نقطة حساسة فى العلاقات الألمانية ــ الإسرائيلية
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الأربعاء 7 أغسطس 2019 - 9:40 م
بتوقيت القاهرة
القرار الجريء الذى اتخذه قبل أسابيع مجلس النواب الألمانى الذى يصنف حركة الـBDS كحركة معادية للسامية، كشف بصورة واضحة التناقض الذى يميز نظرة أطراف غير قليلة فى ألمانيا إلى إسرائيل واليهود.
صحيح أن قرار مجلس النواب الألمانى بحد ذاته يدل على اتجاه معاكس: فقد خلق المجلس سابقة تاريخية من خلال اعتبار الـ BDS معادية للسامية ودعوته المؤسسات العامة إلى الامتناع من تمويلها أو التعاون معها. على ما يبدو، هو تعبير عن الالتزام بمحاربة العداء للسامية. لكن الذى حدث مباشرة بعد القرار يكشف عن واقع مقلق: شبكة ضغوط إعلامية ــ عامة ــ وسياسية منظمة جيدا تهدف إلى إظهار القرار بأنه يمس بحرية التعبير، والضغط على أعضاء البرلمان للعودة عنه، أو على الأقل غض النظر عن تطبيقه.
عدد كبير من أفراد النخبة الألمانية ــ الأكاديمية والثقافية ــ يشارك فى محاربة القرار، لكن الأصوات البارزة أكثر هى تحديدا يهودية وإسرائيلية: أكاديميون وفنانون وحتى دبلوماسيون سابقون. هذا ليس أسلوبا جديدا، لكن النتيجة واضحة: إذا كان إسرائيليون ويهود يدّعون بأنفسهم أن الـ BDS هى فى نهاية الأمر «انتقاد مشروع لسياسة الاحتلال الإسرائيلية» لماذا على الألمان من دون كل الشعوب الأُخرى، اعتبارها حركة معادية للسامية؟
كيف يجرى وصف اليهود من مؤيدى إسرائيل؟ المجلة الأسبوعية «دير شبيغل» فى الأسابيع الأخيرة تعلمنا درسا مذهلا فى ملاحقة تفوح منها رائحة العداء للسامية: إنها تصفهم كعناصر ظلامية تملى بطرق مشكوك فيها على مندوبى الشعب الألمانى تبنى سياسة مؤيدة لإسرائيل، هم أنفسهم لا يرغبون فيها. والأخطر من ذلك: هم يلزمون ممثلى الشعب بتعيين مفوض حكومى لمحاربة العداء للسامية من دون حاجة إلى ذلك، فمن الواضح لجميع الذين فى ألمانيا أنه لا وجود عداء للسامية. هكذا، مثلا، المسئول عن الممثلية الألمانية فى السلطة الفلسطينية يسمح لنفسه بالتعبير فى الفيسبوك عن إعجابه بتعليقات معينة، والمسئول عن دائرة الشرق الأوسط فى الخارجية الألمانية يقارن بين يسوع المسيح وبين اللاجئين الفلسطينيين الذين مستقبلهم مهدد بسبب التقليصات فى ميزانية الأونروا، وسفيرة ألمانية تدعم تنظيما لا يعترف بيهودية إسرائيل، وسفير ألمانيا فى الأمم المتحدة يقارن بين كوريا الشمالية وإسرائيل. لم لا؟ هذا ليس عداء للسامية، إنه ببساطة «انتقاد لسياسة الحكومة الإسرائيلية».
قبل أسبوع قال أحد رؤساء الكنيسة الإنجيلية فى ألمانيا، الأسقف هانز يورغن أبرومايت، إن ألمانيا تتماهى أكثر من اللزوم مع إسرائيل بسبب المحرقة النازية. يكرر الأسقف نظرية متجذرة ترى فى العلاقة مع إسرائيل واليهود عبئا يجب التخلص منه، وأنها تذكير دائم بجرائم الحرب، لا يسمح بمحو هذه الفصول التاريخية «الإشكالية» من التاريخ الألمانى من الذاكرة ومن الضمير. بحسب قوله، المزج بين الشعور بالذنب ومشاعر دينية ومواقف سياسية، يجرى على حساب الفلسطينيين، لذا على ألمانيا التوقف عن تأييد إسرائيل بصورة أحادية الجانب.
لكن عمليا ألمانيا لا تقف بصورة أحادية ومن دون تحفظ إلى جانب إسرائيل. على العكس، فى مؤسسات الأمم المتحدة، وفى تمويل منظمات المقاطعة ونزع الشرعية عن إسرائيل، وفى تقديم الرعاية لإنتاج ثقافى معادٍ لإسرائيل، تقوم ألمانيا بعدد غير قليل من النشاطات التى تتعارض مع المصلحة الإسرائيلية. لقد سكتت إسرائيل وقتا طويلا عن هذه الظاهرة، لكن الحكومة الإسرائيلية المنتهية ولايتها واجهت ألمانيا بذلك، فقد نقل نتنياهو خلال اجتماعه الأخير بميركل فى أكتوبر فى القدس قائمة تفصيلية بالمساعدة الألمانية التى تُقدّم إلى تنظيمات ونشاطات معادية لإسرائيل. لا يعنى ذلك أن على إسرائيل التخلى عن علاقاتها الجيدة مع ألمانيا، لكن هذه العلاقات يجب أن تكون خالية من المواقف المتناقضة.