شركات الدواء لا تخسر
صفوت قابل
آخر تحديث:
الثلاثاء 7 يونيو 2016 - 10:05 م
بتوقيت القاهرة
كما كان متوقعا أعلن وزير الصحة فى 16 مايو عن قرار مجلس الوزراء بالموافقة على زيادة 20% فى أسعار الأدوية التى يقل سعرها عن 30 جنيها، وبرر الوزير ذلك بأن هناك نحو 4 آلاف صنف دواء غير متوافر بالسوق، وهى الأدوية ذات الأسعار المنخفضة، والتى لم تعد الشركات تنتجها بسبب زيادة تكلفتها مع بقاء أسعارها ثابتة.
وكما هو الحال فى السوق المصرية كان ذلك إشارة البداية لزيادة أسعار كل الأدوية وبنسب تجاوزت ال20% التى وافقت عليها الحكومة وكان التعليل لذلك أن الزيادة تم حسابها على أساس الشريط وليس العلبة، وبعد أن ارتفعت صرخات المرضى عادت الحكومة لتحاول تصحيح ما فعلته بالنشر أن الزيادة ستكون على أساس العبوة.
وبالطبع فالكل يدرك أن التصريحات الحكومية بالمحاسبة للمخالفين مجرد تهديدات فارغة لا تتحقق، وأن سوق الدواء قد زادت الفوضى بها وأن سعر كل دواء سيخضع لكيفية تحديده من الشركات المنتجة والموزعة وصولا إلى فرض ما تطالب به الشركات من إلغاء تسعيرة الدواء والذى يتعجبون من أنه هو السلعة الوحيدة التى يتحدد سعرها جبريا، وعلينا أن نحذر من حدوث ذلك، وهو ما أصبح متوقعا بعد أن نجحت الشركات فى فرض زيادة الأسعار بعد توقفها عن طرح الأدوية فى الأسواق وأصبح لدينا ما يسمى بالأدوية المختفية.
***
الحق فى العلاج من الحقوق الأساسية للمواطن، ولكن مع تراجع الإنفاق الحكومى على الصحة أصبح المواطن مطالبا بتوفير دوائه حتى لو ذهب لمستشفى حكومى، ومع حقيقة تزايد المرض فى أرجاء المحروسة ارتفعت المبيعات السنوية للأدوية إلى أكثر من 40 مليار جنيه، وهو ما يوضح الحجم الكبير للأرباح التى تجنيها الشركات من المتاجرة بأمراض المصريين.
ولكى ندرك الحقيقة فى تسعير الدواء وهل تراعى الحكومة مصالح المرضى، علينا بمعرفة القواعد التى تحكم تسعير الدواء، ومن آخر قرارات وزارة الصحة بشأن تسعير الأدوية الجديدة القرار رقم 499 لعام 2012 والذى وضع نظاما جديدا لتسعير الدواء، وتضمن القرار تسعير المستحضر الأصلى طبقا لتحديد حساب سعر البيع للجمهور على أساس أقل من سعر بيعه فى البلاد التى يتداول بها المستحضر بـ 35%، وهو ما يوضح أنه كانت هناك قرارات حديثة لأسعار الدواء وليس كما تقول الشركات إن الأسعار لم تتحرك منذ الثمانينات، كما أن الحكومة قد خضعت للشركات بربط الأسعار بالأسعار العالمية دون مراعاة لاختلاف مستويات الدخول، وهو ما يوضح أن تسعير الدواء فى مصر يراعى فى الأساس مصالح الشركات ويحقق لها مطالبها التى لا تتوقف عن المطالبة بزيادة الأسعار، وبالإضافة إلى قوة الشركات الاحتكارية هناك بالطبع تبادل المصالح.
المشكلة الحقيقية ليست فى ارتفاع سعر الدولار فالشركات تحصل عليه بالسعر الرسمى من البنك المركزى وحتى بعد زيادته فإن تأثير هذه الزيادة يمكن استيعابها وفقا لدراسة للمركز المصرى للحق فى الدواء حيث إن نصيب العبوة من المادة الفعالة التى يتم شراؤها بالكيلو نصيب ضئيل لا يبرر هذه الزيادة بل هى حجة للمزيد من زيادة الأسعار مع كل زيادة فى سعر الدولار.
