صحوة أوباما المتأخرة

إيهاب وهبة
إيهاب وهبة

آخر تحديث: السبت 7 سبتمبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

التغيير المفاجئ فى موقف الرئيس الأمريكى بالنسبة لتوجيه ضربة إلى سوريا على أساس استخدامها للسلاح الكيماوى، أثار العديد من التكهنات والتفسيرات. فى تصورى أن عاملين أساسيين قد لعبا دورا حاسما فى قرار أوباما بالعودة إلى الكونجرس الأمريكى أولا قبل أن يشن الهجوم على سوريا. العامل الأول ولا شك كان رفض مجلس العموم البريطانى لفكرة توجيه ضربة عسكرية لسوريا. بريطانيا هى الحليف الأقوى للولايات المتحدة، ومنذ الحرب العالمية الثانية عملت الدولتان فى تناسق شبه تام حيال القضايا الدولية، ولعبت بريطانيا دور الظهير الأساسى للولايات المتحدة فى الحروب التى شنتها منذ ذلك التاريخ على امتداد الساحة الدولية. شاركت بريطانيا الولايات المتحدة فى غزوها للعراق عام 2003 وقبل ذلك فى هجومها على أفغانستان عام 2001. أما أن يقف مجلس العموم البريطانى مثل ذلك الموقف من الضربة التى كانت يُخطط لها ضد سوريا، فأمر جديد تماما فى علاقات بريطانيا بالولايات المتحدة، ويعد تخليا عن الشريك الأكبر فى الوقت الذى كان يسعى هذا الأخير لتشكيل تحالف دولى من الدول المؤثرة لخوض الحرب، بعد فشل خيار صدور قرار من مجلس الأمن يوفر الشرعية للعملية العسكرية ضد سوريا.

كان من الطبيعى أن يتوقف أوباما طويلا أمام هذا التغيير فى الموقف البريطانى التقليدى وتداعياته المستقبلية. وربما الأهم هو أن بريطانيا قد لقَّنت الولايات المتحدة درسا فى الممارسة الديمقراطية. لجأ رئيس الوزراء كاميرون إلى البرلمان البريطانى، وخذله البرلمان بأغلبية بسيطة للغاية، ومع ذلك أذعن كاميرون لرأى ممثلى الشعب، حتى وإن ظهر الأمر وكأنه تخل عن الحليف الأمريكى فى وقت الحاجة. لماذا إذا لا يلجأ أوباما إلى ما لجأ إليه كاميرون؟ لماذا لا يرفع هو الآخر لواء الديمقراطية، ويأخذ رأى ممثلى الأمة الأمريكية أولا حتى وإن كان الدستور الأمريكى لا يلزمه بأن يسلك هذا المسلك. أضف إلى ذلك أن أوباما جاء إلى البيت الأبيض على أساس العمل على تخليص الولايات المتحدة من شباك حربيها فى العراق وأفغانستان. ظل أوباما عامين كاملين أو أكثر متجنبا التورط عسكريا فى الأزمة السورية. وعندما أعلن عن وجود خط أحمر لا يتعين أن يتجاوزه الأسد، وهو استخدام السلاح الكيماوى، فإنه كان يُمنى النفس ألا يرتكب الأسد حماقة تجاوز هذا الخط بالفعل، وبالتالى لا يضطر أوباما لاتخاذ إجراء مضاد. وجد أوباما نفسه فى موقف لا يحسد عليه، فليس هناك من غطاء دولى يضفى الشرعية على أى عمل عسكرى، وليس هناك من تحالف دولى قد يعوضه عن الشرعية المفقودة بعد أن تخلت عنه كل من بريطانيا وكندا وألمانيا وبلجيكا، وحتى فرنسا بدأت هى الأخرى فى مراجعة موقفها. كما أن الكونجرس الأمريكى والرأى العام فى الولايات المتحدة منقسمان حول الحرب بعد أن أنهكت الحروب السابقة البلاد. فليكن إذا اللجوء إلى الكونجرس أولا هو طوق النجاة من الورطة التى وجد فيها أوباما نفسه. ورطة كان يدعو الله مخلصا أن يجنبه إياها طوال الوقت.

●●●

نعود إلى العامل الثانى الذى أتصور أنه كان حاسما فى دعوة أوباما للكونجرس إلى التصديق مسبقا على قرار الحرب. لم يكن ذلك بسبب موقف لروسيا تتحدى فيه أمريكا وتهددها بإجراء مضاد إن هى أقدمت على مهاجمة سوريا. العكس تماما هو الذى حدث. أعلن الرئيس بوتين أن بلاده لن تدخل فى مثل هذه الحروب، وأن الوقت الذى كانت فيه روسيا تخوض الحروب لمصلحة الغير قد ولى إلى الأبد. تطور مثير فى العلاقات الدولية، حيث من المفترض أن يَهُب الحليف لنجدة حليفه فى وقت الشدة. أُجازف إلى القول أن أوباما قد اكتشف أن فخا روسيا قد نُصِبَ له عن طريق نأى روسيا بنفسها عن التورط فى مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة حول سوريا. روسيا لن تتدخل، ولن تقف عسكريا فى مواجهة أوباما. إذن فالساحة السورية مفتوحة أمام الولايات المتحدة كى تفعل ما يحلو لها أن تفعله فيها، ولا تلوم الولايات المتحدة إلا نفسها إن دارت عليها الدوائر بعد الانغماس فى المستنقع السورى. لسان حال روسيا يقول لأوباما: «لن نعطيك الشرعية من خلال مجلس الأمن، كما لن نُمَكِّنُكَ من إلقاء اللوم علينا إن قررت أن ترتكب حماقة على الأرض السورية». أشعر بأن أوباما قد تسربت الريبة إلى نفسه من الموقف الروسى الجديد المسالم، وربما كان عليه أن يراجع حساباته قبل فوات الأوان.

●●●

غضبت المعارضة السورية من تراجع أوباما فى اللحظة الأخيرة عن توجيه الضربة العسكرية. والحقيقة أننى كُنت أتمنى ألا تظهر المعارضة بذلك الموقف المطالب بالتدخل العسكرى الأجنبى من أجل خوض معركة هى فى الأصل معركتها. موقف فى نظرى موقف شائن خاصة أن التدخل العسكرى لا يستند إلى غطاء شرعى.

يبدو أننا تعيش الآن فى زمن العجائب، أو لعل ما يحدث هو من علامات الساعة! الحليف الأصغر يتخلى عن حليفه الأكبر، والحليف الكبير يتخلى عن الصغير، والخصم يترك الساحة لخصمه قبل أن يطلق الأخير الطلقة الأولى، ثم نرى المقاومة ــ ودون استحياء ــ تستنجد بالخارج كى يخوض معركتها الوطنية! رحم الله الرئيس السادات الذى أبى أن يُبقى الخبراء السوفييت على الأرض المصرية حتى لا يتصور أحد أنهم قد شاركوا فى معركة تحرير سيناء.

وإذا كانت المعارضة قد عبرت عن غضبها من أوباما بعد قرار العودة إلى الكونجرس، فإن غضبة إسرائيل كانت «مضرية». كانت إسرائيل قد أعدت العدة للضربة الأمريكية، بل ولأى ضربة سورية أو إيرانية عليها فى المقابل. استنفرت قواتها، ووزعت الأقنعة الواقية من المواد الكيماوية. وانتظرت ساعة الصفر على أحر من الجمر. العجيب أن إسرائيل كانت هى المصدر الأساسى للتقارير المخابراتية التى تشدقت بها الولايات المتحدة عن «حقيقة» الضربة الكيماوية السورية فى الغوطة. ادعت إسرائيل أنها استرقت السمع لاتصالات جرت بين القادة السوريين للإعداد للهجوم الكيماوى. واستطاعت إسرائيل أن تروج لهذه الادعاءات فى الولايات المتحدة الأمريكية، التى فرحت بها وتبنتها على الفور بل يبدو أنها قررت أن تنسبها لنفسها.

●●●

هل وصلت السذاجة بالولايات المتحدة إلى قبول مثل هذه الشهادة المشبوهة من عدو سوريا اللدود الذى ينتهز كل فرصة لمهاجمتها تحت مختلف الذرائع. لم تكتف إسرائيل بالترويج لهذه التقارير المخابراتية بل أرسلت وفدا إلى الولايات المتحدة لدعمها والتباحث حول الخطط الخاصة لمواجهة الموقف. هل فطن أوباما مؤخرا إلى أن إسرائيل هى التى تقف وراء هذه الأنباء، وهى التى تروج لها؟ على أية حال فإن قرار أوباما بتأجيل الضربة جاء بمثابة الصفعة المدوية على وجه إسرائيل. ويقول البعض فى إسرائيل الآن إن الولايات المتحدة لا يمكن التعويل عليها باستمرار، وأن على إسرائيل أن تستخلص العبر من هذا الموقف الأمريكى إذا تعلق الأمر بإيران. لم تكن هذه هى المرة الأولى التى تضرب الولايات المتحدة عرض الحائط بالضغوط الإسرائيلية، فقبل ذلك لم يوافق أوباما على ما كان يروج له نتنياهو من أن إيران هى قاب قوسين أو أدنى من إنتاج السلاح النووى.

لا يستطيع أحد أن يتنبأ يقينا بما سيكون عليه موقف الكونجرس الأمريكى من طلب أوباما توجيه ضربة عسكرية لسوريا، وذلك عندما يجتمع بكامل هيئتيه بمجلسى النواب والشيوخ بعد غد الاثنين، أو عما إذا كان أوباما سيذهب إلى الحرب حتى ولو رفضها الكونجرس. الأمل معقود على أن صحوة أوباما المفاجئة تجاه ما يمكن أن ينتظر أمريكا إذا ما لجأت إلى ذلك الخيار، هذه الصحوة ستلازمه لفترة أطول مستقبلا.

 

مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأمريكية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved