حيث نجح الصهاينة.. فشِل العرب!
صحافة عربية
آخر تحديث:
الأربعاء 7 يوليه 2021 - 9:25 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة رأى اليوم مقالا للكاتب صبحى غندور، تحدث فيه عن تشابه نشأة وأهداف المنظمة الصهيونية مع نضال الكفاءات العربية آنذاك، لكن رغم نبل هدف العرب فشلوا فى تحقيق هدفهم بينما نجحت المنظمة الصهيونية مع بطلان ادعاءاتها فى تحقيق هدفها.. نعرض منه ما يلى.
لعلّ ما يفيدنا كعرب فى مراجعة ما حدث منذ قرنٍ من الزمن هو هذا التشابك الذى حصل فى مطلع القرن الماضى بين نتائج الحرب الأولى وخضوع المنطقة العربية للاستعمار الأوروبى، وبين ظهور الحركة الصهيونية بعد تأسيسها فى مؤتمرٍ بسويسرا عام 1897.
الأرض العربية تشهد الآن جملة تحوّلاتٍ سياسية شبيهة بما حدث منذ مائة عام تقريبًا بعد ما أفرزته الحرب العالمية الأولى من نتائج، فى ظلّ ما كان يُعرف تاريخيًا بمصطلحات بدأت مع تعبير «المسألة الشرقية» وانتهت بتعبير «وراثة الرجل التركى المريض».
فقد حصلت فى تلك الفترة مراهناتٌ عربية على دعم الأوروبيين لحقّ العرب المشروع فى الاستقلال وفى التوحّد بدولة عربية واحدة. وسُمّيت تلك المرحلة بـ«الثورة العربية الكبرى». لكن هذه المراهنة العربية على «الوعود البريطانية» لم تنفّذ طبعًا. بل ما حصل هو تنفيذ بريطانى لوعدٍ أعطاه بلفور باسم الحكومة البريطانية (نوفمبر 1917) للحركة الصهيونية بمساعدتها على إنشاء «وطن قومى يهودى» فى فلسطين. فما بدأ كثورةٍ عربية مشروعة فى أهدافها انتهى إلى ممارساتٍ وظّفتها القوى الأوروبية لصالحها، كما استفادت الحركة الصهيونية منها فنشأت «دولة إسرائيل»!
«المنظّمة الصهيونية العالمية» احتفلت فى العام 2017 بمرور 120 سنة على وجودها وعلى دورها المستمرّ بنجاح. ففى عام 1897، انعقد المؤتمر الأول (برئاسة ثيودور هيرتسل) فى مدينة بال بسويسرا، وضمّ مجموعة من كفاءات يهودية منتشرة فى العالم، وحينها دعا هيرتسل المشاركين إلى وضع خطط استراتيجية ومرحلية تؤدّى إلى وجود دولة إسرائيل بعد 50 عامًا! وقد تحقّق ذلك فعلًا بعد 50 عامًا أى عام 1947.
ثمّ كان النصف الثانى من عمر المنظمة الصهيونية مسخّرًا من أجل تكريس الاعتراف العالمى والعربى (والفلسطينى تحديدًا) بهذا الكيان وبتفوّقه!!
والملفت للانتباه، أنّ تاريخ نشأة المنظّمة الصهيونية وظرف تأسيسها، كان متشابهًا مع حال وظروف الكفاءات العربية والإسلامية آنذاك، التى كانت مضطرّة إلى العيش خارج أوطانها، وتطمح وتحلم بنهضة عربية وإسلامية جديدة (الشيخ محمد عبده فى فرنسا، جبران والرابطة القلمية فى أمريكا الشمالية.. إلخ).
لكن الفرق بين الحالتين أنّ صاحب دعوة الحقّ لم تنفعه فقط أحقّية دعوته (أصحاب الدعوة للنهضة العربية)، بينما الطرف الآخر (رغم بطلان دعوته وعدم أحقّيتها فى اغتصاب وطن شعبٍ آخر) كان أكثر تنظيمًا وأفضل تخطيطًا، إضافةً طبعًا إلى توفّر ظروف دعم ومساندة ضخمة من قوى عالمية كبيرة.
***
ماذا يعنينا ــ نحن العرب ــ من كلّ ذلك الآن؟
فى الواقع، نحن المعنيّون الأُول، ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا، بكل ما تخطّط له وتفعله المنظمة الصهيونية العالمية، حتّى لو سيطر علينا السأم من تكرار هذا الكلام.
نحن العرب لا نحتاج إلى إدراك مخاطر ما تفعله المنظمة الصهيونية، حتّى نتحرّك ونصحّح أوضاعنا السيئة فى أكثر من مجال لا علاقة له بالوجود الصهيونى.. لكن نحن العرب نحتاج إلى الأخذ بالأسلوب العلمى فى عملية النهوض والتصحيح، تمامًا كما أخذت به المنظّمة الصهيونية، ولم تخترعه، يوم تأسّست وخطّطت.
عناصر هذا الأسلوب العلمى متوفّرة فى أى مجتمع أو شعب، وهى تقوم على الجمع ما بين نظرية فكرية وبين خطط استراتيجية لمدى طويل، وبين خطط عملية مرحلية متنوّعة من أجل تنفيذ الاستراتجيات.
إنّ حسم الثوابت الفكرية بين الكفاءات العربية أينما كانت، وحسم الهُويَّة العربية بمضمونها الحضارى فى هذه الثوابت الفكرية، هو المدخل الرئيس لبناء نهضة عربية!
فالفتن الداخلية العربية الجارية الآن فى أكثر من مكان، لا يمكن عزلها عن الصراع العربى/الصهيونى على مدار مائة عام. ما يحدث اليوم على الأرض العربية هو تتويجٌ للحروب التى خاضتها الحركة الصهيونية على مدار المائة سنة الماضية. فالاعتراف الدولى بإسرائيل، ثمّ الاعتراف المصرى/الأردنى/ الفلسطينى بها، ثمّ تطبيع بعض الحكومات العربية لعلاقاتها مع إسرائيل، كلّها كانت غير كافية لتثبيت شرعية الوجود الإسرائيلى فى فلسطين، وللتهويد المنشود للقدس ومعظم الضفّة الغربية. فهذه الشرعية تتطلّب قيام دويلاتٍ أخرى فى محيط إسرائيل على أسس دينية أيضًا، كما هى الآن مقولة إسرائيل دولة لليهود. فما قاله نتنياهو بأنّ (المشكلة مع الفلسطينيين هى ليست حول الأرض بل حول الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية) يوضّح الغاية الإسرائيلية المنشودة فى هذه المرحلة من المتغيّرات السياسية العربية الجارية الآن فى مشرق الأمَّة ومغربها. فكلّما ازدادت الصراعات الطائفية والمذهبية والإثنية على الأرض العربية، كلّما اقترب الحلم الصهيونى الكبير من التحقّق فى أن تكون إسرائيل هى الدولة الدينية الأقوى فى منطقةٍ قائمة على دويلاتٍ طائفية.
إنّ نشوء الدويلات الدينية الجديدة فى المنطقة سيدفع هذه الدويلات إلى الصراع مع بعضها البعض، وإلى الاستنجاد بالخارج لنصرة دويلة على أخرى، وإلى إقامة تحالفات مع إسرائيل نفسها، كما حصل أيضًا خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية، وكما فعلت ذلك الآن بعض قوى المعارضة السورية.
إسرائيل بمختلف حكوماتها راهنت على تجزئة المجزّأ عربيًا، وشجّعت كل الحركات الانفصالية بالمنطقة، كالتى قامت فى جنوب السودان وفى شمال العراق، وأقامت إسرائيل «دولة لبنان الحر» على الشريط الحدودى لها مع لبنان فى ربيع العام 1979 كمدخل لمشاريع التقسيم الطائفى الذى أعدّت له منذ حقبة الخمسينيات من القرن الماضى.
فإسرائيل التى رفضت وترفض قرار تقسيم فلسطين (رقم 181)، وهو الاسم الذى أطلق على قرار الجمعية العامّة التابعة لهيئة الأمم المتّحدة والذى أُصدر بتاريخ 29 نوفمبر 1947، هى نفسها التى عملت وتعمل على تقسيم البلاد العربية، إذ إنّ قرار تقسيم فلسطين يعنى إعلان حدود دولية للدولة الإسرائيلية، ووجود دولة فلسطينية مستقلّة على ما هو أشمل بكثير من الضفّة الغربية وغزّة، كما يعنى وضع مدينة القدس وجوارها تحت الوصاية الدولية، وهى أمور كلّها مرفوضة من كلّ الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.
