عيد الفطر فى زمن دونالد ترامب
محمد المنشاوي
آخر تحديث:
الخميس 7 يوليه 2016 - 9:15 م
بتوقيت القاهرة
جاء عيد الفطر هذا العام بالتزامن مع أوقات عصيبة يعيشها المسلمون فى الولايات المتحدة مع تصاعد غير مسبوق فى شعبية الخطاب الدعائى المناوئ لهم من قبل ساسة جمهوريين؛ على رأسهم مرشح الحزب الجمهورى الساعى للوصول للبيت الأبيض دونالد ترامب. وخلال حملته الانتخابية التى بدأت قبل عام، ولم تنته بعد وستستمر حتى الثامن من نوفمبر القادم؛ أى أكثر من أربعة أشهر كاملة، تعهد ترامب بالنظر جديا فى موضوع إغلاق بعض المساجد وتشديد الرقابة على بعضها الآخر، كما قطع عهدا باستصدار بطاقات هوية خاصة بالمسلمين. كما تحدث عن إنشاء قاعدة بيانات فيدرالية لتعقب وتتبع ومراقبة المسلمين المقيمين فى الولايات المتحدة، ناهيك بالطبع عن أكثر وعوده خطورة والمتمثل فى منع كل المسلمين من دخول البلاد.
***
تقدر أعداد المسلمين فى أمريكا بـ3.3 مليون مسلم، يؤدون عباداتهم فى 2500 مسجد تتوزع على جميع الولايات الـ50، منهم مليون مسلم أمريكى لديهم حق التصويت والانتخاب، ما يمنح صوتهم ثقلا وأهمية فى بعض الولايات المتأرجحة كميشيجان وأوهايو وفرجينيا. لكن أيا من ذلك لم يردع ترامب عن الاستمرار فى الكيل بعبارات أكثر حدة ونبرة ضد الإسلام والمسلمين بصورة تثير الكثير من القلق. ويبدو جليا أن عواصف ترامب الكلامية ضد الأجانب قد أثرت كثيرا على مسلمى أمريكا سلبا وإيجابا فى الوقت نفسه. فعلى سبيل المثال أظهر تقرير صدر أخيرا عن مركز «التفاهم الإسلامى المسيحى» بجامعة «جورج تاون» تصاعدا واضحا جليا فى أعمال العنف المرتكبة بحق المسلمين فى الولايات المتحدة تزامنا مع الحملات الانتخابية 2016، وهو نفس ما انتهت إليه دراسة مماثلة لبيانات مكتب التحقيقات الفيدرالية FBI. أما من الناحية الإيجابية، فقد ذكرت تقارير مختلفة تضاعف نسب تسجيل الناخبين المسلمين كى يتسنى لهم المشاركة فى التصويت القادم، كما تنشط هذه الأيام الجمعيات والمؤسسات الإسلامية فى حملات توعية سياسية بصورة غير مسبوقة.
***
عندما ذاع خبر مأساة «أورلاندو»، والتى قام بها أمريكى والداه من أصول أفغانية، والتى نتج عنها مقتل خمسين شخصا، وجرد أكثر من مائة آخرين، هو ما مثل أعنف جريمة إطلاق نار جماعى فى تاريخ الولايات المتحدة، وذلك فى ملهى للمثليين فى مدينة «أورلاندو»، خرج ترامب مسرعا للتعقيب على المأساة بتجديد عزمه منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة وإلقاء اللوم كله على مسلمى البلاد لفشلهم فى منع الهجوم والحيلولة دونه. ثم ذهب ترامب بعيدا وكتب على حسابه بتويتر وقد اعترته نشوة عارمة لثبوت صحة مزاعمه وادعاءاته بأنه «كشف الإرهاب الإسلامى على حقيقته»، مكررا نداءه بحظر دخول كل المسلمين إلى الولايات المتحدة رغم أن القاتل مواطن أمريكى مولود فى أمريكا نفسها ولا تربطه أى علاقات بالمتطرفين الأجانب. ووسع ترامب من دعوته السابقة وطالب بحظره ليشمل كل البلدان التى سبق فى تاريخها ارتكاب العنف بحق الولايات المتحدة وحلفائها، وهى توسِعةٌ ــ لو يدرى ــ ستشمل دول العالم كله. كذلك اتهم ترامب مسلمى أمريكا بالخيانة دون الاستناد إلى دليل، زاعما أنهم يتآمرون بصورة منتظمة مع المتطرفين لضرب البلاد وإخفاء من سينفذون الهجمات الإرهابية عن أعين السلطات وعرقلة تحقيقات مكافحة الإرهاب الفيدرالية.
