بأن الأفضل هو الاستسلام للاحتكار والفساد وأن هذا قدرنا، مع إدراك الجميع أن العبرة ليست فى المسئول بل فى السياسة التى يطبقها، وبالتالى فالدعوة لعودة هؤلاء هى فى حقيقتها دعوة للعودة للسياسات التى تكرس الثروة فى أيدى الأغنياء وتصبرنا بأن ثمار النمو ستسقط علينا بعد أن يشبع أصحاب الاحتكارات.
ثالثا: المصالحة مع الفاسدين:
ومن علامات انتصار الثورة المضادة ما يحدث من التصالح مع فساد رموز نظام مبارك، والذين يدرك الجميع أنهم قد استغلوا نفوذهم فى الحصول على الثروات بطرق غير مشروعة، ومن خلال الحصول على الأراضى والعقارات بأثمان بخسة، وبدلا من استخدام العدالة الثورية أو الانتقالية، تم اقتياد الجميع إلى فخ المحاسبة بنفس القوانين التى وضعها النظام السابق ليحمى مصالحه، ونتيجة للأحكام التى صدرت ضد بعض رموز النظام السابق وبدعوى ماذا نستفيد من سجنهم وأن الحصول على بعض ما سرقوه من أموال هو أفيد للاقتصاد، تم تعديل القانون للسماح بالمصالحة مع هؤلاء.
وبدأت تباشير المصالحة مع الفاسدين بما تم الإعلان عنه بالتصالح مع حسين سالم، ومما يزيد من الحسرة أنهم لا يعترفون بأن هذا حق المجتمع فيخرج محامى حسين سالم، ليصف الاتفاق بأنه تبرع منه لمصر، وهكذا أصبحت مصر لا تحصل على حق لها بل تبرع من رجل كريم لمساعدتها، ولا نعرف كيف تم تقدير قيمة ممتلكاته، وهل كانت هناك مغالاة فى تقدير قيمتها ليوهمونا بأن مصر قد حصلت على مبلغ كبير يستحق أن نشكره على ما أعطى وأن ننسى أن كل ثروته قد حصل عليها بطرق غير مشروعة، وأن الحكام قد ساعدوه على تحويل ثروة الوطن إلى حسابه الشخصى، والذى قد يكون هو مجرد واجهة لهم فى الاستيلاء على هذه الثروات، وهكذا يتحول الفاسد إلى متبرع. ثم يبدأ الحديث عن ضرورة أن نكمل المشوار بالمصالحة مع باقى رموز نظام مبارك وأن تحصل الحكومة على الفتات مما نهبوه، مقابل أن تعيدهم إلى المشاركة فى النهب مجددا.
كما انتهى الحديث عن التصدى لمن استولوا على الأراضى بغرض الاستزراع وحولوها إلى منتجعات، وبعد الحديث عن إعادة أكثر من 50 مليار جنيه، انتهى الأمر بتشكيل لجنة برئاسة إبراهيم محلب، لدراسة ما تمت دراسته من جديد، والبحث عن كيفية الحصول على حقوق الدولة، وهو ما سيدخل بعد ذلك فى نطاق التصالح مع من استولوا على المال العام، والحصول منهم على مبالغ قليلة لتقنين أوضاعهم، وهو ما يمثل انتصارا لذوى النفوذ. ووفقا لما نشرته الصحف فى 13 مارس، فإن مصدرا فى لجنة استرداد أراضى الدولة صرح بأن اللجنة تبعث برسالة طمأنة إلى رجال الأعمال من خلال وضع حلول كثيرة والمرونة الكبيرة فى عملها، وهو ما يجعلنا نتساءل لماذا هذا الضعف فى مواجهة الفاسدين وباستخدام التعبيرات الشعبية «لماذا الطبطبة والدلع» لهؤلاء، أليس ذلك من علامات انتصار الثورة المضادة!
رابعا: القرارات لصالح الاحتكارات:
وبدلا من أن تواجه الحكومة الاحتكارات والتى تتسبب فى الزيادات المستمرة للأسعار، نجد قراراتها تصدر لصالح هذه الاحتكارات، ففى أزمة نقص الدولار وزيادة سعره فى السوق السوداء، وبدلا من محاولة تقليل الطلب على الدولار، استسلمت الحكومة للمضاربين والمستوردين وسمحت واقعيا بأن يحصل المستورد من السوق السوداء على قيمة ما يستورده ومع انخفاض العرض من العملات الأجنبية، مما يزيد من الفجوة بين السعر الرسمى وسعر السوق السوداء، وهو ما يمهد لتعويم الجنيه، وهو ما استسلم له أيضا محافظ البنك المركزى، ولكنه رهن ذلك بوصول الاحتياطى النقدى إلى 25 مليار دولار، وكأن هذا يكفى لتمرير هذا القرار الذى سيدمر أساسيات الحياة لأغلبية المصريين.
وهناك قرار الحكومة بتخفيض سعر الغاز لمصانع الحديد والصلب من 7 دولارات إلى 4.5 دولار للمليون وحدة حرارية، وبررت الحكومة ذلك بأن تخفيض سعر الغاز يخفض إيرادات الحكومة إلى 1.2 مليار جنيه، لكنه يوفر 1.4 مليار دولار فى سعر الخام، مما يجعل المصانع تعاود العمل بكامل طاقتها الإنتاجية، رغم أن تراجع العمل بها كان بسبب عدم توافر الغاز الطبيعى، وليس لارتفاع سعره، ونتيجة لهذا القرار أصبحت هذه المصانع تحصل على الغاز بسعر يقترب مما يحصل عليه المستهلك العادى وسيارات الأجرة، فلمصلحة من تخسر الدولة 1.2 مليار جنيه فى وقت ترفع فيه أسعار المياه والكهرباء على المواطنين، بهدف محاولة خفض عجز الموازنة. وهكذا انتصر أباطرة الحديد وتحقق لهم ما يريدون، مع ملاحظة أن الحكومة قد أصدرت سابقا قرارا بفرض رسوم على الحديد المستورد والذى كان سعره أقل من الحديد المنتج محليا، وفى سياق التغرير بالمواطنين، أعلنت الحكومة أن سعر الحديد لن يزداد وهو ما لم يحدث.
خامسا: التراجع عن قرارات لصالح العدالة الاجتماعية:
يكفى مثال على ذلك التراجع عن تطبيق الضريبة على أرباح البورصة، كما انتصرت الثورة المضادة على قانون الحد الأقصى للأجور ولم يعد له وجود عمليا. هذه عينة توضح ماذا حدث للثورة، علينا أن نواجه الحقيقة لقد انتصرت الثورة المضادة بعد أن أنهكت الشعب من ارتفاع الأسعار وزيادة البطالة، وعادت لتفرض سياساتها ورجالها، وما علينا إلا أن نهتف تحيا مصر.