السجون المركزية الجنائية.. كيف الإصلاح؟!
ناجح إبراهيم
آخر تحديث:
الجمعة 7 يوليه 2017 - 9:30 م
بتوقيت القاهرة
«السجن قدر» كما قال العلماء، فقد عرف عزيز مصر ومن حوله براءة يوسف عليه السلام من التحرش بامرأة العزيز، ورغم ذلك أصروا جميعا وأولهم امرأة العزيز على سجنه لتهدئة الحديث عن مراودتها له«ثُمَ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَهُ حَتَى حِينٍ» والسجن صعب وشاق، ويقال إن السجن القصير نعمة والسجن الطويل ابتلاء قاسٍ لا يصمد أمامه سوى أولى العزمات من الرجال مثل سيدنا يوسف، ولذلك كان الرسول عليه الصلاة والسلام رحيما بأمته فخاف عليهم أن يختاروا خيار يوسف الذى قال «رَبِ السِجْنُ أَحَبُ إِلَيَ مِمَا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ» ورفضه الخروج من السجن حتى تظهر براءته وهما من أصعب الخيارات وأشقهما ولو اشترط البعض ذلك الشرط الأخير ما خرج السجناء فى بلاد العرب أبدا، فقال رسول «ص» بأدبه المعهود «لو كنت مكان أخى يوسف لأجبت الداعى» أى الذى أرسله الملك يدعوه للخروج من السجن فرفض حتى تظهر براءته، فلن تجد فى كل العصور صدق امرأة العزيز وتجردها.
والسجون فى مصر دخلها أشراف الناس من كبار السياسيين والعسكريين ورجال الأعمال والعلماء والنابهين وأساتذة الجامعات والرؤساء السابقين سواء كسياسيين أو جنائيين، والبعض يتصور أن السجناء الجنائيين كلهم أشرار وهذا وهم كبير، فقد رأيت بين السجناء الجنائيين وزراء ومديرى بنوك ومحافظين وقضاة سابقين ساقتهم أقدارهم إلى هذا المصير الصعب، لظروف عصيبة مرت بهم فأخطأوا فيها أو اتخذوا سبيلا غير صائب.
وصاحبنا اليوم كان وكيلا للنائب العام، وشاء قدره أن يسجن فى قضية جنائية ساقته غفلته الحياتية إليها، فمكث فترة فى بعض السجون المركزية قبل أن ينقل إلى سجن طنطا العمومى.
لم يحطمه السجن بل زاده إصرارا على إصلاح حال السجون المركزية الجنائية وهى تلك السجون التى توجد فى كل قسم شرطة أو مركز وكذلك السجون العمومية وهى التى توجد فى كل محافظة، وهى تختلف عن السجون السياسية الكبرى مثل العقرب ووادى النطرون وأبوزعبل والغربانيات شديدة الحراسة، أو الليمانات الشهيرة مثل طرة وأبوزعبل ووادى النطرون التى يسجن بها السجناء الجنائيون الذين يقضون أحكاما كبرى، وهى ليست مجال حديث الرجل الذى لم يدخل هذه السجون لأن حكمه كان أقل من ذلك بكثير.
وحديثه اليوم عن السجون الموجودة فى كل قسم أو مركز شرطة وتسمى السجون المركزية، ولا ينكر الرجل أن موقعه السابق حماه من كثير من الأذى والنكال، ولكنه أصر على إصلاح هذه المنظومة رغم خروجه منها فهو يحب الخير للناس ويرجو النفع لبنى وطنه.
فالمسجون رغم خطئه هو إنسان ومواطن قبل كل شىء، ولا يعنى أنه يقضى عقوبة قانونية أن تهان كرامته أو تهدر آدميته أو يتعرض للأذى المادى والمعنوى دائما.
يقول أ/عبدالحى إسماعيل عن هذه السجون قائلا فى مذكرة رسمية قدمها للمجلس القومى لحقوق الإنسان وشرفنى بإعطائى نسخة منها رغم إننى لا علاقة لى بالمجلس من قريب أو بعيد، ولكنه أحبنى على المستوى الشخصى لعلة بسيطة أن مقالاتى التى كان يتابعها فى السجن ــ عبر جريدة أخبار اليوم التى كان يسمح لها بالدخول مع الصحف القومية فقط ــ وقال إن هذه المقالات بثت فى قلبه روح الأمل، ونزعت من روحه رغبات الانتقام والثأر وملأتها بالرغبة فى الحياة والتفاؤل والعفو والصفح وأنها كانت تعطيه جرعات أمل ورجاء فى الله لا حدود لها وأنها شجعته على إصلاح السجون وأن يسير مسيرة الأستاذ أحمد عزت والصحفى الشهير/مصطفى أمين وكلاهما سجن فسخر حياته لخدمة السجناء وتحسين حالة السجون، والأول أنشأ جمعية رعاية أسر المسجونين والتى كانت تشرف عليها وزارة الداخلية وتساعد السجناء والمسجونين، وأذكر أنها هى التى أدخلت مئات المبردات إلى السجون المصرية فى بداية الثمانينيات.
