خدنا إجازة


رضوى أسامة

آخر تحديث: الأربعاء 7 يوليه 2010 - 9:44 ص بتوقيت القاهرة

ما زلت أتذكر اليوم الذى ننتهى فيه من هم الامتحانات السخيفة ونأخذ الإجازة، نظل طوال فترة الامتحانات نحلم بالإجازة إلى أن تأتى، وكثيرا ما كانت تفقد بريقها سريعا لنشعر بالملل والرغبة فى الدراسة مرة أخرى.

الكثيرات من الأمهات تنتظرن الإجازة بفارغ الصبر بعد أن تعبت أعصابهن فى المذاكرة مع الأولاد، وللأسف لا يخطط الكثيرون لهذه الإجازة بالشكل الذى تستحقه. حكت لى صديقتى أنها حرمت منذ طفولتها من لعب الرياضة، وأنها كانت تتمنى أن تلعب وسط فريق، هذه الصديقة دوما تشعر بأنها لم تعش طفولتها كما ينبغى.

يمارس الأهل دون قصد إساءات كثيرة لأطفالهم خلال إجازة الصيف، فالكثير منهم يتركون الأطفال فى الشارع يلعبون مع أبناء الجيران، وكم المهازل التى يمكن تخيلها كثيرة جدا!

منذ أن بدأت الإجازة، وأنا أستمع يوميا إلى نداءات جارتى على ابنها الذى يلعب فى الشارع حتى الثانية عشرة مساء، ونداءاتها المستمرة عليه وتوسلاته لها بأن يجلس مع أصحابه لساعة أخرى.

فى رأيى أن الإجازة أهم بكثير من الدراسة وأننا يجب أن نخطط لها جيدا مع الأطفال، ويجب أن تكون هناك عدة أهداف لدىّ أريد أن أحققها فى هذه الإجازة ومهارات عدة أريد إكسابها للطفل.

وهذا أجدى مائة مرة من تركه فى الشارع أو أمام التليفزيون أو شاشة الكمبيوتر لساعات، كيف نخطط للإجازة هذا أمر ضرورى جدا لنمو شخصية طفلك وإكسابه العديد من المهارات.

وهذا التخطيط يحتاج إلى الحكمة أيضا، فلدىّ طفلة فى العيادة لديها ثمانى سنوات، تقوم أمها بتحفيظها قرآن، وتلعب رياضتين فى النادى لا تحبهما، وتذاكر للعام المقبل، وليس لديها أى وقت فراغ نهائيا، بل على العكس تشعر بالضغط المستمر حتى إنه أصيبت بنوبات بكائية مستمرة، وهو ما يعد شكلا آخر من أشكال الإساءة.

من المهم أن يختار الطفل الرياضة التى يفضلها، ومن الطرق المفيدة لذلك، أن نصطحب الطفل لأيام متتالية فى النادى ليشاهد ألعابا مختلفة يختار من بينها، ويجب أن نتسم بالمرونة، فبعد اختيار الطفل للعبة والبدء فيها يمكن أن يكتشف أنه لم يحبها، وقتها يمكننا أن نتفق معا على إعطائه مهلة لمدة شهر لإستكمالها، وإذا لم يغير رأيه فعلينا بالبحث عن رياضة أخرى.

أيضا يجب أن أكون مهتما بتنمية قدراته فيما هو متميز فيه، فإذا اكتشفت أنه يفضل الموسيقى، ابحث عن ورش متخصصة للأطفال، وكذلك الحال بالنسبة للرسم، والآن أصبح هناك العديد والعديد من الورش، التى تقدم للأطفال وتهتم بتنمية مهاراتهم.

أيضا من الأشياء المهمة والمؤثرة فى تنمية شخصية الطفل، السفر فى معسكرات، وهو أمر تقدمه الكثير من المدارس والنوادى ومراكز الشباب، ولا يقبل عليه الكثير من الأهالى، أنا شخصيا فى طفولتى لم أحصل على فرصة للسفر وحدى مما أعاق شعورى بالاستقلال لفترة طويلة، فأول مرة سافرت فيها وحدى كنت فى الثالثة والعشرين، ولدىّ شعور بالانزعاج الشديد من فكرة السفر وحدى.

بينما طفل صديقتى والذى لم يتعد الثامنة يسافر سنويا معسكرين فى السنة، ويستمتع كثيرا، ولم يحدث له أى مكروه نهائيا.

فكثير من الآباء يرتعبون من فكرة سفر أبنائهم فى معسكر وتظل الأفكار السلبية تراودهم وتمنعهم من الموافقة على هذه الأشياء، مما يعطل نمو الأبناء.
الإجازة فرصة حقيقية لإعادة بناء شخصية الأبناء وتطويرها دون ضغوط، منذ أيام كانت صديقتى تحكى لى عن ابنتها وكيف أن شخصيتها تتحول إلى الإيجابية والتميز فى الإجازة عكس أيام الدراسة، التى تشعر خلالها البنت بالضغط المستمر والحمل الفظيع.

بالفعل الدراسة بشكلها الحالى لا تناسب قدرات جميع الأطفال، وتعد أحد أهم المعوقات فى استكمال نضجهم، لكنه ليس موضوعنا الآن، فلنستغل الإجازة فى إعادة بناء شخصية أبنائنا.

وحتى لا يعتقد الآباء أن مثل هذه الأشياء مكلفة، فالكثير من الورش التى تقدم للأطفال مجانية، كما أن المدارس الآن أصبحت تقيم نوادى صيفية تقدم من خلالها العديد من الأنشطة، فقط يحتاج الأمر منا مجهودا مضاعفا فى البحث عما نقدمه لأطفالنا من أنشطة واكتشاف لمواهبهم وتنميتها.

أعرف أن الأمر مجهد وأن الكثير من الأهالى يفضلون الإجازة لترك الأطفال ينعمون بالحرية وينعمون معهم بالحرية بعد أن افتقدوها طيلة فترة الدراسة، لكن بناء شخصية الطفل أمر ليس سهلا ويحتاج إلى مجهود مضاعف، فثماره ستمنحك إحساسا مضاعفا باللذة والأمان.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved