قانون «إعدام الصحافة»
محمد سعد عبدالحفيظ
آخر تحديث:
السبت 7 يوليه 2018 - 9:15 م
بتوقيت القاهرة
فى حوار مع «الأهرام»، وصف النائب البرلمانى أسامة هيكل حديث البعض عن تقييد مشروعات قوانين «تنظيم الصحافة والإعلام» للحريات بـ«الكذب»، مشيرا إلى مطابقة مادة الحبس الاحتياطى التى وردت فى مواد المشروع الجديد للدستور، وأكد أن: «السكوت عما آلت إليه أوضاع الصحف خيانة للأمانة»، وفى نهاية حواره تذكر وزير الإعلام السابق ورئيس مجلس إدارة مدينة الإنتاج الإعلامى الحالى أنه صحفى «أنا صحفى فى المقام الأول ولن أسمح بالافتئات على حقوق الصحفيين».
الزميل أسامة هيكل رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب أجرى خلال الأسبوع الماضى ثلاثة حوارات مع «الشروق» و«الأهرام» ووكالة «أنباء الشرق الأوسط» والأخير تناقلته معظم الصحف والمواقع أمس، كما فتحت كل المنصات الإعلامية المصرية أبوابها للمروجين للقانون كان أكثرهم ظهورا بعد هيكل الزميل كرم جبر رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، يأتى هذا فيما خفت صوت منتقدى القانون رغم حالة الغليان التى انتابت الجماعة الصحفية، وهو ما بدا أنه محاولة للتعتيم على ما جاء فى المشروع الجديد من مواد كارثية تمهد لإعدام «صاحبة الجلالة».
وبما أنى لا أملك غير هذه المساحة، بعد أن تم تأميم معظم المنصات الإعلامية خلال السنوات القليلة الماضية وإخضاع من لم تشمله قرارات التأميم، فليسمح لى القارئ أن أشرح ما فى مشروع القانون من كوارث تقضى على ما تبقى من مهنتنا.
نقر جميعا أبناء هذه المهنة أن الصحافة تمر بظرف استثنائى، فما يسمح بنشره أقل مما يمنع، والسقف المهنى انخفض بشدة وسيطر الخوف على صالات التحرير وغرف الأخبار لدرجة أن الصحفيين أنفسهم باتوا يرددون فيما بينهم عبارة «انت فاكر نفسك بتشتغل صحافة».
نعمل جميعا ونحن نعلم أن الحالة الاستثنائية لن تطول وأن الأصل هو العودة للأصل، لكن أن يتم تقنين الاستثناء ووضعه فى مشروعات قوانين تمنح مجالس أو هيئات حق الحجب والحظر والمنع هذا ما لم نكن نتوقعه.
مشروع القانون الجديد الذى يروج له الزميل الصحفى أسامة هيكل ورفاقه، منح المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام السلطة التى تمارسها بعض الجهات الآن خارج إطار القانون فالمواد 4، 5، و19 من مشروع قانون المجلس تغولت على الحريات الصحفية فأعطته الحق فى منع تداول مطبوعات وسحب تراخيص مؤسسات وحجب مواقع إلكترونية عامة وشخصية، ووقف وحظر نشر مواد إعلامية، دون تحقيق مسبق أو قرار من القضاء، وذلك بالمخالفة لمواد الدستور التى حظرت المنع أو الرقابة إلا فى وقت الحرب والتعبئة العامة.
المادة 12 من القانون قيدت العمل الصحفى وجعلت من كارنيه نقابة الصحفيين «بطاقة تعريف»، رغم أنه كان حتى هذه اللحظة إثبات لطبيعة عمل الصحفى، فألزمت المادة الصحفى أو المصور «الحصول على التصاريح اللازمة»، قبل النزول لتغطية أى حدث، بمعنى أن الصحفى الذى يتواجد فى مكان حادث ويبدأ فى ممارسة عمله يكون مخالفا للقانون لأنه لم يحصل على تصريح.
أما المادة 29 من القانون فأعادت الحبس الاحتياطى فى قضايا النشر، رغم أن الدستور ألغى العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر، وأحال 3 جرائم ليحدد القانون عقوبتها وهى التحريض على العنف والتمييز بين المواطنين والطعن فى أعراض الأفراد، وهو ما يعنى أن المشرع الدستورى لم ينص صراحة على عقوبات سالبة للحرية واكتفى بإحالة الحالات الثلاث ليضع عقوباتهم المشرع البرلمانى، وحتى لو أقر الحبس كعقوبة فى هذه الحالات فذلك يكون تنفيذا لحكم قضائى، فالهدف من الحبس الاحتياطى هو ضمان عدم العبث بالأدلة وذلك لا ينطبق على قضايا النشر وعدم هروب المتهم، والصحفى مقر عمله ونقابته معلوم.
وأخضع المشرع البرلمانى بهذا القانون مؤسسات الصحافة القومية المستقلة والمملوكة للشعب بنص الدستور لسيطرة رجل واحد هو رئيس «الوطنية للصحافة» المعين من قبل رئيس السلطة التنفيذية، فجعل منه رئيسا للجمعيات العمومية لصحف مصر القومية، وقلص عدد الصحفيين فى الجمعيات العمومية. ومهد لخصخصة وتصفية المؤسسات القومية، من خلال وضع نص يجيز للهيئة الوطنية إلغاء ودمج المؤسسات والإصدارات.
أخيرا.. معارضو مشروع القانون من نقابيين وأعضاء جمعية عمومية لـ«الصحفيين» ليسوا أصحاب هوى أو مصالح.. لم يتربح منهم أحد ولم يعين منهم أحد على رأس مؤسسة كبيرة أو حتى صغيرة، ومواقفهم نابعة من إيمانهم بأن حرية الصحافة واستقلالها هى الطريق لبناء وطن حر ودولة متحضرة.
ختاما، عزيزى القارئ.. لا أعلم إذا كنت ستطالع هذا المقال صباح الأحد أم لا، فالحصار أكبر من قدرة الزملاء رؤساة التحرير على المقاومة، لهم ولنا الله.