علم ثورة العقول واللاعنف

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الثلاثاء 7 يونيو 2016 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

وكأن أوهام الطابور الخامس وحروب الجيل الرابع والأحاديث الزائفة عن تآمر الغرب (بينما حكومات دوله الكبرى داعمة ومتعاونة) ليست بكافية لامتهان الحقيقة والوعى والموضوعية، إذ بالسلطة الحاكمة فى مصر تتفوق على نفسها وتتخذ من العقل عدوا مباشرا.


تقول الرواية الحالية، وأكتب الآن من داخلها دون تعليق فعبثها يعجز كل تعليق، إن المؤسسات والأجهزة الأمنية وضعت أياديها على علم جديد وخطير وبدأت فى تعقب أتباعه الذين يهددون بهدم الدولة: علم ثورة العقول واللاعنف.


ووفقا «للخبراء» المختصين بحماية الدولة المصرية وأمنها القومى، يستند هذا العلم الجديد إلى مفاهيم تحرض الناس على الدفاع عن حقوقها وحرياتها كالحق فى الكرامة الإنسانية وحرية التعبير عن الرأى على سبيل المثال. كارثة كبرى تلك التى تنتظر مصر، إذن، ما لم يمنع انتشار علم ثورة العقول واللاعنف ويقاوم تطور وعى الناس باتجاه العودة إلى طلب الكرامة والحرية.


وفقا «للخبراء» أيضا، يروج علم ثورة العقول لمفردات ضارة وخطيرة تدعو الناس إلى رفض الصمت على جرائم التعذيب والاختفاء القسرى، وإلى المطالبة بإعادة النظر فى القوانين المعمول بها فى البلاد لكى لا يفلت المتورطون فى التعذيب والانتهاكات الأخرى من المساءلة والمحاسبة القضائية.

خبراء الأمن والاستراتيجية لا يرون بالقطع تهديدات ترد على سلامة الدولة وأمنها أعمق من نشر مثل هذه المفردات الخطيرة، والمزاعم المتعلقة بجرائم وانتهاكات ومحاسبة. فكل ذلك فى عرفهم ينهض بينة قاطعة على الخط المستقيم الذى يربط بين الطابور الخامس وأهل الشر وحروب الجيل الرابع وبين العلم الجديد، خط الخيانة والتآمر لإسقاط الدولة وتشويه صورتها فى الداخل والخارج.


أما أتباع العلم الجديد، فهم وفقا للخبراء الذين يتعقبونهم ويعدون لهم الأحراز، يدبجون الكتابات والمقالات، التى تزعم أن الخطر الفعلى على الدولة وأمنها هو الظلم الذى يقوض مبادئ سيادة القانون ويقضى على قيم العدل والحرية. بل إن بعضهم، على ما تثبته بالدليل القاطع التحريات الأمنية والتحقيقات ، تورط فى العمل على رفع الظلم باقتراح تعديلات قانونية محددة وبالدفاع عن المظلومين وبالتعبير العلنى عن آراء هدامة (فى كتابات ومقالات وفى مداخلات على شبكات التواصل الاجتماعى) تدعى ضرورة التزام السلطات بصون الحقوق والحريات.


ولكى ينخروا فى عظم الدولة ومؤسساتها وأجهزتها، يوظف أتباع العلم الجديد فكرة اللاعنف التى يقيمها خبراء الأمن والاستراتيجية كمصدر خطورة بالغة.

تحريض الناس على التمسك بالنضال السلمى والعلنى فى مواجهة مصادرة الحقوق والحريات، دعوتهم إلى التظاهر للتعبير عن رأيهم بشأن القضايا الوطنية، رفض كل تبرير للعنف الأهلى وإدانته دون تمييز، هذه هى المضامين الرئيسية لفكرة اللاعنف. وفى مواجهتها ومواجهة من يروجون لها اليوم أو روجوا لها بالأمس (كحركة ٦ أبريل والحركات الفوضوية الأخرى)، وأشعلوا بها مصر فى ٢٥ يناير ٢٠١١، لابد للدولة أن تئد العلم الجديد وتتعقب أتباعه بكل صرامة.


إلى هنا تنتهى الرواية الرسميةــالأمنية عن علم ثورة العقول واللاعنف الخطير، وعن أتباعه الذين يستهدفون إسقاط الدولة وتفتيت الاصطفاف الوطنى. وهنا تنتهى مهمة الكلمات، ويتمدد الصمت يأسا من حال حكم لم يكفه امتهان العقل بأوهام الطابور الخامس وحروب الجيل الرابع فقرر استعداء العقل نفسه.

لك الله يا مصر

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved