هامش للديمقراطية ..خطر البيروقراطية المتضخمة
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الإثنين 7 أكتوبر 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
نعود إلى البدايات: تواجه الأجهزة التنفيذية والإدارية العامة، من وزارات ومصالح وهيئات إلى محافظات ووحدات محلية يصطلح على الإشارة إليها مجتمعة كبيروقراطية الدولة، التنظيم الديمقراطى المستقر وكذلك مسارات التحول الديمقراطى بتحديات كبرى تهدد حقوق وحريات المواطن وتهمش مشاركته فى إدارة الشأن العام. وجميع التحديات هذه جلية الوضوح فى واقعنا المصرى الراهن. فإذا كانت الديمقراطية تستند إلى تمكين المواطنات والمواطنين من معرفة حقائق الأوضاع فى الدولة والمجتمع المعنيين عبر التداول الحر للمعلومات، فإن البيروقراطية تعتبر المعلومات قدس أقداسها ومستودع أسرارها وتسعى باستمرار إلى احتكارها أو على الأقل الحد من تداولها الحر وتضغط لاستصدار القوانين واللوائح اللازمة لذلك. وإذا كانت الديمقراطية تهدف إلى تمكين المواطنات والمواطنين من معرفة الكيفية التى توزع بها موارد الدولة والمجتمع المعنيين على القطاعات المختلفة (الموازنة العامة) وتنفذ بها السياسات وفوارق مستويات الدخل والثروة والحظ من التعليم والرعاية الصحية والضمانات الاجتماعية وغيرها وتهيئتهم من ثم (أى المواطنات والمواطنين) لانتخاب ممثليهم فى السلطتين التشريعية والتنفيذية إما للإبقاء على الوضع القائم أو لتغييره جزئيا أو كليا، فإن البيروقراطية تتحفظ على «تدخل» المواطنات والمواطنين الذين تراهم كجمع محدود المعرفة فى مثل هذه «الأمور السيادية والمتخصصة» وتباعد بينهم وبين المطالبة بالتغيير والإصلاح. وإذا كانت الديمقراطية ترسى دعائم الرقابة على الموظفين العموميين ومساءلتهم ومحاسبتهم معينين ومنتخبين وتلزمهم وهم العنصر البشرى الذى يشغل الأجهزة التنفيذية والإدارية المختلفة بالشفافية ومواجهة الفساد ومنع استغلال المنصب العام وتنظر إلى ذلك باعتباره حقا أصيلا للمواطنات وللمواطنين، فإن البيروقراطية تنزع باستمرار وبدولاب عملها المعقد إلى التحايل على الرقابة والمساءلة والالتفاف على الشفافية وترسخ لثقافة الاستثناء من المحاسبة المناهضة للديمقراطية إما باتجاه الموظف العمومى رفيع المنصب كالرؤساء والوزراء والمحافظين ووكلاء الوزارات وغيرهم أو باتجاه أجهزة بعينها كقمة السلطة التنفيذية (الرئاسة أو رئاسة الوزراء وفقا للنظام السياسى المتبع) والأجهزة العسكرية والأمنية. وإذا كانت الديمقراطية ترى فى الأجهزة التنفيذية والإدارية للدولة «شرا لابد منه» تمليه ضرورات إدارة الشأن العام وتوزيع الموارد العامة وتنفيذ السياسات المختلفة وتميل إلى مقاومة تضخم الأجهزة هذه والحيلولة دون تغولها على المواطن والمجتمع استنادا إلى أفضيلة البيروقراطية الصغيرة على المتضخمة، فإن البيروقراطية تنظر إلى ذاتها باعتبارها صاحبة الحق الطبيعى الوحيد لإدارة شئون الدولة والمجتمع وتبحث دوما عن أسباب زيادة عدد موظفيها العموميين (عدد هؤلاء فى مصر اليوم يتجاوز ٦ ملايين) وتوسيع شبكة الوزارات والهيئات والمصالح التابعة لها والقطاعات المجتمعية التى تسيطر عليها والمعلومات التى تحتكرها. لا استقرار للتنظيم الديمقراطى ولا تحول للديمقراطية بدون مواجهة تحديات البيروقراطية المحتكرة للمعلومات والرافضة للمساءلة والمحاسبة والباحثة دوما عن الاستثناء وبدون مقاومة تضخمها وتغولها وتمكين المواطن من المطالبة بإصلاحها.
غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.