ما يدور الآن هى معركة لفرض السيطرة على سوق الدواء فالشركات تريد أن تتخلص من التسعيرة الجبرية للدواء ومع ضعف الحكومات المتعاقبة وتشابك المصالح بدأت الشركات فى فرض إرادتها من خلال التوقف عن الإنتاج وهو ما رضخت له الحكومة، ففى اعتقادى أن هذه خطوة نحو تحرير سوق الدواء وترك الشركات تحدد الأسعار وتعتمدها الحكومة بحجة أن ذلك لمصلحة المريض بدلا من اختفاء الدواء بينما لا تراعى الحكومة أن الأكثر ضررا أن يتوافر الدواء ولا يتوافر ثمنه للمريض.
ومما يزيد من قوة الشركات الخاصة أن شركات القطاع العام للدواء تمثل النسبة الأقل فى سوق الدواء (8 شركات من 59 شركة تعمل فى مجال الأدوية) وبالطبع تتعرض الشركات الحكومية للخسائر والسبب الرئيسى لذلك هو إهدار المال العام والفساد وتزايد العمالة عن الحاجة حيث يتم التعيين وفقا للمحسوبية دون حاجة العمل لذلك، ويمكن الرجوع لتقارير الجهاز المركزى للمحاسبات للتأكد من أسباب الخسائر.
***
أما تبرير زيادة الأسعار بأن الشركات تخسر من إنتاج هذه الأدوية فيمكن الرد عليه بالآتى:
1ــ أن غالبية الأدوية الرخيصة الثمن من إنتاج القطاع العام والذى يحتاج إلى علاج لمشاكل إهدار المال العام والتجديد، وبالتالى ستستمر خسارته لعدم علاج مشاكله الإدارية، بينما استفادت الشركات الخاصة ورفعت أسعار منتجاتها.
2ــ أن ما يهم الشركة هو أرباحها الإجمالية وليس ربح كل دواء، وبالتالى فمن المتعارف عليه فى مجال الأعمال عالميا أن الشركة قد تخسر فى عدة منتجات ولكنها تربح من منتجات أخرى مما يؤدى فى النهاية إلى أنها تحقق مكسبا ويظل أسمها متداولا فى السوق.
3ــ سوق الدواء فى مصر ضخم مما يؤدى إلى زيادة المبيعات ويفترض أن يؤدى ذلك إلى خفض التكاليف، وهو ما لا يحدث لأن صناعة الدواء لدينا هى مجرد صناعة تعبئة حيث يتم استيراد كل المكونات وبدلا من استغلال حجم السوق الكبير فى تعميق الصناعة يكتفى المحتكرين بالاستيراد والشكوى من زيادة سعر الدولار لتبرير زيادة أرباحهم من المرضى المساكين.
4ــ هل قامت الحكومة بفحص ميزانيات الشركات الخاصة لتعرف كيف يتم الإنفاق ببذخ على الدعاية وتقديم الهدايا للأطباء لكى يصفوا دوائهم للمريض وحجم المرتبات والمكافأت المغالى فيها وكلها بحجة أنهم قطاع خاص ويحددون ما يناسبهم، وكل ذلك على المرضى أن يتحملوه من خلال زيادة أسعار الدواء.
أخيرا إذا كانت الحكومة لا ترغب فى إصلاح خلل شركات الدواء الحكومية وتريد أن تغطى الفشل فى إدارة هذه الشركات من خلال زيادة أسعار الدواء، وإذا كانت لا تقوى أو لا ترغب فى التصدى لتوقف الشركات الخاصة عن الإنتاج للضغط من أجل زيادة الأسعار وتكتفى بمناشدة الشركات أن لا تتجاوز الزيادة عما قررته وهى تعرف أن الشركات قد انطلقت تحت غطاء الموافقة الحكومية على زيادة 20% لزيادة أسعار كل الأدوية سواء أقل أو أكثر من 30 جنيها – إذا فعلت الحكومة ذلك – أليس صحيحا أن أقول إن الحكومة قد باعت المرضى للشركات.