دستور الثورة الضائعة.. أول دستور للمصريين

عماد أبو غازي
عماد أبو غازي

آخر تحديث: الجمعة 7 سبتمبر 2012 - 8:40 ص بتوقيت القاهرة

كان مشروع الدستور مكتملا قبيل عزل الخديو إسماعيل، لكن خلفه الخديو توفيق رفض إصدار الدستور أو دعوة البرلمان أو إجراء انتخابات جديدة، رغم أن الحكومة طلبت هذا وأصرت عليه، الأمر الذى دفع رئيس مجلس النظار شريف باشا وأعضاء حكومته إلى تقديم استقالتهم، وكان توفيق بعد أن تولى الحكم فى صيف 1879 يسعى إلى التخلص من حكومة شريف باشا بسبب انحيازها للنظام الدستورى، وانتمائها إلى تيار الحركة الوطنية المصرية التى كان انتزاع الدستور قضيتها الأساسية فى ذلك الوقت، ومدخلها للوقوف فى وجه التدخل الأجنبى فى شئون البلاد من خلال برلمان قوى يراقب الحكومة ويمارس التشريع.

 

وتولى توفيق رئاسة مجلس النظار بنفسه، واحتفظ باثنين فقط من النظار المنتمين لحكومة شريف باشا هما محمود سامى البارودى ومصطفى فهمى فى الوقت الذى أصر فيه باقى النظار على موقفهم رافضين التعاون مع حاكم لا يقبل بالحكم الدستورى، لم يستمر توفيق طويلا فى جمعه بين مقعد الخديوية ورئاسة مجلس النظار حيث كلف رياض باشا المعروف بميوله الاستبدادية برئاسة المجلس، فكل من الرجلين توفيق ورياض متوافقا مع الآخر فى العداء للنظام الدستورى وفى الميل إلى الحكم الاستبدادى.

 

أدت سياسة توفيق ورياض إلى مزيد من التأزم والاحتقان فى الوضع السياسى العام فى البلاد، فقد أعاد الخديو العمل بنظام الرقابة الثنائية البريطانية الفرنسية على مالية مصر، وقامت الحكومة بملاحقة الوطنيين: فافتتح توفيق عهده بنفى السيد جمال الدين الأفغانى خارج البلاد فى أغسطس 1879، ثم توالت الإجراءات ضد قادة الحركة الوطنية وضد الصحافة المعارضة، فتم تجريد الفريق شاهين باشا كينج وزير الحربية السابق من رتبه وألقابه لاتصاله بالحزب الوطنى، ومحاكمة السيد حسن موسى العقاد ونفيه إلى أقاصى السودان لاعتراضه على إلغاء قانون المقابلة، وتم تعطيل بعض الصحف الوطنية وإنذار البعض الآخر مثل: مرآة الشرق والتجارة ومصر ومصر الفتاة والإسكندرية والمحروسة وطال الإغلاق صحفا أوروبية تصدر فى مصر مثل الريفورم، كما تم منع عدد من الصحف العربية التى تصدر فى الخارج من دخول البلاد، مثل أبونظارة وأبوصفارة والقاهرة والشرق.

 

لقد تأزم الوضع السياسى فى مصر، فى الوقت الذى زادت فيه الأوضاع الاقتصادية لعموم المصريين ترديا، وتواكب مع هذا الوضع الاضطهاد الذى تعرض له الضباط الوطنيون فى الجيش.

 

وتشكل فى هذه المرحلة حزبان حملا الدعوة إلى التغيير والإصلاح، الحزب الوطنى أو جمعية حلوان وجمعية مصر الفتاة بالإسكندرية، وتبنى الحزبان الدعوة للنظام الدستورى وإطلاق الحريات.

 

وعندما تأزمت الأمور مع إصرار توفيق ورياض على سياستهما لم يعد أمام المصريين إلا الثورة، خاصة فى ظل غياب المجلس النيابى الذى كان منبرا للتعبير عن الغضب يحول دون انفجار الأوضاع.

