نتنياهو يستبدل الخطر الإيرانى بخطر الجنائية الدولية
قضايا يهودية
آخر تحديث:
الثلاثاء 7 مايو 2024 - 6:50 م
بتوقيت القاهرة
ألقى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قبل أيام قليلة خطابا فى مؤسسة «ياد فشيم» لتخليد ذكرى ضحايا الهولوكوست وصفه المحلل السياسى لصحيفة «يديعوت أحرونوت» إيتمار أيخنر بأنه أحد أكثر الخطابات الكئيبة فى مسيرته السياسية إن لم يكن الأكثر كآبة على الإطلاق فى حياته كلها. وفى الوقت عينه أشار إلى أن نتنياهو استبدل الخطر الإيرانى الذى كان يحضر على الدوام فى خطاباته التى دأب على إلقائها فى يوم ذكرى ضحايا الهولوكوست، بالخطر الماثل أمام إسرائيل من المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى.
وقد بدأت هذه المحكمة فى الآونة الأخيرة مسارات يمكن أن تؤدى إلى إصدار مذكرات اعتقال ضد مسئولين إسرائيليين كبار، ما أثار خشية نتنياهو وحكومته، كون الحديث سوف يدور، فى حال صدور مثل هذه المذكرات، حول ما تصفه تحليلات إسرائيلية من الصعب حصرها بأنه إجراء دراماتيكى استثنائى يمكن أن يترتب عليه ضرر استراتيجى متعدد الأبعاد، سيلحق بإسرائيل ويؤثر ليس فقط فى قدرتها على الاستمرار فى القتال، بل أيضا فى التعاون ما بينها وبين الدول الغربية بصورة خاصة، وليس فقط فى المجالات الأمنية والعسكرية.
وبحسب معهد أبحاث الأمن القومى، سواء أكان من المتوقع أن تصدر مثل هذه الأوامر فى وقت قريب، أم أنها مجرد شائعات، فقط من باب التلويح أو الإنباء بخطوة تحدث فى المستقبل، فيجب التعامل معها بجدية وعدم ركنها فى الرفّ، نظرا إلى أن هذه الأوامر هى ذات صلاحية، ويمكن أن تفرض قيودًا على حركة مَن تصدر الأوامر ضدهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الأوامر يمكن أن تؤذى صورة إسرائيل ومكانتها الدولية، وأن تُستخدم أساسًا لخطوات أُخرى من أجل عزل إسرائيل بواسطة العقوبات والمقاطعات.
من صلاحيات المحكمة مناقشة المسئولية الجنائية لأفراد متورطين فى ارتكاب جرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية، وجرائم إبادة، وهجمات نُفّذت فى أراضى دولة عضو فى المعاهدة، أو على أيدى مواطنيها. ومن صلاحياتها إصدار أوامر اعتقال ضد مشتبه بهم، وبموجبها يتعين على الدول الأعضاء الـ124 فى المحكمة احترام هذه الأوامر واعتقال الأشخاص المشتبه بهم ضمن حدودها، وإحالتهم على المحكمة فى لاهاى. وعلى الرغم من أن إسرائيل ليست عضوا فى المحكمة الجنائية الدولية، ولا تعترف بصلاحياتها، ففى العام 2021، فُتح تحقيق فى جرائم حرب ارتُكبت فى مناطق الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، بعد الاعتراف بفلسطين كدولة ذات صلاحيات.
يتطرّق هذا التحقيق إلى كل الأطراف على الأرض، من الإسرائيليين والفلسطينيين، وتحديدًا منذ 13 يونيو 2014، ومن دون تحديد موعد الانتهاء منه، ولذلك يسرى التحقيق على الحرب الإسرائيلية الحالية ضد قطاع غزة. ووفقا لتقارير العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية اكتسب هذا التحقيق المستمر زخما أكبر بعد الحرب الراهنة، وتُمارس على المدعى العام فى المحكمة ضغوط كبيرة للمضى به قدمًا
ويمكن أن نحدّد سببين رئيسين للسلوك الذى تنتهجه محكمة لاهاى فى الوقت الحالى على خلفية الحرب الإسرائيلية فى قطاع غزة المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023، وهما سببان لم تغفل عنهما أغلب التحليلات الإسرائيلية.
