التنشئة للخلف
سامح فوزي
آخر تحديث:
الأربعاء 7 أغسطس 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
هناك مؤسسات تقوم على تنشئة «المواطن» مثل المدرسة، والمؤسسة العسكرية، تخاطب فيه الاهتمام العام، وترفع من حسه الوطنى، وتعمل على اندماجه مع غيره من المواطنين المختلفين معه فى المستوى الاجتماعى، المعتقد الدينى، الانتماء الجغرافى، الخ.
أخطر ما أتت به الحركة الإسلامية هو «التنشئة الموازية»، أى تنشئة أبنائها على قيم واتجاهات تفكير وممارسات غير تلك التى يجرى التنشئة عليها فى مؤسسات التنشئة الرسمية، وقد تكون ضد الثقافة التى تبثها هذه المؤسسات، وهناك حالات تحولت فيها المؤسسة التعليمية ذاتها إلى أداة فى يد الإسلاميين أنفسهم إما بامتلاكها أو بنشر ثقافة مغايرة فى داخلها.
أبناء جيلى ممن التحقوا بالمؤسسة التعليمية فى السبعينيات والثمانينيات عاشوا مرحلة عرفت فيها أفكار التطرف والكراهية طريقها إلى الحياة الدراسية. عرفنا والتطرف والتعصب فى ممارسات بغيضة داخل المدرسة. أتذكر فى المرحلة الثانوية أن زميلا لى كان لا يحضر طابور الصباح، عرفت لاحقا أنه يكفر تحية العلم. فى النقاشات معه كان يهذى بأحاديث عن الكفر، والصليبيين، والجهاد، الخ. وأعترف أننى وزملائى لم نكن ندرك كنه ما يقول فى حينه. وفى التسعينيات وجدنا مدارس بأكملها ألغت تحية العلم، وتسربت أفكار التطرف إلى المناهج الدراسية، وقادت وزارة التعليم آنذاك سلسلة من المواجهات مع التطرف والمدرسين المتطرفين. ولم تشف إلى الآن المؤسسة التعليمية من هذه المظاهر الرديئة التى تهدد الاندماج القومى، والسلامة النفسية والنضج الذهنى للمواطنين.
اليوم تنضح التنشئة الموازية بآثارها ليس فقط فى أجيال تتبنى العنف، ولكن أيضا فى وجود ماكينة تعمل بلا هوادة لتغيير نفسية الأطفال، وتغتال براءتهم. ظاهرة «أطفال ضد الانقلاب» فى تجمع «رابعة العدوية» تمثل اللافتة التى يجرى من خلالها الزج بالأطفال فى أتون الاستقطاب السياسى، وبعضهم كما تكشف تقارير المنظمات الحقوقية من أطفال الملاجئ، بحيث وجدنا أطفالا يتظاهرون، ويحملون الأكفان، وتُعصب جباههم بالشعارات الجهادية والاستشهادية. لا أعتقد أن مداركهم تعى اللحظة السياسية بكل تعقيداتها. أخشى أن يتحول هؤلاء الأطفال إلى ضحايا العنف السياسى.
فى ثورة 25 يناير ثم 30 يونيو سعدنا كثيرا برؤية الأطفال مع أسرهم فى ميادين التظاهر من التحرير إلى الاتحادية، يرتبطون أكثر بوطنهم، العلم الذى يحملونه، والأغانى الوطنية التى تتكرر على مسامعهم، وتستقر فى وجدانهم. يلتقطون الصور إلى جوار جنود القوات المسلحة، أو الدبابات. مظهر جميل، لا تستغل فيه براءة الأطفال بل تضاف إليهم جرعة وجدانية فى الثقافة الوطنية عبر المعايشة والمشاهدة والالتحام بالأحداث الوطنية، وليس فقط من خلال الارشادات والخطب المدرسية.
ماذا سنفعل تجاه قطاع من الأطفال يجرى تنشئته الآن على ثقافة تفوح برائحة الدم تحت لافتة مقاومة الانقلاب؟. هذا الطفل قد يتحول إلى متطرف فى المستقبل، حاملا سلاحا، كارها لمجتمعه، غير مؤمن بأهدافه. ماذا عساه يقول لزملائه بعد العودة إلى المدرسة؟ هل ننتظر أن ينتقل الاستقطاب السياسى إلى المدارس حيث يتعارك الأطفال حول قضايا سياسية لا يدركون مغزاها؟
لم نخلص من آلاف الأطفال فى الشوارع، وأولئك الذين تنتهك طفولتهم فى الورش، وبعض المهن الخطرة، أو الذين يتعرضون لانتهاكات جنسية حتى يطل علينا الأطفال المجاهدون.