عن انتصار محدودى الكفاءة
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الإثنين 7 سبتمبر 2015 - 5:55 ص
بتوقيت القاهرة
ليس فى استطاعة السلطوية الجديدة أن تتوقف عن انتهاك الحقوق والحريات، أو أن تكف أدواتها القمعية عن المجتمع المدنى وتنهى الحصار المفروض عليه، أو أن تسمح للمواطن بالتعبير الحر عن الرأى وتمتنع عن تهجيره من المجال العام. وليس فى استطاعتها أيضا تجميل وجهها بتنظيم انتخابات تغيب عنها جميع الشروط الديمقراطية، أو بالادعاء زيفا بكونها تحترم تفضيلات الشباب وتطلعاتهم، أو باستدعاء مقولات الخوف من أن تلحق بنا مصائر بعض بلاد العرب التى تدمر اليوم دولها الوطنية وتنهار مجتمعاتها وأحاديث الترويع من أن نتحول جميعا إلى ضائعين يطرقون أبواب الهجرة غير الشرعية ويلقون حتفهم فى عرض البحر المتوسط، أو بتكليف خدمة السلطان والمكارثيين بتخوين الفكر الآخر والرأى الآخر والموقف الآخر.
هنا جوهر أزمة الوطن؛ من جهة سلطوية تعتاش على الظلم وتغييب العدل والعصف بسيادة القانون وتتجدد دماؤها كلما أوغلت فى ذلك بعنف، ومن جهة أخرى تنامى إدراك السلطوية وخدمتها ومكارثييها ومنتجى ضجيجها وصخبها أن القبح الأخلاقى والإنسانى والمجتمعى يتعذر التطهر منه تماما كما يستحيل تجاوز وضعية الانفصال الحقيقى بين السلطوية وبين قطاعات شعبية مؤثرة خاصة الشباب والطلاب والعمال. فالحصيلة هى حكم لا يتوقف طويلا أمام جبل المظالم والانتهاكات الذى راكمه خلال العامين الماضيين، ولا يهتم بتداعيات غياب العدل الكارثية على المواطن الذى عاد إلى خانات العزوف وعلى المجتمع الذى افتقد سلمه الأهلى وعلى الدولة التى يتراجع بعنف القبول الشعبى لمؤسساتها الرئيسية وينهار تراث الثقة الذى اكتسبته تاريخيا بعض سلطاتها العامة، ولا يتخوف من تقييمه السلبى من قبل قطاعات شعبية مؤثرة مستسلما لوهم القمع طويل المدى.
هنا جوهر أزمة الوطن؛ من جهة سلطوية تدفع خدمتها ومكارثييها ومنتجى ضجيجها وصخبها إلى الإيغال فى تبرير الاستبداد والاحتفاء بالظلم وترويج مقولات التخوين والتشويه والكراهية مدركة أن القبح الأخلاقى والإنسانى والمجتمعى أضحى هويتهم الوحيدة وأن «الصوت المرتفع» ربما كان سبيلهم الوحيد لمواصلة السير على طريق الهاوية الذى يزجون بنا جميعا نحوه، ومن جهة أخرى اغتيال ممنهج للعقل على وقع الإلغاء الكامل للحقائق والمعلومات كما تفعل تقارير «سجون الخدمة المتميزة» وعلى وقع احتفاليات «إنجازات البطل المنقذ» التى تسخر لها وسائل الإعلام وعلى وقع الادعاء الزائف بكون البديل الوحيد للسلطوية الجديدة هو الانزلاق إلى أوضاع مشابهة لأوضاع العراق وسوريا وعلى وقع العبث الذى تمارسه النخب الاقتصادية والمالية المتحالفة مع السلطوية والمعتاشة على حكم الفرد حين تعلن التزامها بالقيم الأخلاقية والإنسانية وهى التى أسهمت وتسهم بكثافة فى تمويل المظالم والانتهاكات التى نعانى منها منذ صيف 2013.
هنا جوهر أزمة الوطن؛ من جهة سلطوية تحيط المؤسسات والأجهزة العامة التى تسيطر عليها بجموع محدودى الكفاءة ومحدودى المعرفة وأصحاب الصوت المرتفع الذين يتميزون فقط بالترويج للحاكم الفرد وتشويه معارضيه ويرتبون المزيد من السقوط فى مواقع العجز والتخلف، ومن جهة أخرى كفاءات شابة ومتوسطة العمر تفقد عملها فى الداخل أو ترحل إلى الخارج وفى الحالتين تفرض عليها تعرجات بالغة القسوة لمسارات الحياة تباعد بينها روحيا وربما جسديا وبين الأرض التى تعشقها وتدفع بذلك ثمنا باهظا لتمسكها بحقوق الإنسان والحريات حين تتحول إلى مجموعات من المطاريد، مطاريد الديمقراطية.