السبب الأول، أن سلوك إسرائيل فى خضم الحرب من شأنه أن يؤثر فى أى إجراءات قد تتخذها هذه المحكمة ضد قادة الحكومة والجيش. كما أن سلوكها قبل الحرب فى كل ما يتعلق بموضوع الانقلاب القضائى ينطوى على تأثير مستجد فى هذا الصدد. فمن المعروف أن قوانين المحكمة الجنائية الدولية تنص على ما يُعرف باسم «مبدأ التتام/ التكامل» فى كل ما يرتبط بإجراء تحقيقات مهنية فى اتهامات بارتكاب جرائم حرب، والذى ينص على أن لا تقبل المحكمة شكاوى مقدمة لها عندما يجرى التحقيق فى الحادثة بصورة مهنية من خلال السلطات الرسمية المعنية فى الدول موضوع الشكاوى. وما يمكن ملاحظته هنا هو أنه على خلفية الانقلاب القضائى الذى لم يتوقف هناك إشارات قوية إلى تراجع الثقة بالمنظومة القضائية الإسرائيلية وبقدرتها على أن تكون أهلًا لتطبيق «مبدأ التتام» المذكور عليها، ما يفتح المجال أمام إقدام محكمة لاهاى على التدخل واتخاذ إجراءات.
السبب الثانى، لا تستطيع إسرائيل التباهى بأنها دولة ديمقراطية لديها منظومة قضائية محترمة بينما تسمح من جهة أُخرى بصدور تصريحات من وزراء وأعضاء كنيست من الائتلاف الحكومى تتعلق بنيات إسرائيل فى الحرب مثل «تسوية قطاع غزة بالأرض»، و«لا يوجد فى غزة غير ضالعين فى القتال»، أو القول إنه يوجد عدد كبير من المعتقلين الفلسطينيين أكبر من قدرة السجون والمعتقلات الإسرائيلية على استيعابهم والتساؤل عمّا إذا كان من الممكن «قتل عدد منهم». ومثلما شدّد باحثو «معهد أبحاث الأمن القومى»، فإن مثل هذا الكلام الصادر عن مسئولين رفيعى المستوى فى إسرائيل ولا يدينه رئيس الحكومة بوضوح، يُستخدم أساسًا للمطالبة بتسريع الإجراءات فى المحكمة الجنائية الدوليّة. كما أنه يقوّض التعامل مع إسرائيل كدولة ديمقراطية تحترم القانون، ويزعزع الثقة بها، وبكل التحقيقات والتوضيحات الصادرة عنها. وبذلك تساهم الحكومة الإسرائيلية، بيديها، فى تصاعُد المعركة الدولية السياسية والقضائية ضد إسرائيل.
منذ بداية العام الحالى اعتبر الرئيس السابق لمجلس الأمن القومى الإسرائيلى مئير بن شبات، المقرّب من رئيس الحكومة نتنياهو، أنه بموازاة الحرب فى قطاع غزة تواجه إسرائيل تحديات ومخاطر جسيمة فى ست جبهات أخرى هى الضفة الغربية ولبنان وسورية واليمن وإيران، والحلبة الدولية السياسية والقضائية. ولمّح إلى أن كل ما تقوم إسرائيل به على الصعيد العسكرى يعتمد على ما وصفه بأنه «الشرعية الدولية». ويرى غيره من المحللين فى إسرائيل أن الفشل فى هذه الجبهة السادسة الدولية سيؤدى إلى أن تصبح إسرائيل دولة منبوذة فى العالم بكل معنى الكلمة. فضلا عن ذلك، فإن اقتصادها الذى يعدّ حسّاسًا للعولمة سينهار بسبب الأضرار التى ستلحق به، وكذلك ستتصاعد المخاطر على اليهود فى العالم إلى مستويات يرى البعض أنها شبيهة بما كانت عليه قبل الحرب العالمية الثانية!
أنطوان شلحت
مركز مدار الفلسطينى للدراسات الإسرائيلية
النص الأصلى