وللأسف يبدو أن ترامب ينطق بلسان عدد كبير من الأمريكيين، فقد أظهر استطلاع للرأى أجرته فى شهر مايو الماضى صحيفة «واشنطن بوست» بالتعاون مع شبكة ABC News للأخبار، انقسام الشارع الأمريكى تجاه دعوة ترامب بحظر دخول المسلمين، حيث وافق على المقترح 43% من المشاركين فى الاستطلاع، فيما عارضه 50% وتأرجح 7%.
***
ورغم ما يظهره ترامب من جوانب سلبية أمريكية، يعكس الرئيس أوباما نمطا مغايرا تماما. وقال أوباما خلال استضافته لإفطار رمضانى مع رموز الجالية المسلمة «مع احتفالات المسلمين الأمريكيين بالشهر الفضيل أتذكر بأننا عائلة أمريكية واحدة. إننى أقف إلى جانب الجالية الأمريكية المسلمة رفضا لكل الأصوات الداعية إلى انقسامنا أو تقييد حرياتنا الدينية وحقوقنا المدنية. أقف هنا مجددا التزامى بصيانة الحقوق المدنية لكل الأمريكيين مهما كان دينهم أو مظهرهم».
وقبل عدة أشهر أقر عمدة مدينة نيويورك، وهى أكبر مدن أمريكا، «بيل دى بلاسيو» عطلتين رسميتين جديدتين لطلاب المدارس الحكومية فى مدينته، هما يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى. ويعنى ذلك أنه لن يكون هناك حصص تعليمية خلال يومى العيدين لجميع الطلبة وليس للطلبة المسلمين فقط. وقال دى بلاسيو عشية الإعلان «هناك مئات الآلاف من العائلات المسلمة لن يتوجب عليها الاختيار بعد الآن بين الاحتفاء بأقدس الأيام فى دينهم وبين حضور الحصص فى المدرسة». وخلال السنوات القليلة الماضية قررت أربع مقاطعات فى ولايات «ماساتشوستس» و«نيوجيرسى» و«ميتشجان» غلق مدارسها الحكومية للاحتفال بعيدى الفطر والأضحى. وانطلق منطق مسئولى هذه المقاطعات من أنها خطوة كبيرة فى إطار معاملة أتباع الديانات المختلفة بصورة متساوية، أسوة فى ذلك بمنح الطلاب المسيحيين، واليهود عطلات فى الأعياد. وهناك جدل كبير مستمر بين المسئولين بالمدارس العامة وأعضاء لجان المدارس لمناقشة كيفية التعامل مع التعددية الدينية التى تشهدها ولاياتهم.
***
وهكذا وعلى الرغم مما يذكره ترامب، يتناغم المسلمون فى النسيج المجتمعى الأمريكى بصورة أكبر من نظيراتها فى أى دولة غربية أخرى، وهو ما يظهر فى تمتعهم بمستويات تعليمية ووظيفية ومالية أكبر مما يتمتع به متوسط المواطن الأمريكى. ويبقى للمسلمين أن ينشطوا سياسيا بدون أى خجل وأن ينضموا للأحزاب السياسية ليس بصفتهم الدينية، بل كونهم أمريكيين لهم نفس الحقوق والواجبات كغيرهم من متبعى أو غير متبعى الديانات الأخرى.