ما بين الغلاء وحرب أوكرانيا
عمرو هاشم ربيع
آخر تحديث:
الخميس 7 أبريل 2022 - 8:25 م
بتوقيت القاهرة
منذ أسابيع قليلة تشتعل الأسواق المصرية غلاء، إذ ارتفعت أسعار السلع والخدمات بشكل جنونى وغير مبرر ولا حتى متناسب مع الأزمات العالمية التى تمر بها المعمورة، سواء فى الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، أو أزمة كوفيد 19 أو ما يدور رحاها اليوم من حرب بين روسيا وأوكرنيا. وجاء شهر رمضان ليضيف جشعا لعديد التجار على جشعهم، فتزداد مع كل ما سبق موجات رفع الأسعار وتخزين السلع واحتكار المواد واغتنام الفرص لضرب الناس فى أرزاقهم وأقوات يومهم وأجورهم ورواتبهم المحدودة بداية، ما يجعل أثرا لكل ذلك المزيد من الأعباء على كاهل المواطنين، خاصة من ذوى الدخول المتوسطة والدنيا.
ورغم كثرة شكاوى الناس حول العالم من موجات التضخم الذى ضرب العالم كله فى الآونة الأخيرة، إلا أن الشاهد هو أن تلك الموجة ما كان لها أن تؤثر على مصر بهذا التأثير الشديد، إذ إن كل ما هو مؤثر نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية ناتج لكون مصر واحدة من أبرز دول العالم استيرادا للقمح ثم الذرة الصفراء، وهى تقوم بذلك عبر التجارة مع الطرفين المتحاربين، ما يجعل هناك ارتفاعا كبيرا فى أسعار القمح والذرة وكل ما يدخل فى استخداماتهما كرغيف الخبز والمعكرونة. لكن رغم كل ما سبق فإن الحادث هو ارتفاع فى أسعار المواد الغذائية كالخضراوات واللحوم الحمراء والبيضاء والبيض والأسماك والفاكهة والسكر والأجبان والزيوت والمياه المعبأة والعصائر، وكذلك ارتفاع أسعار مواد البناء وخاصة الحديد والأسمنت.
المؤكد أن طرفى الحرب كمصدر للحبوب لعديد دول العالم ومنها مصر أثرا تأثيرا سلبيا على مجريات الأمور وحركة الأسعار، لكن العقوبات المفروضة على روسيا أثرت أيضا على حركة التجارة، لكن رغم كل ذلك فإن التأثر المصرى كان ناتجا عن علاقة مصر بطرفى الحرب أكثر منه ناتج عن العقوبات الغربية على روسيا.
مجال آخر من تأثير الحرب على مصر راجع إلى ارتفاع أسعار الطاقة، فمن 32 دولارا هو سعر برميل النفط قبل أزمة كوفيد19، يصبح البرميل اليوم متجاوزا الـ100 دولار للبرميل، لكن تأثير ذلك على مصر يظل غير كبير لأن مصر منتج للنفط، رغم كونها تدفع ضريبة البحث والتنقيب والاستخراج. بالمقابل انخفض استيراد مصر للمشتقات النفطية بنسبة النصف فى نوفمبر الماضى بسبب تطوير معامل التكرير. أما بالنسبة إلى الغاز فإن مصر لديها اكتفاء ذاتى منه. كل ما سبق لا يعطى مبررا لارتفاع أسعار الوقود أخيرا، ويجعل تأثير الحرب على الطاقة محدودا للغاية، ولا يقارن البته بتأثيرها على أوروبا التى تعتمد على الغاز والنفط والفحم الروسى بشكل كبير.
ما العمل؟ هناك بلا شك عديد الأمور التى يمكن لها أن توقف نسبيا موجات الغلاء، وتكون بديلا على الاعتماد على كل ما هو ناتج عن العلاقة مع طرفى الحرب الروسية الأوكرانية.
أولا: من المهم للغاية أن تقوم وزارة الصناعة والتجارة بوقف تصدير بعض السلع التى تحتاجها الأسواق المصرية، فعلى غرار ما قامت به أخيرا من وقف تصدير الفول والمعكرونة، من المهم أن تستكمل ذلك بقرارات أخرى تطال بعض المحاصيل والمنتجات الزراعية والفاكهة.
ثانيا: تشديد الرقابة على الأسواق، لمنع استغلال التجار للمستهلكين، وملاحقة المحتكرين والقائمين بتخزين الغلال والأعلاف ومنتجى جميع مستهلكات (بير السلم) الضارة بالصحة والبيئة، وغيرها من الأمور التى تزيد من غلاء الأسعار وجشع الكثيرين.
ثالثا: رفع الدولة أسعار توريد الحاصلات الزراعية خاصة القمح والذرة، لتشجيع الفلاحين على زراعتهما. بعبارة أخرى، على الدولة أن تقوم بدعم مباشر للفلاح المصرى عبر توريد الحبوب، بدلا من أن تقوم بدعم الفلاح الأجنبى عبر الاستيراد بأثمان مرتفعة عن أسعار الحاصلات الزراعية المصرية.
رابعا: زيادة منافذ بيع السلع التى تشرف عليها الدولة، سعيا لمواجهة موجات الغلاء، وضرب عمليات الاحتكار، ما يجعل هناك جبرا للتجار على تخفيض الأسعار، حتى لا تتعرض بضائعهم للتلف نتيجة الركود الذى تخلفه تلك السياسة.
خامسا: تشجيع المبادرات المجتمعية الساعية إلى تأسيس المعارض والأكشاك لبيع المنتجات الغذائية بأسعار مناسبة يتم من خلالها مواجهة الغلاء، والعمل على إعفاء تلك المبادرات من الضرائب وتيسير تواجدها فى الأماكن العامة، ما يفضى إلى تقديم بدائل أمام المستهلكين، بشكل يؤدى إلى الحد من الغلاء.
سادسا: فرض المزيد من الضرائب على القائمين على كل ما هو سلع أو خدمات ترفيهية استفزازية، وعلى الأخص المعلنين فى وسائل الإعلام والقائمين بأداء أدوار تمثيلية من مشاهير أهل الفن فى الإعلانات والمسلسلات وغيرها. وتوجيه عائد كل ذلك لدعم الفئات الأكثر تضررا من الغلاء.