***
إنّ ما يحدث الآن فى داخل أوطان من مشرق الأمّة ومغربها، وفى عمقها الإفريقى، هو دلالة هامّة على نوع وحجم القضايا التى تعصف لعقودٍ طويلة بالأرض العربية، وهى كلّها تؤكّد الترابط الحاصل بين الأوضاع الداخلية وبين التدخّلات الخارجية، بين الهموم الاجتماعية والاقتصادية وبين فساد الحكومات السياسية، بين الضعف الداخلى الوطنى وبين المصالح الأجنبية فى هدم وحدة الأوطان.
وحبّذا لو يُدرك هؤلاء العرب الذين يستنجدون بالأجنبى لنصرتهم أنّهم يعيدون بذلك فتح أبواب الأوطان العربية للنفوذ الاستعمارى، ولإعادة حقبة «المستعمرات العربية» التى أسقطتها ثورات عربية تحرّرية حقيقية فى منتصف القرن الماضى. فتلك كانت ثورات جادّة من أجل أوطانها وشعوبها، وأدّت إلى توحيد شعوبها وإلى تعزيز الهويّة العربية المشتركة، بينما «ثورات عربية حديثة» نفخت فى بوق التدخّل الأجنبى وسهّلت عودة القوى العسكرية الغربية التى كانت تحتلّ الأرض العربية وتستنزف ثرواتها.
لكن إنصافًا للحقيقة، فإنّ معارك التحرّر الوطنى فى القرن العشرين لم تصل نتائجها إلى بناء مجتمعات حرّة يتحقّق فيها العدل السياسى والاجتماعى والمشاركة الشعبية السليمة فى الحكم وفى صنع القرار. وبسبب ذلك، كان سهلًا حدوث التدخّل الإقليمى والدولى فى القضايا الداخلية العربية وعودة مشاريع الهيمنة الأجنبية من جديد. ربّما هى سِمةٌ مشترَكة بين عدّة بلدان عربية أنّ شعوبها نجحت فى مقاومة المستعمر والمحتل ثمّ فشلت قياداتها فى بناء أوضاع داخلية دستورية سليمة.
المنطقة العربية تعيش الآن مرحلة خطيرة فيها مزيجٌ من التحدّيات الداخلية والخارجية، فى ظلّ تضاعف الاهتمام الدولى بموقع المنطقة وثرواتها، وبوجود تأثير كبير لـ«دولة إسرائيل»، فى هذه الحقبة الزمنية، على أحداثها وعلى القوى الدولية العظمى. هى مرحلةٌ لا يمكن الدفاع فيها عن واقع حال «النظام العربى الرسمى المريض» أو القبول باستمرار هذا الحال، لكن التغيير المنشود ليس مسألة أهداف وشعارات فقط، بل هو أيضًا فكر وبرامج وقيادات وأساليب سليمة وتمييز دقيق فى المراحل والأجندات والأولويات والصداقات، وهى كلّها عناصر لم تتوفّر عربيًّا بعد!.
رغم ذلك، فإنّ الدول الكبرى التى سيطرت فى القرن الماضى أو تهيمن الآن على المنطقة العربية، غاب عنها درس تاريخ البشرية عمومًا، وليس فقط محصّلة مائة عام فى تاريخ المنطقة، بأنّ الشعوب يمكن تضليلها أو قهرها أو احتلالها لفترةٍ من الوقت، لكن هذه الشعوب لا يمكن أن تقبل بديلًا عن حرّيتها، وبأنّ تعب أو انحراف بعض القيادات والمنظمات لن يوقف حركة الشعوب نحو حقوقها، وبأنّ الأوطان العربية لو تجزّأت سياسيًّا فهى موحّدة فى ثقافتها وفى تاريخها وفى همومها وفى آمالها. فهكذا كان تاريخ المنطقة العربية طيلة القرن الماضى: كرٌّ وفرّ مع المستعمر أو المحتل لكن لا خضوع له.
النص الأصلى: هنا