الواحات البحرية مستقبل مصر السياحى
حسين عبدالبصير
آخر تحديث:
الثلاثاء 7 مايو 2019 - 11:20 م
بتوقيت القاهرة
الواحات البحرية هى عروس الصحراء الغربية. وتعتبر من أهم آفاق مستقبل السياحة الثقافية فى مصر. ويعد تاريخ الواحات البحرية تاريخا ثريا، ويوضح أهم مراحل التاريخ التى مرت بها مصر منذ أقدم العصور إلى الآن.
وكشفت الحفائر الأثرية التى أُجريت فى منطقة الحيز ــ شمال عاصمة البحرية مدينة الباويطى ــ عن أن المنطقة كانت مأهولة بالسكان فى منتصف عصر الهولوسين الجيولوجى، وأن أهل الواحات البحرية عاشوا بالقرب من البحيرات التى كونها المطر. وترجع الإشارات الدالة على وجود ذكر للواحات فى عصر الدولة القديمة إلى الأسرة السادسة.
وكان عصر الانتقال الأول مرحلة مضطربة فى تاريخ مصر القديمة. ولم تمدنا الآثار إلى الآن بأى شىء يذكر عن وضع الواحات البحرية فى ذلك العصر.
وشهد عصر الدولة الوسطى تزايدا ملاحظا فى الأنشطة والعلاقات بين أهل وادى النيل وأهل صحراء مصر الغربية.
وبدأت الأسرة الثانية عشرة بحماية حدود مصر الغربية عن طريق بناء سلسلة من الحصون. وجاءت أهم الإشارات إلى الواحات فى نهاية عصر الانتقال الثانى على لوح الملك كامس حين أشار إلى البحرية فى أحد نصوصه من عصر الهكسوس الذى ربما توقفت فيه التجارة بين وادى النيل والواحات لافتقاد الأمن.
واستمرت أهمية الواحات البحرية فى عصر الدولة الحديثة كإحدى النقاط الإستراتيجية والعسكرية على حدود مصر الغربية. وعُين أحد أبناء البحرية المدعو إمنحتب حوى كحاكم إقليمى وتنسب إليه أقدم المقابر المكتشفة فى الواحات البحرية.
وتعتبر مقبرة إمنحتب حوى حاكم الواحات البحرية من أهم الآثار التى تعود إلى تلك الأسرة. وقد ذكر أكثر من مرة على جدران مقبرته أنه من أهل الواحات وربما كان ذلك سببا فى أن يدفن فى تلك المقبرة فى موطنه الأصلى.
وتقع المقبرة على مقربة من قرية القصر. ولا تحمل مناظر المقبرة أى تأثيرات أجنبية؛ وعلى هذا الأساس فإن إمنحتب حوى وعائلته وخدمه يظهرون بملابس مصرية، والملاحظ أن المقبرة نفسها لا تختلف عن أى مقبرة مصرية من تلك الفترة.
وتمثل المناظر المصورة على جدرانها المناظر الجنائزية التقليدية ومناظر المآدب، فضلا عن ظهور صاحب المقبرة وهو يساعد فى عملية وزن وتخزين الحبوب وأوانى الخمر.
وأشار الملك رمسيس الثانى إلى البحرية فى معبد آمون بالأقصر على أنها مكان مقدس. وأدرك الملك شاشانق الأول من ملوك الأسرة الثانية والعشرين أهمية الواحات كمحطات للقوافل وكأراض غنية بالنبيذ الذى كان يعد هدية عظيمة.
ثم سكن العديد من العائلات الليبية منطقة الواحات البحرية. وكان من بينهم رجل يدعى إرعاوا فى السنوات الأخيرة من حكم الأسرة الثالثة والعشرين.
وسوف نرى بعد ذلك أن أحد أحفاده أصبح حاكما للواحات البحرية وكاهنا أعلى لكل الآلهة التى تعبد فيها فى عصر الأسرة السادسة والعشرين. وكان ذلك الرجل وأسرته المسئولين عن تشييد معظم الآثار التى اكتشفت فى البحرية. وهذا الحاكم هو جد خونسو إيوف عنخ.