يقول الرجل فى شهادته: أغلب هذه السجون قديم جدا لا يصلح للحياة الآدمية، غير نظيف، دورات مياهه متهالكة قذرة، الإنارة والتهوية سيئة، يمتلئ بالحشرات، الطعام والنوم والصلاة ودورة المياه فى مكان واحد، ينفق السجناء وحدهم على إصلاحه إذا كان المأمور متفاهما يسمح بذلك، وهى أسوأ من السجون العمومية، لا تتعدى مساحة نوم السجين فى أفضل الظروف 50 ×180 سم، وهذا ذكرنى بنكتة كان يقولها بعض المعتقلين فى دعاء النوم «باسم ربى وضعت نصف جنبى» بدلا من جنبى.
ويردف أ/ عبدالحى قائلا: أما التهوية فهى أسوأ ما تكون، فهو مبنى على أساس إحكام الغلق فمع التكديس لا يكون هناك هواء، فالغرفة مخصصة لعشرة أفراد يقطنها 20 و 30 فردا، وقد يكون فى الغرفة شفاط واحد قد يتعطل، ولو أن إدارة السجن وافقت على إحضار مراوح على نفقة السجناء سيكون حلا جيدا ولكنها غالبا ما ترفض أو لا تهتم، «وأضيف لذلك أنه لو وافقت الإدارة على أن يقوم السجناء بإصلاح كل هذه الأماكن لفعلوا خاصة أن بعضهم أغنياء».
أما طعام الفرد فى اليوم فهو (3 أرغفة + 1/8 كيلو جبنة + 2 مثلث جبنة + علبة مربى صغيرة + ثمرة فاكهة) وهى لا تكفى طفلا صغيرا فى الثلاث وجبات وكل الطعام سيئ وردىء.
أما الزيارة فبضع دقائق لا تزيد على 5 دقائق من خلال سلك عازل أشبه بأسوار الاعتقال فى الحرب العالمية الثانية، أما تعامل الشاويشية والأمناء مع السجناء فيقوم على المصلحة والاستفادة، وإلا سيعامل السجين وكأنه حيوان ناطق، وقد تصل الاستفادة لمرتب شهرى ثابت يحمى السجين من استباحة بدنه وماله وعرضه.
أما تعامل المأمور والضباط مع السجناء فلا يهمهم سوى أن يكون العدد بداخل السجن مطابقا للأوراق «المهم وجود الرأس»، ولا يستطيع السجين أن يوصل شكواه إليهم إلا بشق الأنفس.
ويعبر أ/عبدالحى تعبيرا مؤلما جدا فيقول «إن السجين فى هذه السجون المركزية هو ملك خالص للسجان يمارس عليه كل حقوق الملكية».
أما الرعاية الطبية فى السجون المركزية فهى أسوأ بكثير من السجون المركزية والليمانات التى يوجد بكل منها مستشفى للسجن وفيه ضابط طبيب، أما السجون المركزية فليس فيها أدنى رعاية طبية، والرعاية فيها تمثل 1% من الموجودة فى السجون العمومية والليمانات، والأدوية شبه محظورة، ومن أراد شراء علاج من الخارج وإدخاله عبر الزيارة فبالرشوة المضاعفة، وإذا احتاج سجين إلى طبيب وساءت حالته فقد يتوفى قبل حضور الطبيب الذى قد يحضر بعد يومين أو أسبوع، ويا ويل السجناء المرضى أمراضا خطيرة أو مزمنة.
والكشف شفوى دون فحص أو أشعة، وعادة ما يتوفى كبار السجن أو ذوو الأمراض المزمنة سريعا فى السجون المركزية لاجتماع كل العوامل السلبية عليهم وخاصة قلة الهواء والحزن الشديد، ويحكى أ/عبدالحى قصة مريض توفى بينهم وكان يشكو قبلها لمدة أسبوع دون فحص أو علاج.
ويعيب على فهم بعض الضباط لمغزى السجن «أن القاضى سلم لهم المسجون لعقابه دون تأهيله، ولا يدرك أن معظم نزلاء السجون المركزية من ذوى الحبس الاحتياطى وقيد التحقيق ولم يدانوا ويكفيهم تقييد حريتهم».
هذه بعض ملاحظات أ/عبدالحى على السجون المركزية التى انتقل منها بعد الحكم عليه إلى السجون العمومية، وتحديدا إلى سجن طنطا العمومى، فسجل السلبيات التى تحدث فى هذه السجون الجنائية فى شهادته التى لا يتسع لها مثل هذا المقال.
والخلاصة أن السجين إنسان والقرآن اهتم به وبشر الذين يحسنون إليه ويطعمونه «وَيُطْعِمُونَ الطَعَامَ عَلَىٰ حُبِهِ مِسْكِينا وَيَتِيما وَأَسِيرا» والإطعام كناية عن الإحسان كله لهذه الأصناف التى يجمعها جامع واحد هو الضعف والعوز، وقاكم الله شر السجون.