حتـى لا تكـون آخـر سطـور الديمقراطيـة
أحمد عبدربه
آخر تحديث:
الأحد 7 يوليه 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
للديمقراطية سطور كثيرة، فهناك سطر البداية الوعرة، وهناك سطر التعثر، وهناك سطر اعادة التعريف وهناك سطر التجويد، لكن آخر سطورها بكل تأكيد هو أن تنقلب على آلياتها بدعوى غياب ثقافة ممارستها، فلا ثقافة بدون ممارسة ولا ممارسة بدون أخطاء! أعلم تماما أن التحليل والتنظير والتقعير يتقزم أمام حركة الجماهير وهديرها، ولكن تحليل مكروه أفضل من أخر انتهازى يتغير بتغير حركة الجماهير فيهبط ويصعد مع موجاتها، ويتبدل بتبديل المواقف والتوازنات والميادين. لهذا فدعنى عزيزى الثائر أصارحك (وأتمنى ألا أكون مستفزا لك) فى السطور القادمة بمجموعة من محاذير الفترة القادمة والتى عليك أن تستوعبها جيدا حتى تكون مدركا لخياراتك فى الفترة القادمة من عمر البلاد:
إن أكبر محاذير الفترة القادمة هو أن شرعية وقيمة الصندوق كمعيار لتداول السلطة اختلت لصالح قيمة الحشد فى الشارع، ولأن الحشد فى الشارع أسهل من وضع مشاريع وبرامج تشكل بدائل للسلطة الحاكمة، فعليك أن تتفهم أن اسقاط رؤساء مصر القادمين ومحاصرتهم أمرا لن يتوقف على مرسى وإن كنت تعتقد أن هذه هى الموجة الثانية من الثورة (وهذا صحيح) فعليك أن تتفهم أن موجات أخرى كثيرة قادمة ومع كل موجة ستتغير المعادلات والتوازنات وسيتحول مبدأ التداول السلمى للسلطة الراسخ فى الديموقراطيات إلى مبدأ التدافع الشعبى على السلطة وللأخير ثمن قاسى أهمه غياب الاستقرار السياسى اللازم لتعضيد الديموقراطية نفسها.
●●●
أما التخوف الثانى للفترة المقبلة من عمر مصر يتمثل فى تشتت وضياع معنى «مدنية الدولة» ذلك أنه وبوضح وجلاء استدعى كثر ممن ينتمون للتيار «المدنى» خلال الفترة الماضية الجيش إلى المشهد وراهن عليه، صحيح أن خيارات الجيش أمام ما حدث فى ال٣٠ من يونيو خاصة مع عدم تقدير مؤسسة الرئاسة للمشهد كانت خيارات محدودة، لكن وبكل تأكيد كانت تعلم قوى التيار المدنى أنه لا تنازلات مؤلمة من الرئاسة دون استدعاء الجيش وهو مايعنى فى التحليل الأخير أن «مدنية» مصر ستظل فقط مضادة ل»أدينتها» لا ل»عسكرتها» وهو عكس ماهو مستقر فى أعراف الدول المدنية الديمقراطية!
● ويأتى ثالث التخوفات من الإقصاء وضياع مبداء التعددية الذى تغنينا به كثيرا خلال الفترة الماضية، صحيح أن الجيش أوضح بجلاء أنه «لا إقصاء» إلا أن الرسائل التى أرسلت من معظم التيارات المعترضة خلال الفترة الماضية أوضح للإسلامين أن المشكلة لاتكمن فقط فى سوء أداء الرئيس المعزول ولكنها قد تتخطاها لتكمن فى الرغبة فى تهميش الإسلاميين وربما استبعادهم رويدا رويدا من اللعبة السياسية، وتقديرى أن التيار الإسلامى لايبالغ فى هذا، فهناك مؤشرات واضحة أرجو ألا تتطور، تؤكد أن المعركة الثانية ستكون فى فرض وصاية على الإسلاميين فإما التسليم بها أو الاستبعاد وهو ما قد يعنى عنف سياسى يفضى إلى دماء أزهقت ومازالت فى شوارع المحروسة.
●●●
أما التخوف الرابع فيأتى من استنزاف الشباب خلال الفترة القادمة وتحميلهم فواتير تصفية الحسابات المعقدة بين النظام القديم وأجهزته والتيارات الإسلامية والثوار، فضلا عن تصفية حسابات أخرى لاتقل أهمية ولاتعقيد للقوى الداخلية والإقليمية والدولية وهى كلها فواتير ثورة يناير التى لم تسدد بعد، وأخشى أن دفع الشباب لمقاعد القيادة فجأة خلال تلك الفترة غير المستقرة يستنزفهم ويحملهم فواتير الماضى ثم يعريهم أمام الجماهير المحتقنة دوما فتنتهى أسطورة تمكين الشباب إلى الأبد!
● ثم تأتى الفاتورة الأكثر كلفة، فقطاع عريض من الإسلاميين كان بالفعل بدأ التجاوب والاندماج (حتى لو ببطء) مع قيم ومبادئ الدولة الحديثة ودستورها وديموقراطيتها، والمقارن بين مظاهرات الإسلامين فى بداية الثورة حيث رفعت الأعلام السوداء والمطالبة بتطبيق الشريعة ودولة الخلافة ومظاهرات رابعة حيث رفعت الأعلام المصرية وكانت المناداة بالشرعية والديموقراطية، يعلم معنى ما أقول، وأخشى أن يكون الثمن القادم هو اتجاه أبناء التيار الإسلامى إلى التطرف الفكرى والاغتراب المجتمعى ومعاداة الدولة القومية مرة أخرى.
●●●
أما المحذار الأخير وربما الأكثر ألما هو أن نتساءل وبوضح من سيدير الدولة خلال الفترة القادمة؟ إدارة الدولة تحتاج إلى مشاريع سياسية وتصورات وآليات وتوقيتات والسبب الأساسى وراء فشل مرسى هو هشاشة مشروع النهضة (بفرض وجوده أصلا)، ولكن لننتقل إذا إلى السؤال الأكثر ألما وهل تمتلك قوى المعارضة التى اعتلت المشهد موخرا مشروعا بديلا؟ بكل تأكيد لا تملك أيضا اللهم إلا أفكار عامة وشعارات وهو ما يعنى فى التحليل الأخير أن الدولة وخلال المرحلة القادمة ستدار بواسطة مكينتها القديمة وهو سيمثل هزيمة نفسية خطيرة وصدمة جديدة للثوار وحلمهم الذى يظنون مع كل موجة ثورية الاقتراب منه ثم مايلبثوا أن يصتدمون بصخو الحقيقة المرة!
●●●
لا تهدف هذه السطور إلى إحباطك ولا لتثبط همتك وعزيمتك وأنت مقبل على فترة جديدة من عمر الثورة وخاصة أن النظام المعزول هو من يتحمل ذلك المصير، ولكن أكتب كى يفهم الشباب والثوار وجموع الشعب محددات ومحاذير اختياراتهم، فلا خيار بلا ثمن وما سبق هو الثمن الذى سيدفع حتما خلال المرحلة القادمة فلا داعى لرفع سقف التوقعات تأثرا بتلك اللحظة الواعدة أو بذلك الميدان الهادر، أخشى أن نكون فى تلك اللحظات مبدلين لمعادلات وتوازنات السلطة ونغير نكهاتها دون أن نتحداها لذا فقد لزم التنويه.
مدرس النظم السياسية المقارنة بجامعة القاهرة