رسالتكم وصلت.. القضية مصرية تيران وصنافير
محمد سعد عبدالحفيظ
آخر تحديث:
السبت 7 مايو 2016 - 9:55 م
بتوقيت القاهرة
لم تكن رسالة اقتحام بيت الحريات والقبض على الزميلين عمرو بدر ومحمود السقا من نقابة الصحفيين بالمخالفة للقانون، «قنبلة دخان مفتعلة»، للتغطية على القضية الرئيسية «التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير للسعودية» كما يردد البعض. الرسالة إذن هى تأديب كل من أعلنوا عن تمسكهم بالأرض، وهتفوا فى شارع عبدالخالق ثروت بعدما ضاقت بهم شوارع القاهرة «عيش حرية.. الجزر دى مصرية».
فى 13 أبريل الماضى، قال الرئيس عبدالفتاح السيسى فى اجتماعه مع عدد من ممثلى «الأسرة المصرية» فى سياق حديثه عن أزمة «تيران وصنافير»: «أنا أخذت الضربة فى صدرى، ولو كنت أعلنت عليكم الموضوع من 8 أشهر كنا هندخل نفس السياق على مدى الثمان شهور الماضية»، مضيفا: «إن مصر لا يمكن أن تفرط فى ذرة رمل واحدة من أرضها، ولكن كمان عدم المساس بحقوق الآخرين»، واختتم حديثه قائلا: «متتكلموش فى الموضوع ده تانى».
الجملة الأخيرة «متتكلموش فى الموضوع ده تانى»، هى مربط الفرس فى كل ما يحدث. الرئيس قرر بصيغة الأمر عدم فتح موضوع الجزر، بعد تلك الجلسة مرة أخرى، لا فى الشارع ولا فى الصحف والفضائيات، ولا حتى فى مواقع التواصل الاجتماعى، ومن يتحدث عليه تحمّل مسئولية قراره.
وفى الوقت الذى قررت فيه أجهزة الدولة المختلفة تنفيذ الفرمان الرئاسى بـ«قفل الموضوع»، أعلن رافضو التنازل عن الجزيرتين التحدى، ونزلوا إلى الشوارع فى 15 أبريل «جمعة الأرض»، وهتفوا «عيش حرية.. الجزر دى مصرية»، وعندما ضاقت بهم شوراع القاهرة بما رحُبت وتصدى الأمن لكل المسيرات المناهضة، توجهوا إلى شارع عبدالخالق «الملاذ الآمن لأصحاب الرأى»، وعادت سلالم نقابة الصحفيين إلى سيرتها الأولى لتستقبل مرة أخرى متحدى الفرمانات الحكومية، فحلت عليها اللعنات، وقررت السلطة تأميمها وغلق البؤرة الأخيرة التى مازالت «تتكلم فى الموضوع».
لم تكتف السلطة بفرض الحراسة الفعلية على شارع عبدالخالق ثروت، وإغلاقه بجحافل الأمن وكتائب «المواطنين الشرفاء»، بل حركت قواتها الفضائية للتشويش على القضية وإظهار الصحفيين باعتبارهم فئة تعادى الدولة وتصر على تجاوز القانون، كما أوعزت إلى عدد من مخبريها فى بلاط صاحبة الجلالة إحداث فتنة بهدف شق الصف وتدشين ما يسمى بـ«جبهة تصحيح المسار»، لتأليب جموع الصحفيين على النقيب ومجلس النقابة.
احتشد الصحفيون حول نقيبهم ومجلسهم فى اجتماع تاريخى يوم الأربعاء الماضى، لم ترهبهم كتائب الأمن وفرق «الشرفاء»، ولم تتمكن جبهة «تخريب المسار» من تفتيت وحدة الجماعة الصحفية، وخرجت الجمعية العمومية على قلب رجل واحد، مطالبة بإقالة وزير الداخلية الذى ارتكب فى حق السلطة ما لم يرتكبه «أهل الشر»، قتل رجاله الغلابة فى شوراع التجمع والمطرية وأسوان والإسماعيلية، وداسوا بأحذيتهم على رءوس المحامين والأطباء، وعقب كل جريمة تخرج وزارته وتدعى أن ما حدث «حالة فردية»، مراهنين على ضعف ذاكرة الناس.
فشل الرئيس المؤمن أنور السادات فى إقناع الشعب باتفاقية «كامب ديفيد» مع العدو الصهيونى، ولم تفلح حملة اعتقالات سبتمبر الشهيرة التى طالت رموز العمل الوطنى وقادة الرأى، فى تكميم أفواه من تصدوا لاتفاقية العار، وحتى هذه اللحظة يرى أغلب المصريين أن إسرائيل عدو مغتصب للأرض.
رسالة السلطة لكل من يمارس حقه فى المعارضة والنقد: «اسكت»، ورسالة الجيل الذى انتزع حريته وفرض إرادته وأسقط نظامين ليقيم دولة محترمة قائمة على الكرامة والعدل والمساوة والكفاية: «انتهى زمن السكات».