حظكم أفضل مننا.. ذكريات السفر للدكتوراه
محمد زهران
آخر تحديث:
السبت 7 يوليه 2018 - 9:10 م
بتوقيت القاهرة
منذ تسعة عشرة سنة وبالتحديد في أغسطس 1999 وصلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية إلى ولاية ميريلاند في "رحلة" لدراسة الدكتوراه وقد تكون لفظة "رحلة" مفاجئة لك ولكن دعني أفسر.. لنبدأ من البداية.
من اللحظة التي تعينت فيها معيداً وأنا تتنازعني قوتان: الرغبة في السفر للدراسة في الخارج لأن المجال الذي إخترته لنفسي (وهو هندسة الحاسبات) ضعيف جداً في مصر وضعيف في أوروبا كذلك (آنذاك) والخوف من الغربة فحياتي الاجتماعية في مصر من المستحيل تعويضها في الخارج... فكان القرار بأن أسافر للدكتوراه ثم أعود بعد الحصول على الدرجة وفي أثناء ذلك أزور مصر مرتين في السنة ومشرفي في الخارج وافق على ذلك.. دعنا لا نستبق الأحداث.
عندما تقرر السفر للدكتوراه في سبتمبر 1999 فهذا معناه البدء في التقديم للجامعات من صيف 1998 وكان التقديم آنذاك ورقي وليس عن طريق الإنترنت، فكنت ترسل خطاباً بالريد للجامعة تسأل عن المطلوب وورق التقديم ثم تبدأ في تجميع المطلوب ودخول امتحانات مثل الـTOEFL والـGRE وتطلب من أساتذتك إرسال خطابات توصية.. كل ذلك بالبريد الورقي العادي.. أقول للأجيال الجديدة أن حظكم كان أفضل منا في هذه النقطة.
عندما وصلت إلى جامعة ميريلاند في مدينة كولج بارك (University of Maryland at College Park) كان الخوف من الغربة مسيطراً خاصة وإنه حتى حصلت على الدكتوراه سنة 2003 لم يكن هناك سكايب أو يوتيوب أو فيسبوك ... إلخ فكان التواصل أصعب بكثير ... وفي هذا أقول للأجيال الجديدة أن حظكم أفضل منا في هذا أيضاً!
طبعاً لا يخفى على الجميع المستوى الضعيف لجامعتنا (على الأقل حتى الآن) في الكثير من التخصصات العلمية وإن كنت ترى بعض النجوم الساطعة هنا وهناك ولهم كل التحية، ولكن عندما بدأت الدراسة في أمريكا كانت هناك فجوة كبيرة في ما تعلمناه أثناء البكالوريوس والماجستير وفي ما تتوقعه الجامعات في أمريكا (عالية التصنيف منها طبعاً) خاصة إذا ما قارنا ما نعرفه وما يعرفه الطلاب القادمون من الهند والصين مثلاً، وهنا أيضأ حظ الجيل الجديد أفضل ليس من حيث جودة التعليم في الداخل ولكن من حيث قدرتهم على الحصول على تعليم جيد وتقوية معلوماتهم من الكورسات الموجودة أونلاين وهو ما لم يكن متوفراً لنا آنذاك.. بل وتراكم الخبرات أفضل كثيراً الآن حيث أن هناك الكثير من المجوعات على فيسبوك مثلاً تتبادل خبراتها في التقديم للجامعات والسفر والدراسة إلخ.
كل ما فات يوحي بأن جيلي كان بائساً وأن الجيل الحالي يحيى في رغد العيش! هذا ليس صحيحاً طبعاً، لنرى الآن في أي الأشياء كان حظنا نحن أفضل من الجيل الحالي.
حظ جيلي كان أفضل من حيث أن المنافسة في التقديم كانت أقل حدة من الآن لأن الإنترنت جعلت التقديم سهل فتجد أن كل جامعة يصلها آلاف من طلبات التقديم للدراسات العليا وأنا حاليا في لجنة القبول للدراسات العليا في جامعتي في نيويورك وأرى المؤشرات... نسب القبول أقب بكثير من الماضي نظراً للعدد الكبير من المتقدمين.
الجيل الحالي يواجه مصاعب علمية أكثر لأن وتيرة تسارع العلوم أسرع بكثير من الماضي حتى وإن كان الماضي هذا عشر سنوات فقط مثلاً، علوم جديدة تظهر وأخرى تتغير وأخرى تندمج وهكذا فنجد أن طالب الدراسات العليا يجب عليه تعلم الكثير وإذا كان تعليمه في مرحلة البكالوريوس أضعف كان المجهود المطلوب منه في الدراسات العليا أكثر.
التنافس في الحصول على وظيفة بعد التخرج أصبحت أصعب من أيامنا، وظيفة مدرس مثلاً في جامعة في أمريكا قد يتقدم لها الآن ألف شخص والمطلوب تعيين شخص واحد! وبالمثل في معامل الأبحاث أو الشركات التكنولوجية، طبعاً في حديثي هذا أتكلم عن العلوم والتكنولوجيا ولا أتكلم عن التخصصات الأخرى مثل الإنسانيات والفنون والآداب لعدم خبرتي بها.
إجراءات السفر أصبحت أيضاً أكثر صعوبة بكثر من أيامنا، أتذكر عند تقدمي للحصول على فيزا للدراسة في أمريكا كان الذهاب للسفارة الأميركية في جاردن سيتي بدون مواعيد مسبقة وعند وصولنا قالوا لنا أن من عنده خطاب القبول من الجامعة يترك الخطاب والباسبور ويعود بعد ساعة لأخذ الباسبور والفيزا، الآن أصبح الموضوع أشبه بقصص الرعب سواء في التقدم للحصول على الفيزا أو السفر نفسه في المطار سواء في محطة السفر أو الوصول إلخ.
الآن عزيزي القارئ: هل كنت تفضل العيش في أيامنا كطالب أم العصر الحالي آخذين في الإعتبار أني عبرت الأربعين من العمر من سنوات قليلة فلا تظن أنني أتكلم عن عصور سحيقة!.. وها أنا ذا مازلت في أمريكا أستاذاً في الجامعة وأزور مصر مرتين سنويا.. ومازالت الرحلة مستمرة.