 

وبالفعل قامت الثورة العرابية التى وصلت لحظة الذروة فى مظاهرة عابدين يوم 9 سبتمبر 1881، وكان فى مقدمة ونجحت الثورة فى أن تفرض على الخديو عزل حكومة رياض باشا وإعادة شريف باشا إلى رئاسة مجلس النظار، وقد أشار شريف باشا فى خطابه إلى الخديو توفيق بقبول تشكيل الحكومة بوضوح إلى أنه سوف يسعى لوضع نظام دستورى يقوم على الفصل بين السلطات الثلاث، فقد قال فى الخطاب: «أبذل الهمة فى تنظيم المجالس المحلية ووضع قوانين متناسقة متقنة النظام صريحة الأحكام، وفى تحديد القوى العمومية، أعنى القوة المنوط بها وضع القوانين، والقوة القضائية المكلفة بالحكم بموجبها، والقوة التنفيذية، وتعيين خصائص كل قوة منها وحدودها».

 

ونفذت حكومة شريف باشا مطالب الأمة فى إعادة الحياة النيابية، فرفع شريف باشا إلى الخديو توفيق تقريرا فى 4 أكتوبر 1881 بهذا الشأن، ثم قامت الحكومة بإجراء الانتخابات على أساس لائحة مجلس شورى النواب القديم، على أن يتحول المجلس المنتخب إلى جمعية تأسيسية تناقش مشروعا للائحة جديدة هى بمثابة الدستور.

 

وبالفعل تم انتخاب المجلس وافتتحه الخديو فى 26 ديسمبر 1881، وفى الثانى من يناير 1882 عرض شريف باشا مشروع القانون الأساسى الجديد لدراسته وإجراء ما يراه من تعديلات عليه، وأكد فى كلمته إلى انحياز الحكومة إلى منح المجلس النيابى المنتخب سلطاته الكاملة الرقابة والتشريع.

 

كان دستور 1882 يجمع بين خصائص قانون المجلس النيابى ولائحته الداخلية، لكنه أيضا كان يضع قواعد النظام السياسى الجديد للبلاد، ورغم أن الدستور لم يشر فى مواده إلى حريات المواطنين وحقوقهم ولا لمقومات الدولة الأساسية إلا أنه كان طفره فى النظام السياسى المصرى بمعايير ذلك العصر، وكان تعبيرا عن إرادة شعبية لدى المصريين ناضلوا لسنوات من أجل تحقيقها، لقد تمت صياغة الدستور فى 53 مادة تنظم أسلوب انتخاب مجلس النواب وتحدد حصانة أعضائه ودورات انعقاده ونظام عمله، وشروط حله والضوابط المنظمة لها، كما قرر الدستور فى مواده الدور الرقابى والتشريعى لمجلس النواب بشكل واضح لا يحتمل اللبس، ومنح المجلس حق مسألة الحكومة وأعضائها مجتمعين أو فرادى وحق محاسبتهم، وأقر بمبدأ المسئولية الوزارية التضامنية للحكومة أمام المجلس، كما نص على حق المجلس فى مناقشة الميزانية وإقرارها ونظم أسلوب حل الخلاف بين الحكومة والمجلس فى أى أمر من هذه الأمور، وأعطى الدستور للمواطنين حق مخاطبة المجلس بالعرائض وألزمه بدراستها والنظر فيها.

 

لكن شريف باشا لم يستمر فى الحكم لحين صدور الدستور، فقد اختلف مع القادة العسكريين للثورة حيث كان يرى ضرورة عودة الجيش لثكناته وترك إدارة شئون البلاد السياسية للجناح المدنى للثورة، الأمر الذى رفضه عرابى ورفاقه، فاستقال شريف باشا من رئاسة الحكومة وتولاها محمود سامى البارودى باشا، وفى ظل وزارته وفى 9 فبراير سنة 1882 نشرت الوقائع المصرية نص دستور 1882 الذى وضعه شريف باشا وقدمه لمجلس النواب لمناقشته وإقراره وأصدره الخديو توفيق سراى الإسماعيلية فى 7 فبراير.

 

 

 

 

 

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved