فشل النمو الاقتصادى فى خفض معدلات سوء التغذية عند الأطفال

أحمد شكري رشاد
أحمد شكري رشاد

آخر تحديث: الجمعة 7 أغسطس 2015 - 9:35 ص بتوقيت القاهرة

يرى العديد من صانعى السياسات والمنشغلين بشئون التنمية الاقتصادية أن النمو الاقتصادى وآليات السوق وحدهما دون تدخل من الدولة فى إعادة توزيع ثماره كفيل بإنهاء مشكلة الفقر وتحسين الظروف المعيشية.

فى الواقع تلك النظرة لها جذور علمية كلاسيكية بالإضافة إلى شواهد من تجارب بعض الدول، ففى أعمال الاقتصادى الشهير سيمون كوزنتس الذى يحدثنا عن تركز عائدات النمو الاقتصادى فى أيدى اصحاب رأس المال فى بداية مراحل النمو الاقتصادى ومن ثم تبدأ ثمار النمو الاقتصادى فى التساقط حتى تصل إلى أيدى الفقراء. رغم الجدل حولها، انتشرت تلك الفكرة بشكل كبير فى الدول النامية بمباركة كل من الدول المتقدمة والمؤسسات الاقتصادية الدولية ومصر لم تكن استثناء، فتعاقبت الحكومات فى مصر بتبنى تلك الفكرة وتحول معدل النمو الاقتصادى لمقياس نجاح وفشل لرئيس الحكومة.

انصب تركيز الباحثين المنشغلين بقضية التنمية والفقر فى مصر على تقييم آثار النمو الاقتصادى على مستويات الفقر المادى، والذى يقاس بحجم إنفاق فرد مقارنة بخط الفقر، بينما لم تحظ مؤشرات التنمية البشرية وبشكل خاص مؤشرات سوء التغذية عند الاطفال بهذا القدر من الاهتمام. فى الحقيقة العلاقة بين نمو فى متوسط دخل الفرد وسوء التغذية عند الاطفال ليست بالعلاقة الغامضة، فمع ارتفاع دخل الفرد فى مصر من المتصور أن تزداد قدرة المواطن على شراء احتياجاته الغذائية الضرورية لتغذية سليمة كما تزيد عائدات الدولة من الضرائب التى يمكن استثمارها فى تحسين صحة المواطن وبالتالى فمن المتوقع أن يقابل النمو الاقتصادى والذى بلغ متوسطة نحو 4% فى الفترة بين 1992و 2014 انخفاض فى معدلات سوء التغذية عند الاطفال.

•••

حقيقة الامر أن سوء التغذية فى الطفولة له عواقب وخيمة على مستقبلهم ولا يمكن تداركه فى المراحل العمرية المتقدمة. فالأطفال الذين يعانون من سوء التغذية يكونون أقل حيوية وأكثر عرضة للأمراض والوفيات مقارنة بالأطفال الاصحاء. الأدهى من ذلك أن سوء التغذية فى الطفولة يؤثر بشكل كبير على القدرات الذهنية والاستيعابية للطفل وأدائه الدراسى، وبالتالى على فرص حصوله على العمل فى المستقبل. وما يدعو للحزن أن معدلات سوء التغذية بين الأطفال فى مصر وبالتحديد معدلات التقزم (قصر القامة) بين الاطفال ليست بالقليل بل على العكس تعتبر من أعلى المعدلات فى المنطقة العربية وليس هذا فحسب، بل ان تلك المعدلات المرتفعة ليست بالظاهرة الجديدة فى مصر، فارتفاع سوء التغذية عند الاطفال كان واضحا بشكل كبير مع كل مسح من المسوح الصحى الديموغرافى والذى يتم تحت رعاية وزارة الصحة، فلم تنخفض نسبة التقزم بين الأطفال دون سن الخامسة فى مصر عن 22 % فى الفترة بين 1992و 2014 مما يعنى أن واحدا من كل خمسة من الخريجين الجدد لسوق العمل فى هذه الفترة يعانى من آثار سوء التغذية فى الطفولة.

وقد حاول كاتب هذه السطور دارسة أثر النمو الاقتصادى فى مصر على سوء التغذية بشكل علمى فى الفترة بين 1992و 2008، ولم يجد أثرا معنويا للنمو الاقتصادى على معدلات سوء التغذية عند الأطفال فى مصر.

ومن الواضح أن التفسير الكلاسيكى لمشكلة سوء التغذية فى الادبيات العلمية لا يساعد كثيرا فى فهم انتشار سوء التغذية فى مصر. فالأبحاث العلمية دائما ما تشير للفقر المدقع كسبب رئيسى لانتشار لتلك الظاهرة، ولكن بالنظر للحالة المصرية نجد أن معدلات سوء التغذية فى مصر متقاربة جدا بين الطبقات الاقتصادية. فسوء التغذية ليس مقتصرا على أطفال الفقراء فى مصر بل ممتد أيضا وبشكل كبير إلى اطفال الطبقات المتوسطة والعليا، وفى بعض مؤشرات يكون أعلى بين طبقات العليا مما يشكل تحديا لتفسير الشائع فى الادبيات العلمية. إذن فما السبب وراء ذلك؟ فإذا كان الفقر المدقع سببا مقنعا فى حالات دول أفريقيا الصحراء فى ظل مستويات دخل متدنية للغاية فهو ليس مقنعا فى السياق المصرى.

•••

يبدو أن عدم دارية الأمهات بقواعد التغذية السليمة فى مصر سبب محتمل لانتشار سوء التغذية بين الاطفال، فحسب المسح الصحى الديموغرافى، فنسبة الاطفال التى تتم تغذيتهم بشكل سليم لا تتجاوز الـ30 % فى أفضل الاحوال وحتى لو تحسنت الاحوال الاقتصادية للأسر المصرية لن نجد بالضرورة تحسنا فى انخفاض معدلات سوء التغذية فى ظل عادات غذائية غير مفيدة.

يبدو أن التعويل وحده على النمو اقتصادى لخفض معدلات سوء التغذية ليس كافيا دون تدخل من الدولة فى استثمار العائد من النمو فى برامج لمحاربة سوء التغذية بين الاطفال، فعلى الرغم من النمو فى متوسط دخل الفرد فى مصر فى الفترة بين 1992و 2014 من 900 دولار لنحو 1500 دولار ظلت مستويات سوء التغذية مرتفعة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved