عن «حرب» الكورونا وحتمية التضامن فى المواجهة.. الوباء امتحان للدول ومدى احترامها للإنسان
طلال سلمان
آخر تحديث:
الثلاثاء 7 أبريل 2020 - 11:40 م
بتوقيت القاهرة
كورونا هى الخبر، وهى موضع البحث والتحليل، هى المصدر وأسباب الوقاية والعلاج، إذا ما توفر ونجح فى تحقيق الشفاء وتأمين سلامة المصاب.. وأهله.
عيون الناس، رجالا ونساء وفتية وصبايا الورد مركزة على شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعى تتابع بقلق التصاعد المرعب للإصابات فى أربع رياح الدنيا..
تصاغرت الدول، العظمى والقوية والأضعف، أمام هذا الوباء الذى يجتاح الكون من الصين إلى أوروبا بدولها كافة، إلى الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها الثرثار الذى يشغله الآن احتمال خسارة تجديد ولايته، لأن بعض الناس ينظرون إليه على أنه «شؤم» على شعبه..
أما حين وصل الوباء إلى الأرض العربية فقد تباطأت مسيرته إشفاقا على هذه البلاد ومعظمها لا تهتم بشعوبها ولا تحترمها بحيث تخبرها الحقيقة عن خطورة الاجتماع والتنقل واحتضان الشوق وقبلات الفراق.
ولقد اضطرت بعض العواصم العربية، إلى الاعتراف بوصول الوباء اليها، بعد إنكار، ثم محاولة إنقاص عدد الإصابات بالوباء، فلما انتبهت إلى أن الدول العظمى والكبرى والأكثر تقدما، باشرت الاعتراف بالحقيقة تدريجيا، بعد اطمئنانها إلى أن المسئولية تتوزع على دول العالم كافة، الكبرى مثل الصين والولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا بعواصمها ــ المتاحف كباريس وروما ومدريد وستوكهولم ولندن، تشجعت قياداتها فباشرت الاعتراف بأعداد الإصابات فى العاصمة والمدن الكبرى والأرياف، مادام الوباء ليس عنصريا، ولا يفرق بين من يجتاحهم على أساس الدين أو اللون.
وهكذا نال وباء كورونا شهادة كونية بعدالته!.
لكن الأنظمة الحاكمة، فى الشرق والغرب، لم تكن كذلك، أما الأنظمة العربية فقد تجلى كذبها الذى يكشف احتقارها لرعيتها: فماذا أن يموت مائة أو ألف رجل وامرأة، شيخ أو عجوز، أو فتى غض الإهاب، والتاريخ يشهد باجتياح سابقة لأوبئة قاتلة، ذات يوم، كالطاعون والسرطان والسل والجدرى، حماكم الله منها جميعا... ويروى من تبقى على قيد الحياة من الأجداد حكايات مفجعة عن موت الجائعين أو المصابين أمام عيون أهلهم العاجزين عن علاجهم، والذين كانوا يقصونهم عن العائلات إلى خيام فى البرية حتى يموتوا وحدهم ولا تصيب العدوى سائر أفراد العائلة تحت شعار « يا روحى ما بعدك روح».
***
الإنسان واحد، والدول كثيرة. ولقد درس الإنسان الأوبئة التى عرفها عبر تاريخه، ونجح فى الغالب الأعم، بابتداع الدواء الشافى، بعد تجارب مكثفة وتضحيات مكلفة ذهبت بالعديد من العلماء وهم يبحثون ويدققون ويحاولون اكتشاف جراثيم الأوبئة المختلفة، وكيفية معالجتها، والأدوية المهيأة لأن تبطئ مسارها داخل الجسد الإنسانى تمهيدا للنجاح فى الانتصار عليها بشفاء المصابين بعدواها.
ويحفظ التاريخ أسماء العلماء الكبار، فى أربع جهات الدنيا، وفى العصور السابقة ممن عملوا بجد، وعرضوا حياتهم للخطر، من أجل أن يكتشفوا الأدوية الشافية لأوبئة قاتلة حصدت فى مراحل معينة من التاريخ الإنسانى حياة الآلاف من البشر، رجالا ونساء وأطفالا. وهددت بلادا وشعوبا بالانقراض، خصوما حين تزامن انتشارها مع حروب عابرة للحدود، «ومن لم يمت بالسيف مات بالوباء الذى لا شفاء منه».. وكان الأجداد يحدثون الأحفاد عن الطاعون والسل والجرب وحمى التيفوئيد والحصبة التى لم يكن لها علاج يشفى مريضها.
