ما الفارق بين طرابلس وشيكاغو آل كابونى؟!!
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الأحد 7 أبريل 2019 - 11:50 م
بتوقيت القاهرة
فى 2 ديسمبر الماضى نشرت صحيفة الأوبزرفر البريطانية، تحقيقا ميدانيا مهما من العاصمة الليبيبة طرابلس، للكاتبة فرانشيسكا مانونتشى، وقرأته مترجما فى صحيفة القدس العربى، التى تصدر فى لندن بتمويل يعتقد أنه من الحكومة القطرية، وبالتالى فلا يمكن التشكيك فى خلاصات التحقيق، والزعم أنه منحاز ضد الحكم المهيمن فى طرابلس.
كنت أنوى الكتابة عن الموضوع وقتها، وجمعت مادة صحفية كثيرة، لكن لم أكتب شيئا لانشغالى بموضوعات متلاحقة.
اليوم أعود للموضوع، بعد أن أعلن الجيش الوطنى الليبى بدء تحرير طرابلس من سيطرة الميليشيات الإجرامية أو الإرهابية.
أكتب عن ليبيا باعتبارها دولة عربية شقيقة، وما يجرى فيها من صميم الأمن القومى العربى والمصرى، ولأن تحريرها من الإرهابيين مصلحة مصرية عليا، والعكس صحيح تماما.
أعود للتحقيق الصحفى الذى أعدته «الأوبزرفر» عن الفوضى التى تعيشها طرابلس، وعنوانه (ندم على الثورة فى ليبيا بعد تحول عاصمتهم لـ«شيكاغو آل كابونى» يحكمها أكثر من قذافى)!!.
فرانشيسكا مانونتشى تصف الرحلة، إلى بعض أحياء العاصمة، حيث لا تزال آثار الدمار واضحة بعد معركة بين الميليشيات، التى تتقاتل على حطام الحرب الأهلية. البيوت مهشمة والشوارع تنتشر فيها الحجارة. والمشهد يدعو البعض لمقارنة طرابلس بشيكاغو آل كابونى، بفارق وحيد هو أن آل كابونى لم يكن لديه معدات ثقيلة أو دبابات!!.
لكى تقابل الكاتبة معارضى الحكومة، فهى تتحايل على الأشخاص الموكلين بحراستها ومراقبتها، وركوب سيارة ينتظر سائقها فى زاوية، ومن ثم السير فى الشوارع بطرق ملتوية ليهرب من ملاحقيه، ومن العصابات المسلحة التى تسير بشاحنات صغيرة إلى جانب قوات الأمن الحكومية. وبعد فترة يكتشف الزائر أنهما سواء، فهناك وحدة ترتدى الزى الأزرق وتابعة لوزارة الداخلية، وهى فى الحقيقة ميليشيا مخيفة كما فى السابق ولكن بزى جديد!!.
فى الماضى كان الصحافى لا يستطيع مغادرة الفندق بدون إذن من شرطة القذافى، الآن كل ما يحتاجه الزائر لشخصين، واحد من الحكومة وآخر من الميليشيا التى تسيطر على المنطقة.
تقول إن البلد بعد مقتل القذافى عبر دورة من الديكتاتورية إلى الثورة والديمقراطية والفساد، ثم عاد لنقطة البداية إلى نوع جديد من الطغيان. والفارق أنه لا يوجد هناك ديكتاتور واحد، ولكن عشرات الديكتاتوريين على شكل الميليشيات.
الصحفية ترصد رمى جثة أحد أمراء الحرب خارج مستشفى فى معركة التصفيات بين المقاتلين. والتقت احد المعارضين، وهو المحامى حميد المهدى، الذى قال: «لقد قتلنا القذافى وخرج من رماده الكثير من الديكتاتوريين الصغار، قادة الميليشيات.لم نرد تعذيب وإهانة ديكتاتور حتى لا نصبح مثله، وأين أوصلنا هذا الدم؟ إلى الجحيم.اعتقد أن الثورة كانت خطأ».
فقبل ثلاثة أعوام قررت الامم المتحدة وضع حد لما وصفه مهدى بالجحيم، وأرسلت حكومة وفاق وطنى لتنظيف البلد من الميليشيات ولكنها تحولت لرهينة. ويحصل عناصر الميليشيا على رواتب من الدولة من خلال التهديد للمصرفيين أو اختطافهم. وتعرضت الحكومة لنفس الضغط عندما سلمت الرقابة والمخابرات لميليشيا إسلامية. وفى وقت تتحارب فيه الميليشيات داخل العاصمة، تقوم بمحاربة خليفة حفتر. وفى المنتصف يعانى المواطنين العاديين من نقص فى الوقود والمياه الصالحة للشرب والعملات النقدية. وليبيا غنية بخمسين مليار من الاحتياطى الأجنبى وانتاج نفطى منتعش. ولا يوجد سوى عدد قليل من المصارف تسيطر عليها الميليشيات، أو تلك التى يسمح لها بمنح النقود. ويبلغ طول الطابور كيلومترا واحدا للحصول على النقود.
معارض آخر اسمه إبراهيم، يعمل مذيعا. ويقول أنه محرم على الإعلام انتقاد الميليشيات التى يسيطر عليها الإسلاميون. وتم حرق العديد من المحطات التليفزيونية التى فشلت فى فهم هذه التعليمات. يضيف: «لم نكن مستعدين للثورة، لم تكن لدينا الوسائل للتعامل مع الحرية، كنا مثل الطفل الذى طلب دمية من وقت طويل، وعندما حصل عليها لم يعرف كيف يجمعها».
وهناك الفساد الذى كان تحت سيطرة القذافى، أما اليوم فأصبح فوضى. وقال لها حارس الفندق «لمن أبلغ عن الفساد؟ لأن من سأخبرهم، هم أفسد من الفاسدين أنفسهم”!!. وقال إنه حمل السلاح مع بداية الثورة، ولكنه اليوم نادم «لو أستطيع محو هذه الأيام من ذاكرتى، كنت أعرف أن القذافى ديكتاتور، ولكننا لم نكن جاهزين للديمقراطية».
تقول الكاتبة إن المستفيد الأول من هذا المزاج هو خليفة حفتر الذى يتهم الحكومة بالارتهان للإسلاميين ويريد الزحف نحو العاصمة.
هو بدأ الزحف بالفعل، والسؤال من هم المسيطرون الفعليون على طرابلس قبل الزحف؟!.