تعويم الجنيه ليس حلا
صفوت قابل
آخر تحديث:
الأحد 7 أغسطس 2016 - 9:25 م
بتوقيت القاهرة
من المسلمات التى يتقبلها الجميع وكأنها كارثة لا مفر منها، توقع تخفيض قيمة الجنيه وما سيتبع ذلك من زيادات لأسعار كل السلع والخدمات، وهناك الكثير من الكتاب والمتخصصين الذين يطالبون بتعويم الجنيه. وبالطبع الكل يدرك أن تعويم الجنيه هو أحد مطالب صندوق النقد الدولى، لحصول الحكومة المصرية على القرض الذى تطلبه. وأصبح البحث عن نسبة التخفيض للجنيه وليس صلاحية هذا الإجراء. وسأطرح رأيا مختلفا ومخالفا لذلك. ففى اعتقادى أن تعويم الجنيه ليس حلا، فلقد اتبعت الحكومات المتعاقبة تلك السياسة ولم تحقق المطلوب منها، بل تراجع الاقتصاد وازدادت مشاكله، وفيما يلى بعض العوامل المؤيدة لما أقول:
• التعويم نظريا أن يُترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق صعودا أو هبوطا، بينما لدينا التعويم فى اتجاه واحد هو الخفض المستمر لقيمة الجنيه.
• لقد قام البنك المركزى بتخفيض قيمة الجنيه ثلاث مرات فى 2015 ثم فى مارس 2016؛ فقد تم تخفيض الجنيه بنحو 15% فهل استقر السوق؟ أم عاد الحديث مجددا عن أن الجنيه مقوم بأعلى من قيمته والمطالبة بخفض جديد لقيمة الجنيه، وهكذا سندور فى حلقة مفرغة، حيث يتم تخفيض الجنيه ويخرج المسئولين للتهليل لذلك وكيف أن السوق السوداء قد أصابها الهلع مما حدث، وأن الدولار قد انخفض، ثم لا تمضى أيام حتى يعاود الدولار ارتفاعه، وبعد أسابيع يبدأ حديثكم عن الجنيه المقوم بأعلى من قيمته، ولتصحيح الخلل لابد من تعويم للجنيه، وهكذا يتكرر السيناريو وهو ما أسميه «التعويم المستمر للجنيه».
• هذا الخفض المتتالى للجنيه سيؤدى إلى المزيد من الأزمات والفوضى فى هيكل الاقتصاد، ولن يؤدى إلى جلب الاستثمارات الأجنبية بالحجم المأمول، وهو ما لم يتعلمه المسئولون والكتاب المروجون لوهم أن تعويم العملة سيجعل الاستثمارات تتدفق، فهذه الاستثمارات لها متطلبات ليس هذا مجال الحديث عنها.
***
• ومن علامات الانهيار الاقتصادى هذا الارتفاع الجنونى للعملات الأجنبية وما يصاحبه من تخلى المدخرين عن العملة الوطنية وتحويل الجنيهات إلى دولارات، وهو ما يسمى بـ«الدولرة»، ومع كل انهيار فى قيمة الجنيه ترتفع الأسعار وينشغل الجميع بكيف يوفر احتياجاته وينخفض المعروض من السلع فى الأسواق، مما يزيد الأسعار ارتفاعا وينشط المحتكرين والمضاربين لجنى المزيد من الأرباح وينتعش الفساد.
• الكل يعرف أن جوهر المشكلة هو الفجوة بين حجم الطلب والعرض المتاح من العملات الأجنبية، ولا يوجد حل على المدى القصير إلا بتقليص الواردات، وإنتاج ما يمكن إنتاجه من مستلزمات الإنتاج محليا، ولكن الحكومة لا ترغب أو لا تقوى على ذلك.
• بينما ستستمر السوق السوداء نظرا لقوة المضاربين وفشل الحكومة فى التصدى لهذه المافيا مهما قامت ببعض الحركات المسرحية من إغلاق عدد من محلات الصرافة، ولشيوع الفساد والمحسوبية، وبالتالى فهؤلاء يعرفون أن هذا الخفض لن يكون الأخير وبالتالى يدفعون السوق للمزيد من ارتفاع الدولار.
• أما القول بأن خفض قيمة الجنيه سيزيد الصادرات وتتدفق الدولارات فقول ساذج، لأن اقتصادنا لا يملك ما يصدره، وهو ما ينطبق على الداعين لتنفيذ ما تريده روسيا لكى تتكرم علينا بإعادة سائحيها، ورغم أن ذلك فيه إهانة للكبرياء الوطنية، إلا أن عودة السياحة الروسية لن تنقذنا، لأن الأوضاع الاقتصادية فى روسيا لن تسمح بأعداد كبيرة من السائحين، نتيجة المقاطعة التى تفرضها الدول الغربية على الاقتصاد الروسى، مما أدى لانهيار قيمة الروبل.