وتعتبر الأسرة السادسة والعشرون أو ما يعرف بالعصر الصاوى نسبة إلى عاصمتهم مدينة سايس (صا الحجر) فى الدلتا المصرية واحدة من الفترات المزدهرة فى تاريخ مصر فى العصر المتأخر.
وتوثقت الصلة بشكل كبير بين أهالى الدلتا أو مركز الحكم فى مصر وبين الواحات خصوصا البحرية وسيوة فى عهد الملك واح إيب رع (أبريس).
وفى الغرب بسط نفوذه على الواحات وأقيم فى عهده معبد لا تزال بقاياه موجودة إلى الآن. وأخذت البحرية فى الازدهار تحت حكم الملك أحمس الثانى (أمازيس)؛ ففى عهده تم إنشاء أربع مقاصير فى عين المفتلة أشرف على تشييدها جد خونسو إيوف عنخ. وعمل الملك أحمس الثانى (أمازيس) على تعميرها وتحصينها كى يتمكن أهلها من الدفاع عن أنفسهم ضد أى اعتداء من الغرب.
وعانت الواحات البحرية فى الفترة التى تفصل بين نهاية حكم الفرس لمصر ومجىء الإسكندر الأكبر لمصر مثلها مثل باقى الأراضى المصرية. وعادت أهميتها تبرز من جديد بمقدم الإسكندر المقدونى والذى صور يقدم القرابين للإله آمون فى معبده.
وتعود أسباب إنشاء هذا المعبد ونسبته إلى الإسكندر الأكبر إلى زيارة الإسكندر الأكبر الشهيرة لمعبد الوحى فى سيوة لاستشارة الإله آمون عن من قتل والده. ولقد تسلم الإسكندر الإجابة والأكثر من ذلك فقد خلع كهنة آمون عليه ألقاب الفراعنة.
وربما يكون الإسكندر قد مر فى طريقه إلى سيوة بالبحرية؛ فشيد هذا المعبد تخليدا لذكرى تلك الزيارة. وتحت حكم البطالمة نمت البحرية بقوة ونشط اقتصادها وطورت طرق التجارة خصوصا المؤدية إلى ليبيا وأنشئ العديد من النقاط العسكرية.
وبعد أن تمكنوا من احتلال ليبيا أنشأ البطالمة حامية عسكرية قوية فى الواحات البحرية لحماية طرق التجارة بين مصر ودارفور عن طريق درب الأربعين الذى يصل الواحات الخارجة بغرب السودان. وقاد الإمبراطور الرومانى هادريان قوات حربية إلى الواحات البحرية.
وعثر على خريطة تبين وجود معسكرات القوات الرومانية فى عدة مناطق بالبحرية مثل الحيز. ووصلت البحرية إلى أوج ازدهارها فى العصر الرومانى وتمت زراعة القمح الذى كان يصدر بكثرة إلى العاصمة روما.
وفى العصور المسيحية ذكرت الواحات البحرية مرارا فى التراث المسيحى وتاريخ الكنيسة القبطية المصرية ووجدت آثار مسيحية فى القصر والباويطى ومنديشة والحيز. وكذلك استمر ذكرها فى العصور الوسطى قبل دخول الإسلام مصر.
وبعد دخول الإسلام إلى البحرية، استمرت أهميتها عبر عصور مصر الإسلامية قاطبة كممر مهم من خلال دروب الصحراء تنقلت تجارة القوافل عبره. وزارها عدد من الرحالة فى القرن التاسع عشر.
وعمل بها الدكتور أحمد فخرى فى القرن العشرين. ثم أكمل الدكتور زاهى حواس العمل فى نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الحادى والعشرين. ولا تزال الواحات البحرية أرضا بكرا للعمل الأثرى ولآفاق الاستثمار السياحى والثقافى.
إن الاهتمام بالواحات البحرية وإعدادها كى تكون على المستوى السياحى اللائق بها يعد من ضروريات ومستقبل السياحة الثقافية فى مصر فى القرن الحادى والعشرين.