التراث الدينى المشترك
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 7 يونيو 2022 - 7:55 م
بتوقيت القاهرة
شاركت منذ أيام فى احتفالية عقدتها جامعة الزقازيق بمناسبة ذكرى مجىء العائلة المقدسة إلى مصر. مناسبة ظاهرها دينى، لكنها فى باطنها حضارية، إنسانية، تخص المصريين جميعا. قدم الحفل عرضا استعراضيا بديعا قامت به طالبات كلية التربية الرياضية، أبهر الحضور، الذين كانوا من أطياف المجتمع الدينى والسياسى والثقافى، وبعضهم تحدث عن أنه يرقى إلى أن يقدم فى الأوبرا المصرية.
الاحتفال الذى يجرى للعام الثانى على التوالى، جاء بدعوة ورعاية رئيس الجامعة الدكتور عثمان شعلان، وهناك بعثة علمية تابعة للجامعة كان لها دور إيجابى فى السابق فى الكشف عن إحدى علامات مسار العائلة المقدسة. ويحمل الاحتفال رسائل ودلالات مهمة. فهو يشير ــ أولا ــ إلى أن الدولة ترعى التراث الدينى على تنوعه وثرائه، وإذا كانت تهتم بإحياء مسار العائلة المقدسة، فهى تهتم كذلك بالمزارات الإسلامية، والمعابد اليهودية، على غرار ما حدث فى معبدإلياهو هنابى بالإسكندرية. التراث الدينى المصرى ملك كل المصريين، وحق لهم، ليس فقط فى نظرتهم الإنسانية العميقة لتاريخهم، وأيضا فى آفاق التنمية المستقبلية، حيث يتحول هذا التراث إلى مصدر تنمية، وتطور، وتغيير فى المجتمع المصرى، بوصفه موردا حضاريا يمتلكه، أكثر رقيا واستدامة من موارد أخرى مادية.
الرسالة التى يحملها الاهتمام بالتراث الدينى المتنوع لها أكثر من وجه، فهى تعبير عن مواطنة، وإدراك لأهمية البعد الحضارى لكل الأديان التى عرفتها مصر، وهى أيضا ضرب للبنية التحتية للتطرف، التى أكثر ما يزعجه هو التنوع، وأكثر من يريحه هو وجود جماعة بشرية ذات لون واحد يسهل على قوى التطرف الهيمنة عليها.
النموذج الكلاسيكى للتطرف هو ما فعلته «داعش»، فقد سعت بكل ما تملك إلى محو تراث الشعوب، سواء فى الآثار المادية، أو فى واقع التنوع البشرى الحى. دمرت آثار قديمة، ومزارات إسلامية ومسيحية، وسعت إلى إبادة التنوع الدينى والمذهبى والعرقى، حتى المرأة لم تسلم من تطرفهم، وأعادت إلى الحياة ممارسات منحطة لفظتها البشرية منذ قرون. حين يجف التنوع، يصبح من السهل الهيمنة على ما تبقى من المسلمين بأساليب القهر والتسلط، والضغط النفسى والإنسانى، وفرض أنماط كئيبة للحياة عليهم. لا نستغرب حين تعلق الناس بالطائرات فى أفغانستان هربا من عودة طالبان، أو من استبعاد النساء وقهرهم على يد بوكو حرام فى أفريقيا، فجميع ممارسات التنظيمات المتطرفة توضع تحت لافتة كبرى هى معاداة التنوع الانسانى.
الاحتفاء بالتراث الدينى المتنوع فى مصر هى رسالة إلى أن الحضارة مصدر إلهام وإبداع، والتنوع منبع ثراء للإنسان والمجتمعات، ولا يمكن أن تكون الحياة لونا واحدا، بل ألوانا متعددة فى إطار الهوية الوطنية التى تجمع فى رحابها كل المواطنين بصرف النظر عن الاختلاف فى اللون أو الدين أو العرق أو النوع أو ما شابه.
تبدأ معركة تغيير المجتمعات بالذهن، واستدامة التغيير تكون بالثقافة، وحماية المستقبل تكون بالتنمية التى تحتضن كل المواطنين.