تكافؤ الفرص والمبادرة الفردية

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: السبت 7 يونيو 2014 - 6:45 ص بتوقيت القاهرة

على الرغم من أن نصوصا فلسفية وسياسية واقتصادية ودراسات متنوعة لعلماء الاجتماع تثبت المحدودية الفعلية لتكافؤ الفرص والقيود العملية التى ترد على المبادرة الفردية حتى فى أكثر البلدان انفتاحا وديمقراطية وصونا للحقوق وللحريات وبحثا عن العدالة الاجتماعية، إلا أن روافع / محركات / عمليات التقدم فى المجتمعات البشرية تظل وثيقة الارتباط بالسعى المستمر لتنزيل قاعدتى تكافؤ الفرص والمبادرة الفردية على أرض الواقع والاجتهاد المتواصل لتجاوز محدودية الأولى والقيود الواردة على الثانية.

المساواة الكاملة أمام القانون، تجريم التمييز، توفير خدمات السكن الملائم والبيئة الملائمة والتعليم والرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية بغض النظر عن تفاوتات الفقر والغنى، الحق فى العمل والحق فى الترقى الاجتماعى؛ جميعها تمثل مكونات أساسية لقاعدة تكافؤ الفرص ينسحق حين غيابها الإنسان / الفرد / المواطن ويتحول المجتمع ما لم يسع لتنزيلها على أرض الواقع عبر الأدوات الدستورية والقانونية والسياسية والتنفيذية والإدارية المختلفة إلى غابة تسودها الوحوش التى تعتاش على دماء الضعفاء والفقراء والعاجزين وتفرض عليهم الضعف والفقر والعجز كمصير لا فكاك منه.

أما المبادرة الفردية فهى تستند من جهة إلى الحق الأصيل للإنسان فى الاختيار فى المجال الخاص (دوائر العلاقات الشخصية والأسرية) وفى المجال العام (دوائر الإنتاج والعمل والدور والمشاركة والنقاش العلنى) وفقا لمبادئه وقناعاته وقدراته وآماله دون وصاية لا يرغبها إن من منظومة حكم / سلطة أو من مؤسسات أسرية / تقليدية / دينية / سياسية أو من شبكات اقتصادية / مالية / إدارية. من جهة ثانية، تستند المبادرة الفردية إلى الحق الأصيل للإنسان فى أن يطلق له العنان ليعبر عن رأيه بحرية ويوظف طاقاته الإبداعية وقدراته بحثا عن تحقيق الذات والتقدم والترقى والنجاح والسعادة. حين تضع المجتمعات البشرية القيود والمعوقات أمام ممارسة الحق فى الاختيار وتحقيق الذات والبحث عن السعادة، حين يتوقف الاجتهاد الجماعى لتجاوز القيود والمعوقات وإطلاق الطاقات والقدرات البشرية، حينها ينسحق الإنسان / الفرد / المواطن وتقهره منظومة الحكم / السلطة أو تسيطر عليه التقاليد / المؤسسة / الشبكة / المصلحة العليا / الآلة ويجرد فى التحليل الأخير من إنسانيته.

•••

وفى مصر اليوم، وبمعزل عن صراعات الحكم / السلطة والمعارضة وعن المحدودية الشديدة للنقاش العام الذى لم يعد له وجود بعيدا عن فرض الصوت الواحد والرأى الواحد وطغيان العنف اللفظى وثنائيات المع والضد على التنوع والتعددية وإقرار الحق فى الاختلاف، نحتاج إلى إعادة الاعتبار لقاعدتى تكافؤ الفرص والمبادرة الفردية والسعى لتنزيلهما على أرض الواقع. نحتاج إلى حزمة قوانين جديدة / تعديلات فى قوانين قائمة تضمن تكافؤ الفرص وتناهض التمييز وتمكن القطاعات الشعبية الضعيفة والفقيرة والعاجزة، وإلى حزمة قرارات / إجراءات / سياسات تحمى حق المواطن فى الاختيار وتفعيل المبادرة الفردية وتشجيعها.

•••

إن امتنعت منظومة الحكم / السلطة عبر وسائطها وأدواتها التشريعية والتنفيذية والإدارية عن إقرار الحزمتين هاتين، إن غابت الإرادة السياسية أو تجاهلت حقيقة أن اختلالات مصر الكثيرة لا سبيل لضبطها دون إعادة الاعتبار لقاعدتى تكافؤ الفرص والمبادرة الفردية، تصبح مسئولية المجتمع ومسئولية المواطن هى تغليب الإرادة الشعبية وفرض القاعدتين رغما عن منظومة الحكم / السلطة تدريجيا وبسلمية فى جميع النقاط والمساحات الممكنة فى المجالين الخاص والعام ونشر الوعى بالارتباط العضوى بينهما وبين سعادة الإنسان / الفرد / المواطن وتقدم الوطن.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved