ظاهرة مصرية تؤرقنى ولا أجد لها تفسيرا يرضينى. يظل السؤال يدور بذهنى لا أجد له إجابة شافية أو تفسيرا يرضى. فى ذات الوقت الذى تتجمع فيه الظواهر السلبية كسحب داكنة فى سماء الوطن تتكاثف ومنها يزحف الظلام ترافقه العتمة تتألق بعض الومضات اللامعة المضيئة بقوة وحيدة متناثرة تعلن عن وجود حياة فى أرض الموت.
نماذج بديعة من الإيثار وحب الخير والولاء للوطن والرغبة الحقيقية فى مساعدة الآخرين دون شروط أو الانتظار لمقابل. كلما واتتنى الأيام بلقاء أحد من هؤلاء اسأل نفسى بإلحاح طالما أن فينا بالفعل من يحمل تلك الصفات الباهرة والرغبة الحقيقية فى تغيير الواقع لماذا نظل على ما نحن فيه من تخلف وانقلاب أخلاقى وانهيار معنوى واستسلام قدرى لمصير كارثى وشيك؟
لماذا أصبحت الغلبة فى نفوسنا للهزيمة إذا ما كان منا من صنع نصر أكتوبر المجيد. ملحمة إنسانية رائعة علت فيها كلمة الحق حينما عبر آلاف الجنود من بسطاء مواطنينا مجندون منهم من لا يجيد حتى القراءة والكتابة إلى جانب ضباط وطنيين أكفاء على اختلاف رتبهم ومخصصاتهم وفق خطة عبقرية محكمة تعاقبت مراحلها فى توافق مذهل وتوقيتات دقيقة إلى أن تحقق النصر المباغت على الجيش الاسطورة.
هذا الأسبوع عاودنى السؤال يلح على خاطرى فى ذكرى حرب أكتوبر المصرية الخالصة المجيدة وحينما التقيت بصورتين لا تقل أيهما عن الأخرى جمالا.
الصورة الأولى لمهندس شاب يدير شركة للإنشاءات يملكها عقد العزم على أن يدعم معهد القلب القومى بمليون جنيه. حينما سألته ما الذى يدفعك للتخلى عن مليون جنيه من حر مالك لمؤسسة خدمية تملكها الدولة وهى مسئولة عن الانفاق عليها لواجب أساسي؟
جاء رده: لم تعد الدولة بقادرة على الإنفاق على كل الخدمات التى يحتاجها الناس لذا رأيت أنه من الضرورى أن أتقدم للمساعدة متى كنت أملكها.
أما الصورة البديعة الأخرى فكانت لأم وابنتها لمظهرهما عراقة الأصل وطيب العنصر حملتا أيضا رصيدا يبلغ المليون جنيه فى رغبة منهما لدعم مرضى معهد القلب. سألت الأم فى دهشة: تسأليننى كيف تنفقين مليونا من الجنيهات لعلاج مرضى القلب ولك ابنة جميلة على أعتاب مرحلة الزواج وقد يلزمها نفقات كثيرة؟ بالطبع سؤالى لم يكن استنكاريا بل قصدت أن أسمع منها الواقع القوى وراء رغبتها فى أن تنفق كل هذا المبلغ للمساهمة فى دعم حياة الآخرين.
سبقتها الابنة التى تتمتع بمجال ملامح آسر بلا شك لا يفوق جمال روحها: أنا المصرة على ذلك والمبلغ تحت أمرك باسم معهد القلب من اللحظة فهذا أقل ما أقدمه لروح والدى واخوتى.
يا الله.. سبحانك.. فى ذات الوقت الذى يهزم الحزن فيه روح البشر تحتار من بينهم من يذكى الحزن فيهم روح الخير الخالص والإنسانية فى أبهى صورها.
بناء عن رغبة الأسرة الكريمة لا أنشر أسماء أو تفاصيل عن الحادثة التى أودت بالأب وابنيه فى ريعان الشباب لكنى سأظل اسأل إذا كان بيننا مثل هؤلاء فلماذا يطول زمن النكسة؟