***
على أن أخطر ما فى الأوبئة القاتلة أنها «تفضح» الدول عند اكتشاف انتشار الوباء فيها.. بعضها خوفا من شعبها الذى سيتهمها بإهمال أسباب سلامته، وبعضها خوفا من أن تحجر عليها الدول العظمى والكبرى فتفرض الحصار عليها وتمنع شعبها من الحركة خوفا على رعاياها هى وكسر الحظر الذى تفرضه على حدودها.
وبين ما يطمئن فى هذه اللحظة أن الدول ــ وتحت ضغط المخاطر القاتلة ــ قد باشرت تبادل المعلومات حول النتائج التى توصلت إليها مختبراتها فى كيفية التصدى لهذا الوباء القاتل.. بغض النظر عن حمى المنافسة.
وبرغم أن الرئيس الأمريكى المنفوخ غرورا قد شكك بداية فى تمكن الصين من السيطرة على الوباء فيها، والتمكن من إنتاج أدوية تنفع فى محاصرته حيث يكتشف، إلا أنه سرعان ما تراجع وأبدى استعداده للتعاون معها من أجل تأمين سلامة الإنسان.
***
ويبقى بعض الكلام عن احترام حقوق الإنسان العربى فى بلاده..
فى البداية: كان الإنكار!
فقد تكتمت بعض الدول العربية على انتشار الوباء بين رعاياها وكأنه «سر حربى»!
.. ثم لما انتبهت إلى أن كبريات دول العالم تعترف، وبلسان قادتها المعظمين، كالرئيس الصينى الذى تميز بالجرأة والذهاب إلى المدينة الأولى ــ ووهان ــ التى أعلنت عن ظهور الوباء فيها لأول مرة.
وبعدما شكك الرئيس الأمريكى ترامب فى صدقية الرئيس الصينى، اضطر إلى الاعتراف بانتشار الوباء فى الولايات المتحدة الأمريكية حيث كانت ضربته الأولى صاعقة فى نيويورك، ذات العشرة ملايين ساكن وعابر، قبل انتقاله إلى ولايات أخرى فى الشرق والجنوب والغرب، وتصاعد أعداد المتوفين بحيث زادوا عن أرقام المصابين فى أربع رياح الأرض، وتعاظم أرقام المتوفين بحيث تحول الوباء إلى كارثة وطنية، تطلبت إعلان حالة الطوارئ وفرض الإقامة الجبرية فى العديد من الولايات.
***
.. ولما لم يعد مجديا طمس الحقيقة وإخفاء أرقام المصابين، بدأت الدول العربية تعترف، على استحياء وشعور بالذنب بأرقام من ضربهم الوباء فأدخلهم المستشفيات أو أودى بهم.
ثم تشجعت السلطات على مباشرة إعلان الأرقام مخففة.. فلما انتبهت إلى أن الإصابات فى إيران ثقيلة، وبالآلاف، وطهران تعلنها على الملأ، مميزة بين المصابين والمتوفين، تشجعت الرياض على مقاربة الحقيقة بزيادة معقولة فى أعداد المصابين مثلهم مثل خلق الله جميعا فى العالم.
***
الوباء ليس سرا حربيا، وأول أسباب علاجه الإعلان عنه، لأن العدوى متى انتشرت ستصيب الإنسان فى أربع رياح الأرض.
والوباء ليس عارا، وليس خطيئة، وليس فضيحة لأى دولة فى الكون.. فلطالما شهدت الحياة الإنسانية أوقاتا عصيبة إلى حد القتل الجماعى بالوباء، ثم انتصرت بتضامنها وتعاونها على كشف أسرار هذا الوباء ومكوناته، ومن ثم الانتصار بصنع الدواء الشافى وإنقاذ الإنسانية.
إنها حرب على الإنسانية.. والانتصار يكون بالتكاتف والتعاون وتبادل المعلومات، لحماية الوجود الإنسانى جميعا، بالشيوخ والشباب، الرجال والنساء وصبايا الورد، وحق الحياة.