الثورة المصرية وأسواق النفط العالمية
وليد خدوري
آخر تحديث:
الأحد 7 يوليه 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
من الملفت للنظر، أن أسواق النفط العالمية حافظت على استقرارها خلال الثورتين المصريتين: ازاحة الرئيس حسنى مبارك وثم الرئيس محمد مرسى. وقد توقع المراقبون فى المناسبتين، بالذات أثناء الثورة الاولى، أن ترتفع الاسعار إلى مستويات عالية وبسرعة، لكن رغم ذلك استقرت الاسعار على مستواها.
لقد حافظت الاسعار على مستواها نحو 100 دولار لسعر برميل سلة نفوط اوبك (وهى سلة من النفوط المختلفة لدول اوبك تستعملها المنظمة فى قيلس معدل اسعار نفوطها)، فى كلا الحالتين، مع بعض الفروقات فى التخوفات ما بين الحالة الاولى والثانية. فقد تخوفت الاسواق أثناء الثورة الاولى، من انتشار «الربيع العربى» إلى دول الخليج النفطية حيث كانت رقعة التغييرات قد انتشرت إلى أكثر من دولة عربية وقد شملت تونس واليمن وليبيا. وكما هو معروف فإن اسواق النفط تتخوف أكثر من الاحداث فى الدول النفطية نفسها، ومن ثم الدول المحيطة بها، وإن كانت قليلة الانتاج. ولمصر موقع خاص هنا، فهى قليلة الانتاج النفطى (يقل الإنتاج الحالى للنفط المصرى عن مليون برميل يوميا) إلا إنها فى نفس الوقت معبرا مهما لنقل النفط الخام والغاز المسيل من الدول المنتجة إلى الدول المستهلكة. والخوف الثانى فى حينه هو احتمال إغلاق قناة السويس. أما فى الثورة الثانية، فقد كانت الظاهرة مصرية بحتة وتركز التخوف فى الأسواق على إحتمال اغلاق قناة السويس فقط. لكن فى كلا الحالتين تراوحت الأسعار فى نطاق ضيق لا يشكل تغيرا كبيرا فى تذبذبذبات الأسعار.
●●●
وكدلالة على استقرار أسعار النفط فى الأشهر الاخيرة، تشير المعلومات المتوفرة مؤخرا من سكرتارية منظمة اوبك، أن معدل سعر سلة نفوط اوبك حتى الآن لعام 2013، هو: 105.09 دولار. ومعدل سعر السلة خلال الربع الأول لعام 2013 هو 109.48 دولار. وقد انخفض معدل سعر سلة نفوط اوبك خلال الربع الثانى لعام 2013 إلى 100.90 دولار. أما معدل سعر سلة نفوط اوبك خلال الأشهر الثلاثة الاخيرة، فقد حافظ على استقرار ملحوظ: فقد سجل المعدل 101.03 دولار لشهر يونيو2013 ، وكان المعدل فى شهر مايو 2013 نحو: 100.65 دولار، وفى شهر أبريل 2013، كان المعدل لسلة نفوط اوبك نحو: 101.05 دولار. وإن دلت معدلات الأسعار هذه خلال هذا العام عن مؤشر محدد فهو استقرارها ضمن نطاق ضيق نسبيا، يتراوح بحدود عشرة دولارات على الأكثر ضمن فترات قريبة، مما يعنى أن اسعار النفط قد صمدت امام التحديات الخارجية، من ضمنها الثورة المصرية، ناهيك عن الثورة السورية والملف النووى الإيرانى وما صاحبه من تهديدات باحتمال اغلاق مضيق هرمز فى حال حصل هجوم امريكى أو اسرائيلى أو هجوم مشترك للدولتين سوية ضد المنشات الإيرانية، وبقية المتغيرات السياسية المهمة فى المنطقة العربية، هذه المنطقة التى طالما تلفت انتباه المراقبين لما تحتويه من احتياطات نفطية وطاقة انتاجية عالية.
●●●
تكمن اهمية مصر النفطية فى حجم امدادات النفط التى تعبر قناة السويس، والتى تشكل نحو 2.5 بالمائة من مجمل امدادات النفط التى يتم تداولها عبر الأسواق النفطية العالمية يوميا والتى تبلغ تقريبا نحو 90 مليون برميل يوميا. لقد انخفضت حصة قناة السويس من كمية الامدادات النفطية التى يتم تداولها عالميا عن معدلاتها العالية السابقة، لأسباب عدة، منها: تصدر دول الخليج اغلبية نفوطها حاليا شرقا إلى الدول الاسيوية، بدلا من الاتجاه غربا إلى الدول الاوروبية الصناعية. وبالفعل، فقد فاق مؤخرا استهلاك الدول النامية والناشئة للاستهلاك النفطى للدول الغربية الصناعية، كما نجد أن معدل النمو السنوى لاستهلاك الدول الناشئة (الصين والهند وكوريا الجنوبية وغيرها) من النفط هو أعلى من الدول الصناعية. ومن الملاحظ انه فى العامين الاخيرين، تقلص الاقتصاد الاوروبى ومن ثم انخفضت معدلات استهلاك النفط الخام.
أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن كمية النفط المصدر من دول الخليج العربى إليها محدودا، لا يتجاوز بضعة ملايين من البراميل يوميا وهى تختلف من شهر إلى آخر حسب متغيرات الطلب فى الأسواق، ومعظم النفط العربى المصدر إلى الولايات المتحدة هو من السعودية (نحو 1.50 مليون برميل يوميا) بالاضافة إلى العراق نحو 700 ألف برميل يوميا والكويت نحو 200 ألف برميل يوميا. ومعظم هذه الامدادات تصدر على ناقلات ضخمة جدا، تتفادى قناة السويس وتبحر بدلا عن ذلك من الخليج العربى إلى المحيط الاطلسى عن الطريق الجنوبى بمحاذاة ساحل جنوب افريقيا ومن ثم الموانيء الأمريكية. كما إن انتاج النفط الخام فى ازدياد ملحوظ فى الولايات المتحدة بسبب اكتشافات النفط الصخرى، من ثم فقد استبدلت الولايات المتحدة الكثير من استيراداتها النفطية بالإنتاج المحلى. وخير مثال على هذا التغيير هو من نيجيريا، أكبر دولة منتجة للنفط فى افريقيا. فقد اضطرت نيجيريا خلال السنتين الماضيتين، ايقاف صادراتها للنفط الخام الى امريكا، هذه السوق التى كانت تستوعب جل صادراتها، وحولت الآن صادراتها النفطية شرقا إلى الاسواق الاسيوية. وتنهج انجولا كذلك نفس النمط فى تغيير منحى صادراتها للنفط الخام. وهذه ظاهرة اقتصادية ستتوسع تدريجيا، مع نمو صناعة النفط الصخرى فى الولايات المتحدة، حيث سيحل الاكتفاء الذاتى، بل حتى التصدير بدلا من الاستيراد فى أهم دولة مستهلكة ومستوردة للنفط الخام.
مستشار فى نشرة ميس “MEES” النفطية