• ولا يبقى إلا ما أعلنت عنه الحكومة من اللجوء إلى صندوق النقد الدولى والبنك الدولى وغيرهما من مؤسسات التمويل الدولية للحصول على 21 مليار دولار قروض خلال ثلاث سنوات، وهو نفس ما انتقده محافظ البنك المركزى مما حدث سابقا، حيث قال إنه كان خطأ التضحية بالرصيد من العملات الأجنبية، دفاعا عن سعر الجنيه، فهل يكرر ما سبق وإن أقر بخطئه، بل وماذا ستفعل سبع مليارات فى اقتصاد يحتاج 90 مليار دولار لتمويل وارداته، بينما صادراته تتناقص لتدور حول 20 مليار دولار.
***
• التعويم ليس حلا فقد يؤدى إلى غرق الاقتصاد فى الفوضى، أما السعر الواحد للدولار فيفرض علينا أن نوفر الأدوات المطلوبة لتحققه، وحتى يحدث ذلك لماذا لا نتعايش مع سعرين للدولار.
كنت قد كتبت فى جريدة «المصرى اليوم» فى 9 أبريل 2013 «وهو ما يؤكد أن مشاكلنا لم تتغير ولم تجد حلا» مقترحا أن يتم الاعتراف بوجود سوقين للدولار، وبالتالى سعرين، حيث تلتزم البنوك بتوفير العملات الأجنبية وفق سعر البنك المركزى فى حالة شراء السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج وتتوقف عن بيع الدولار لغير ذلك، وبشرط أن تلتزم الشركات التى تحصل على الدولار من هذا السوق بعدم زيادة أسعار منتجاتها وإعادة قيمة ما تصدره، فإذا لم تفعل ذلك ترفض البنوك توفير ما تحتاجه من عملات أجنبية لها، وحتى يتوقف ما يحدث الآن من طلبات للشراء وعدم قدرة البنوك على توفير المطلوب.
والسوق الثانى تكون هى شركات الصرافة التى تشترى ممن يرغب بالبيع بأسعار السوق الحرة وتبيع لمن يريد لتوفير احتياجاته سواء للمسافرين للخارج أو مستوردى السلع غير الأساسية، والتى سيرتفع سعرها لزيادة سعر الدولار، وبالتالى يتحمل مستهلكو هذه السلع هذه الزيادة بعيدا عن السلع الضرورية لغالبية المواطنين.
أعتقد أن هذا الاقتراح أفضل من ترك السوق فى قبضة المضاربين، ففى ظل السوق السوداء تنتشر الشائعات عن الزيادات فى سعر الدولار، مما يؤدى إلى ارتفاع سعر العملات الأجنبية، لعدم وجود سعر واضح ومعلن، ويحجم من لديه الدولار عن بيعه انتظارا للمزيد من الارتفاع أو لعدم قدرته على الوصول لمن يشترى بالسعر الذى يشاع، وبالتالى سيكون هناك سعر فى الصرافة يتحدد بناء على العرض والطلب، وبافتراض ندرة المتاح من العملات فى هذا السوق، مما يؤدى إلى زيادة سعر العملات الأجنبية فإن ذلك سينعكس على زيادة أسعار السلع التى يتم استيرادها، مما يؤدى إلى خفض الطلب عليها، مما ينعكس على انخفاض الواردات منها لاحقا، ويقل الطلب على الدولارات بالتالى، كما سيؤدى زيادة سعر العملات الأجنبية إلى تقليل السفر للخارج وخفض رحلات العمرة التى أصبحت بمثابة نزهات شهرية، مما يؤدى أيضا إلى انخفاض الطلب على العملات الأجنبية، ومن يريد السفر للخارج عليه دفع السعر السائد فى الأسواق، أليس ذلك أفضل من ترك المستوردين لكل أنواع السلع والمسافرين يتصارعون على حجم محدود من العملات يوفره البنك المركزى.
بالطبع هذا الاقتراح لمواجهة الأزمة وعدم استفحالها ثم عندما تهدأ السوق يمكن للحكومة أن تضع الخطط لزيادة الإنتاج وبالتالى يقل الطلب على العملات الأجنبية، مما يمكن عندها العودة لسعر واحد للدولار.