أفكارمن خارج القفص
ماجد عثمان
آخر تحديث:
الأحد 7 سبتمبر 2014 - 10:13 ص
بتوقيت القاهرة
عندما تتعقد المشكلات، فإن تطبيق نفس الحلول التى أدت إلى الفشل لا يمكن أن يؤدى إلى النجاح، وتصبح الحاجة ماسة إلى حلول جديدة لن أصفها بأنها من خارج الصندوق ولكن أفضل أن أطلق عليها وصف من خارج القفص. لأن العقل المصرى لا يقبع داخل صندوق ولكنه أسير قفص مُحكم يحتاج لجهد كبير لتحريره. فى الوقت ذاته فإن الشخصية المصرية والتى نشكو من عيوبها بها ميزة مهمة لا نعطيها الاهتمام اللائق وهى القدرة على الإبداع فى إنتاج حلول غير مألوفة لحل المشكلات. وفى بعض الأحيان تتشكل هذه القدرة فى إتجاهات شريرة أو منحرفة وفى بعض الأحيان تتجلى فى «فهلوة» فى الالتفاف حول القوانين وفى تجاوز الأعراف السائدة.
•••
ما أعرضه هنا عدد من الأفكار التى تصب فى المصلحة العامة لعلها تفيد فى الإسراع بحل المشكلات التى تواجهنا:
• التخفيف من الزحام المرورى:
لتخفيض عدد السيارات التى تجوب الشوارع طبقت بعض المدن قيودا لتخفيف الزحام المرورى بأن قصرت استخدام السيارات التى تحمل لوحات بأرقام فردية على ثلاثة أيام وقصرت استخدام السيارات التى تحمل لوحات بأرقام زوجية على الأيام الثلاث الأخرى مع السماح للجميع باستخدام سياراتهم يوم العطلة. وتطبيق هذا النظام لم يلق نجاحا لصعوبات عملية، والنظام الذى أقترحه هو تعديل بسيط يقضى بتوزيع استخدام السيارات حسب لونها وليس حسب رقم لوحاتها، فمثلا يسمح باستخدام السيارات البيضاء والسوداء أيام السبت والإثنين والأربعاء ويسمح باستخدام السيارات ذات الألوان الأخرى أيام الأحد والثلاثاء والخميس، وهى فكرة أسهل فى التطبيق لا تسهم فقط فى تخفيف المرور ولكن فى توفير كبير للطاقة وتخفيض ملموس لمعدلات التلوث.
• خلق فرص عمل للشباب:
الاقتصاد الصينى ينمو بمعدلات عالية ويعتمد على التصدير بشكل كبير والصينيون يتقنون كل شىء ربما باستثناء الحديث بلغات أخرى. لا أعلم عدد المصريين الذين يتقنون اللغة الصينية، ولكنى متأكد أن إتقانها سيفتح مجالات للعمل تزداد تدريجيا. أظن أن هناك حاجة ماسة لمترجمين من اللغة الصينية إلى العربية فى العالم العربى. هناك عدد محدود من طلاب الجامعات المصرية الذين يدرسون اللغة الصينية ولكن لماذا لا نتوسع فى إنشاء معاهد حكومية أو خاصة لتعليم اللغة الصينية بجودة عالية، لعلنا نخفف من حدة البطالة ونعوض بعض ما يخسره الإقتصاد المصرى لصالح الصين التى أغرقت أسواقنا بكل السلع بأسعار زهيدة.
• التخفيف من الزيادة السكانية:
الحديث عن الزيادة السكانية التى شهدتها مصر خلال الأعوام السبع الماضية حديث خافت، ولكن الأرقام تتحدث عن نفسها. فى عام 2006 كان عدد المواليد السنوى فى مصر حوالى مليون و800 ألف مولود، وازداد تدريجيا ليكسر حاجز المليونين عام 2008 ثم كسر حاجز 2.5 مليون عام 2012 ليصل إلى 2.6 مليون مولود سنويا فى السنتين الأخيرتين. حسبة تقريبية أجريتها أظهرت أن حوالى ثلث الأسر المصرية تنجب على الرغم من أن لديها ثلاث أطفال أو أكثر. فى ظل الظروف الصعبة التى تمر بمصر هل يمكن للقيادة السياسية أن تدعو الأسر التى لديها طفلان أو أكثر أن تتوقف عن الإنجاب خلال السنتين القادمتين. إذا استجابت كل الأسر المصرية لهذه الدعوة سينخفض عدد المواليد فى العام القادم بأكثر من مليون مولود ليصبح 1،6 مليون مولود، وهو ما يؤدى إلى إنخفاض ملحوظ فى أعداد التلاميذ المطلوب استيعابهم فى التعليم الإبتدائى ومن ثم يتيح فرصة ذهبية للارتقاء بجودة التعليم يستحيل تحقيقها فى ظل الزيادة السكانية الحالية.
• توفير سيولة لقطاع الكهرباء:
صاحب هذا الاقتراح الأستاذ الدكتور فاروق شاهين أستاذ التغذية بجامعة القاهرة وهدف المقترح هو توفير سيولة مالية لقطاع الكهرباء من خلال دعوة المشتركين إلى دفع مستحقات شركات الكهرباء مقدما ــ لمدة سنة مثلا ــ بناء على متوسط استهلاك الكهرباء فى السنة الأخيرة، ويتم عمل مقاصة فى نهاية كل سنة حسب استهلاكهم الفعلى. وفى المقابل يقترح الدكتور فاروق أن يتم تحفيز المشترك بتخفيض فى قيمة الفاتورة بنسبة قريبة من سعر الفائدة السائد، وبذلك يشعر الطرفين أنه فائز نتيجة لتطبيق النظام، الذى يجب أن يكون طوعيا ويستطيع المشترك الخروج منه متى أراد. هذا النظام مطبق فى بعض المناطق بشكل مختلف من خلال العدادات الكهربائية التى تعمل بالكروت المدفوعة مقدما ولكن انتشارها لايزال محدودا ويتطلب تركيب عدادات جديدة. وفكرة الدكتور فاروق هى فكرة قابلة للتطبيق الفورى دون أى أعباء على شركات الكهرباء.
• زيادة موارد الدولة:
تحتاج الدولة لاسيما أجهزة الحكم المحلى لزيادة مواردها دون أن تُفرض رسوم جديدة على المواطنين لاسيما الرسوم غير المبررة التى تثير غضب المواطن. فكرة سمعتها من رجل الأعمال المهندس صلاح دياب الذى يقترح أن يتم فتح ملف ترخيص الوحدات التجارية. فطبقا للقانون يجب ترخيص أى وحدة تجارية، وواقع الأمر أن معظم المحال الموجودة فى شوارع القاهرة والمدن المصرية مخالفة ولم تستكمل شروط الترخيص وتلجأ إلى دفع رشاوى وإكراميات لموظفى الحى لتأمن عدم الغلق. صاحب المحل يدفع وفى بعض الأحيان أكثر مما يجب، ولكن ليس للحكومة وبالتالى لا تدخل المدفوعات إلى موازنة الدولة وإنما إلى جيوب الفاسدين. لو تمكن المحافظين من تيسير الإجراءات وميكنتها على نحو يفصل بين طالب الخدمة ومقدمها فيمكن أن يؤدى ذلك إلى حصول الحكومة على مستحقات هائلة فى ضوء عدد المنشآت الاقتصادية التى تربو على 3 ملايين منشأة لا تقل نسبة الوحدات غير المرخصة منها عن النصف، أى أن المستحقات غير المحصلة بالمليارات.
•••
إن مشكلات مصر تبدو مستحيلة الحل إذا طبقنا الحلول التقليدية. والأفكار المعروضة فى هذا المقال وغيرها من الأفكار التى يمكن أن ينتجها المبدعون فى مصر وهم كُثر قد تكون مفتاحا لحل كثير من مشكلاتنا. التطبيق تواجه بعض التحديات العملية التى يمكن حلها، ولكن التحدى الأكبر هو كيف نخرج من القفص الذى حبسنا عقولنا فيه.